لغة بانو مشتاق ومصباح قلبها

06-06-2025  آخر تحديث   | 06-06-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
لغة بانو مشتاق ومصباح قلبها
لغة بانو مشتاق ومصباح قلبها

 


يوسف أبو لوز

تكتب الروائية والشاعرة الهندية بانو مشتاق (مواليد 1948) منذ أواسط سبعينات القرن العشرين، وحصلت على جوائز أدبية قليلة ذات طابع محلي من بعض الأكاديميات في بلادها، لكنها كسرت كل هذه العزلة الأدبية بل والجغرافية، وفازت بـ"البوكر" الدولية عن مجموعة قصصية لها بعنوان "مصباح القلب"، نقلتها إلى الإنجليزية المترجمة الهندية ديبا بهاستي التي تعتبر أدب الترجمة بشكل عام ممارسة غريزية.

تكتب بانو مشتاق بلغة محلية هي "الكانادية" التي يتحدث بها نحو 38 مليون شخص، وجاء في الموسوعة الحرة أن الكانادية تعود بحسب النقوش الآثارية إلى عام 450 ميلادية، ومع ذلك، لا أحد يعرف تاريخ وأدب هذه اللغة على نحو موسّع، إلا أن فوز بانو مشتاق بـ"البوكر" الأدبية العالمية وضع هذه اللغة في دائرة الاهتمام الثقافي العالمي على الرغم من أن قصص الكاتبة عرفت عمليًا عن طريق الإنجليزية، لغة الترجمة.

تنحدر بانو مشتاق من عائلة مسلمة، ومجموعتها القصصية "مصباح القلب" الفائزة بـ"البوكر" تحكي حياة ومعاناة النساء في جنوبي الهند، حيث تعيش طبقات مهمّشة وفقيرة مسلمة. ويشار أيضًا إلى أن بانو مشتاق هي محامية وناشطة إنسانية، وتعمل على "تقويض الأصولية والظلم الاجتماعي" كما ورد في تعريفها الموجز في "الويكيبيديا" العربية.

أولاً، فوز بانو مشتاق هو فوز وتكريم للغتها (الكانادية)، والآن يقرأ الكثير من كتّاب العالم عن هذه اللغة المغمورة من خلال عالمية "البوكر" وعالمية الترجمة إلى الإنجليزية (لغة الجائزة)، لكن الأهم من كل ذلك، في رأيي، أن الأدب حين يكون إنسانيًا وحقيقيًا في لغته وفي روحه يتجاوز اللغات ويتجاوز الترجمات. ويستطيع الأدب الإنساني مثلما تكتبه بانو مشتاق أن يرفع لغته المغمورة التي يُكتب بها إلى العالم كلّه، ويقدّم هذه اللغة على أنها لغة ثقافة ولغة تاريخ، بل لغة حضارة.

اقرأ فوز بانو مشتاق من هذه الزاوية، زاوية الأدب الذي ينقل اللغة التي يُكتب بها إلى العالمية، وبعد الأدب تأتي الترجمة التي هي مجرّد وسيط أبجدي ينقل المغمور اللغوي إلى اللغات النجومية في العالم مثل الإنجليزية والفرنسية.

كتب رسول حمزاتوف بلغته القومية المحدودة (الآفارية) شعرًا ونثرًا في مثل شفافية الروح البشرية الواحدة في العالم، فجعل من بلاده داغستان ذات اللسان الآفاري المحدود أشبه بقارّة من الجبال والفرسان. ومثلما أصبحت داغستان دولة عالمية من خلال الأدب أصبحت اللغة الآفارية عالمية هي الأخرى، حتى وإن نقلت إلى العالم بالروسية أو الإنجليزية أو أي لغة حيّة أخرى.

قبل أن أبحث عن قصص "مصباح القلب"، رحت أبحث عن تاريخ اللغة "الكانادية"، وعن مكانها الاجتماعي والإنساني والجمالي في المناطق النائية من جنوبي الهند.

نشر المقال في صحيفة "الخليج"، ويتم إعادة نشره بإذن من الكاتب.

قصص مقترحة