محبوب عالم
يُحتفل بيوم المعلّم في الهند في الخامس من سبتمبر كل عام، وذلك إحياءً لذكرى ميلاد الدكتور سارفيبالي رادهاكريشنان، ثاني رئيس للهند وأحد أعلام الفكر والفلسفة في القرن العشرين. ويُعَدّ يوم المعلّم في الهند من أبرز المناسبات التعليمية، ليس بوصفه ذكرى تقليدية فحسب، بل كرمزٍ للاعتراف بفضل المعلّم ودوره الجوهري في صياغة وعي الأجيال وصناعة مستقبل الوطن.
وُلد الدكتور رادهاكريشنان عام 1888م في بلدة صغيرة بولاية تاميل نادو، وكان طالبًا متفوقًا سرعان ما أصبح من أبرز علماء الهند في اختصاص الأديان المقارنة والفلسفة. ودرّس في أعرق الجامعات، من بينها جامعة كلكتا وجامعة أوكسفورد، واكتسب احترامًا واسعًا داخل بلاده وخارجها. ولم يقتصر دوره على الأكاديمية، بل برز دبلوماسيًا ورجل دولة؛ إذ تولّى منصب أول نائب لرئيس الهند من 1952م إلى 1962م، ثم أصبح ثاني رئيس للجمهورية من عام1962 م إلى1967 م. ورغم هذه المكانة الرفيعة، ظلّ وفيًّا لمهنة التعليم ولرسالة المعلّم.
بداية الاحتفال بيوم المعلم
تجسد قصة تحوّل يوم ميلاده إلى "يوم المعلّم" تواضع الدكتور رادهاكريشنان العميق. فعندما أراد طلابه وأصدقاؤه الاحتفال بعيد ميلاده عام 1962م، اقترح أن يُخصَّص هذا اليوم لتكريم المعلمين جميعًا بدلًا من شخصه. كان يرى أن المعلم هو المهندس الحقيقي للمجتمع، وأن الاعتراف بفضله هو تكريم للقيم الإنسانية ذاتها. ولقي اقتراحه ترحيبًا كبيرًا، ومنذ ذلك الحين أصبح الخامس من سبتمبر يومًا وطنيًا لتقدير جهود المعلمين وتفانيهم.
فعاليات يوم المعلّم
تُقام الاحتفالات في المدارس والكليات والمؤسسات التعليمية بأنشطة مبهجة، حيث يرتدي الطلاب زيّ المعلمين ويتولّون التدريس لزملائهم، في مشهد رمزي يعكس تبادل الأدوار. كما يعبّر الطلاب عن امتنانهم ببطاقات وزهور وهدايا، وتُنظم عروض ثقافية وأنشطة خاصة، تشمل أيضًا الخطب والقصائد والمسابقات في المقالة والخطابة، في أجواء تحتفي بالمعلّم ودوره السامي.
مسؤولية المتعلم...
عند التأمل في الدور الحقيقي للمعلّم، نجده يتجاوز جدران الصفوف وحدود المقررات الدراسية؛ فهو يصنع الإنسان قبل أن يصوغ المتعلم المتفوّق، يغرس في عقول الشباب مبادئ الانضباط والصدق والتفاني، ويغرس فيهم روح المسؤولية ويقودهم نحو التمسّك بالقيم الإنسانية الرفيعة والعادات النبيلة. فالمعلم لم يكن مجرد ناقل للمعرفة، بل هو قدوة وصانع مستقبل الأجيال. فإن العلاقة بينه وبين طلابه أشبه بعلاقة الخزّاف مع الطين؛ يحوّل المادة الخام إلى عمل فني ذي قيمة. ومن ثم، فإن الاحتفاء بالمعلم هو احتفاء بالقيم الأخلاقية والإنسانية التي يقوم عليها المجتمع.
ولا شك أنّ أعظم ما يُنتظر من المتعلم طوال العام هو أن يكون الصورة الحيّة لجهود معلميه وتفانيهم. فالمعلم يبذر البذور في عقله وقلبه، مترقبًا أن يراها وقد أينعت ثمارًا ناضجة في مسيرته العلمية والإنسانية. ومن هنا، فإن نجاح المتعلم في ميدانه، وإبداعه في تخصصه، وإسهامه في خدمة مجتمعه ووطنه، هي أسمى صور الامتنان والوفاء لمعلمه.
والوفاء الحقيقي لا يتجسّد في الكلمات أو المظاهر الاحتفالية، بل يتجلّى في السلوك اليومي للمتعلم حين يتحلى بالأخلاق الكريمة ويتمسك بالقيم الإنسانية التي أراد معلِّمه أن يغرسها فيه. فالعلم الحقيقي هو الذي يُوظَّف لبناء الذات وخدمة الآخرين، لا ليكون أداة أنانية أو وسيلة للإضرار بالغير. وهنا يظهر الفارق بين من يسعى وراء الشهادات فقط، وبين من يجعل من المعرفة رسالة تحمل أثر معلمه وتمضي بصمته إلى الأمام، فيغدو سببًا لسروره، ووسامًا لرفعته، ومصدرًا لخلود رسالته.