فرحان إسرائيلي/جايبور

قدم الكابتن ميرزا محتشم بيغ وزوجته روبي خان نموذجًا مميزًا في مجال الخدمة المجتمعية بمدينة جايبور، حيث كرّسا جهودهما لتعزيز رفاه المجتمع وترسيخ قيم التعايش والانسجام الطائفي.

ويُعد الكابتن بيغ أول طيّار مسلم في ولاية راجستهان، وقد قاد الطائرات على الخطوط الوطنية والدولية لأكثر من 25 عامًا. وأما زوجته روبي خان فهي ناشطة اجتماعية مخلصة وسياسية فاعلة، تواصل جهودها لخدمة الناس والعمل من أجل قضايا المجتمع.

ويعتقد الزوجان بأن التحوّل الحقيقي في المجتمع يبدأ من المبادرة الفردية. وتقول روبي إن رغبتها القديمة في خدمة المجتمع وجدت معناها واتجاهها بعد زواجها من الكابتن بيغ. وقد أطلقا معًا العديد من المبادرات الشعبية، بما في ذلك المخيمات الطبية، وحملات التوثيق، وتوزيع المواد التموينية مجانًا، ودعم زواج الفتيات، لتصل خدماتهما إلى آلاف المحتاجين في المجتمعات المحرومة.

وترى روبي أن أكبر عائق يواجه الفئات المحرومة هو غياب الوصول إلى المعلومات، ويؤيدها الكابتن بيغ قائلاً: "ما لم نخطُ الخطوة الأولى، فلن يتمكن المجتمع من التقدّم".

وتستمد رسالتهما إلهامها من والد الكابتن بيغ، المهندس المدني المعروف في راجستهان ميرزا مختار بيغ، الذي غرس في أبنائه إحساسًا عميقًا بالمسؤولية المدنية. وقد شاركت روبي خان في تأليف كتاب بعنوان "الهندوسية والإسلام: عينان، ضوء جديد" مع الكاتب البارز البروفيسور كيه. إل. كمال. ويهدف الكتاب إلى ردم فجوة سوء الفهم الديني، وقد تم تدشينه عام 2010م على يد نائب الرئيس آنذاك حامد أنصاري، وحظي بتقدير واسع باعتباره "عملاً رائعًا".

وألفت روبي كتابًا شعريًا للأطفال أيضًا بعنوان "فقاعات المعرفة"، يعرّف الصغار بثقافة راجستهان وبيئتها وقيمها بلغة بسيطة وسهلة. وقد خُصص الكتاب لطلبة الحضانة والمرحلة التمهيدية، وتم تدشينه بحضور وزير التعليم في راجستهان آنذاك بريج كيشور شارما.

وأما الكابتن بيغ، فيكرّس جهوده لتوجيه الشباب من الفئات المحرومة، حيث ساعد من خلال الإرشاد المهني الكثيرين على اكتشاف قدراتهم وصقل إمكاناتهم.

ويتذكر الكابتن بيغ لحظة مؤثرة في مطار دلهي عندما اقترب منه أحد طلابه السابقين، وانحنى ليلمس قدميه اعترافًا بفضله في تغيير مسار حياته. ويقول إن مثل هذه المواقف تمنحه الدافع للاستمرار في إرشاد العقول الشابة وتوجيهها.

وأما روبي خان، فقد ركّزت جانبًا كبيرًا من عملها على تمكين المرأة، حيث عملت على رفع الوعي بقضايا العنف الأسري والصحة والتوظيف، كما نظّمت مخيمات للكشف عن مرض السرطان وورش عمل لتنمية المهارات. وقد مكّنت برامجها التدريبية في فن الحناء والخدمات المصرفية والتسويق الرقمي العديد من النساء من تحقيق الاستقلال المالي وشق طريقهن بثقة في المجتمع.

وفي مجال السياسة، فإن روبي لها حضور فاعل في صياغة سياسات شاملة، إذ تشغل منصب نائب الرئيس الوطني لجناح الأقليّات في حزب المؤتمر، وتولي اهتمامًا خاصًا بقضية التمكين السياسي للمرأة المسلمة. وهي تؤمن بأن التقدّم الحقيقي للأقليات مستحيل من دون مشاركتها الفاعلة في صناعة السياسات.

وإلى جانب ذلك، تُظهر العائلة شغفًا بحماية التراث المعماري والثقافي لمدينة جايبور. وقد أعربت روبي عن قلقها من تلاشي هوية المدينة بسبب التوسع العمراني غير المنضبط، والازدحام المروري، وظاهرة تراكم المياه. وهي تدعو إلى التعاون مع المهندسين والمخططين أصحاب الخبرة لإحياء الطابع التاريخي العريق لجايبور.

وتجري روح الخدمة بعمق في عائلة بيغ. فقد أدّى شقيق الكابتن الأصغر، ميرزا شارق بيغ، دورًا محوريًا في إعادة تأهيل جال محل، ذلك الموقع الذي كان منبوذًا في السابق، وأصبح اليوم وجهة سياحية كبرى. ومن خلال تقنيات طبيعية لتنقية المياه وتصميمات مستدامة، ساعد شارق في استعادة المكان ليغدو رمزًا للتجديد البيئي والثقافي في راجستهان.

وأما أصغر أفراد هذه العائلة الملهمة، فهو عالِم في المعهد الهندي للتكنولوجيا -إندور، وقد حظي مؤخرًا بتكريم من جامعة هارفارد عن أبحاثه. ولا يزال الإلهام الذي غرسه والدهم المهندس ميرزا مختار بيغ، يشكل الروح الموجهة لرسالة العائلة المشتركة.

اقرأ أيضًا: نشاط حسين: أول قاضية شرعية مسلمة في راجستهان

واليوم يواصل الزوجان توسيع مبادراتهما، حيث يعملان على تطوير برامج تدريبية جديدة، ومعسكرات للمنح الدراسية، وحملات توعية تستهدف تمكين الشباب والنساء والمجتمعات الأقل حظًا.

وإن مسيرة الكابتن ميرزا محتشم بيغ وروبي خان تثبت أن التغيير الحقيقي ممكن— حتى بإمكانات محدودة— إذا كان مدفوعًا بالتعاطف والإيمان والهدف الواضح. ويُعد عملهما مصدر إلهام دائم، ليس لجايبور فحسب، بل للهند بأسرها.