باحث هندوسي (مولوي ماهيش براشاد) له دور بارز في نشر اللغة العربية في الهند

12-11-2024  آخر تحديث   | 11-11-2024 نشر في   |  M Alam      بواسطة | Prof. Ashfaq Ahmad 
باحث هندوسي (مولوي ماهيش براشاد) له دور بارز في نشر اللغة العربية في الهند
باحث هندوسي (مولوي ماهيش براشاد) له دور بارز في نشر اللغة العربية في الهند

 

أشفاق أحمد  

يعدّ مولوي ماهيش براشاد من أولئك الهندوس الكبار الذين ساهموا إسهامًا مرموقًا في نشر اللغة العربية وفنونها في الهند في العهد الحديث. تعلّم اللغة العربية، ودرس التاريخ الإسلامي، وتعمّق في الثقافة الإسلامية، واطّلع على عادات المسلمين الهنود وتقاليدهم واحتفالاتهم اطلاعًا واسعًا. وهو كاتب مكثر نشرت له كتب وبحوث ومقالات في اللغتين الأردية والهندية، كما نشرت له مقالات انتقد فيها ممّا تفشّى في المجتمع الإسلامي الهندي من المعتقدات والتقاليد غير المجدية. إنه درّس اللغة العربية والفارسية والأردية في جامعة بنارس الهندوسية، الواقعة في فارانسي، لأكثر من ثلاثة عقود، وتولّى رئاسة قسم اللغات العربية والفارسية والأردية لهذه الجامعة لمدة طويلة. وقد انفرد بين معاصريه في أعماله الأدبية الرائعة بشأن الأدب الأردي الذي خلّفه الشاعر الفيلسوف العبقري مِرزا أسد الله خان غالب (1797-1869م).

ولد ماهِيشْ براشاد ابن غَوْرِي شانكارْ في قرية فَتِحْ بُورْ كايستان بمقاطعة إله آباد (التي تعرف حاليا بـ "بَراياغْ راجْ"، بولاية أوترا براديش، في 19 أبريل 1891م. وتعلم اللغات الفارسية والسنسكريتية والهندية في قريته فتح بور. ودرس لمدة خمس سنوات في مدرسة ثانوية تبشيريةA.P. Mission High School في إله آباد، ونجح في الامتحان في عام 1911م بامتياز.

والتحق في عام 1913م بـ"مدرسة آريا مسافر" في مدينة آغرا، حيث ظل يدرس اللغة العربية، من بين مواد أخرى، حتى عام 1915م. ونظرًا لشغفه باللغة العربية وآدابها، عيّن ماهيش براشاد مدرسًا للغة العربية في نفس المدرسة. وبذلك أصبح ماهيش براشاد أول معلّم يدرّس اللغة العربية في هذه المدرسة/الكلية. وقد دفعه شغفه الكبير باللغة العربية إلى الالتحاق بالكلية الشرقية في لاهور عام 1916م. ودرس اللغة العربية وآدابها في هذه الكلية لمدة أربع سنوات تقريبًا، وحصل على درجتي "مولوي عالم" و"مولوي فاضل" في عام 1918م و1920م على التوالي، وبذلك عُرف بين معاصريه بـ"مولوي ماهيش براشاد".

وعيّن مولوي ماهيش براشاد محاضرا في قسم اللغات العربية والفارسية والأردية، بجامعة بنارس الهندوسية عام 1920م ظلّ يدرّس اللغات الثلاث المذكورة آنفا حتى تقاعده عن العمل في يونيو عام 1951م. وتولّى رئاسة القسم في عام 1924م، وظل يحتلّ هذا المنصب حتى تقاعده عن العمل. ومات مولوي ماهيش براشاد بعد شهرين في أغسطس نفس العام  في مدينة إله آباد  التاريخية. ومن اللافت للنظر أن الأستاذ مِرزا محمد حسن، المعروف بين الناس بـ"فائز بنارسي" (1856-1929م)، كان يدرّس اللغة العربية في القسم منذ عام 1917م. ومِرزا محمد حسن هو الذي بدأ به تدريس اللغة العربية في جامعة بنارس الهندوسية.

وكان مِرزا محمد حسن شاعرًا أرديًا مشهورًا في بنارس، والمدن الأخرى المجاورة لها، وعرف بـ"استاد شاعر" (الشاعر الأستاذ). وتعلّم اللغات العربية والفارسية والأردية ودرس فنونها. وكانت له علاقة ودّية وثيقة مع مؤسّس جامعة بنارس الهندوسية البَندِتْ المهامانا "مادان موهان مالفيا" (1861-1946م). وأسّس البندت هذه الجامعة الكبرى العريقة في عام 1916م في مدينة كاتشي التاريخية. وكان شخصية عملاقة متعددة الأبعاد، ونظرًا لأعماله الكثيرة الممتازة منح بـ"بهارات راتنا، أعلى جائزة مدنية في جمهورية الهند، في عام 2014م.

وكان مولوي ماهيش براشاد رجلاً ذكيًا مثقّفا ومتدينًا، وعُرف بين أقرانه شخصًا معتدلاً في لباسه وطعامه وسلوكه، وعاش حياة ساذجة بسيطة، وكان كثير المطالعة والبحث والتحقيق، وكان يهتم بالوقت؛ فلم يكن يضيع وقته في أعمال تافهة أو غير مجدية، ولم يعش قط منقطعًا عمّا كان يحدث في مجتمعه، وكان من أبرز الدعاة إلى ضرورة الإصلاحات في المجتمع الهندي، وعارض من خلال كتبه ومقالاته التقاليد السيئة السائدة في كلا المجتمعين الهندوسي والإسلامي.

وكان عالمًا معروفًا في اللغات العربية والفارسية والأردية والسنسكريتية والهندية، ونشرت له كتب وبحوث ومقالات باللغتين الأردية والهندية في اللغة والأدب والقضايا الاجتماعية وغيرها من المواضيع. ومن الجدير بالذكر هنا أنّ مولوي ماهيش براشاد تعلم اللغة العربية أساسا ليتمكن من الوصول إلى المصادر الإسلامية الأصلية.

وتأثر مولوي ماهيش براشاد بالآراء الدينية والأيديولوجية التي نشرها المصلح والفيلسوف الهندوسي الكبير "سوامي داياناند ساراسواتي" أثناء أيام دراسته. وتجدر الإشارة إلى أن الفكرة الهندوسية لساراسواتي أثرت في ذهن مولوي براشاد تأثيرًا كبيرًا، من حيث عمل لنشر دعوة "آريا ساماج" طوال حياته. والجدير بالذكر أن سوامي داياناند ساراسواتي (1824-1883م) أسّس حركة إصلاحية هندوسية تسمى "آريا ساماج" في عام 1875م في مومباي. ومن اللافت للنظر أنّ لهذه الحركة الهندوسية تأثيرًا كبيرًا في المجتمع الهندي.

وزار مولوي ماهيش براشاد إيران في عام 1929م، ونشر قصة رحلته في شكل كتاب بعنوان: "ميري إيران ياترا" (رحلتي إلى إيران). وكتب كتابًا باللغة الهندية بعنوان: "عربي كافيا دارشان" (فلسفة الشعر العربي)، والذي نُشر عام 1921م. كما ترجم الكتاب الشهير "سليمان سوداغار" إلى اللغة الهندية بعنوان: "سليمان سوداغر كا ياترا فيفاران" (وصف رحلة التاجر سليمان) أثناء دراسته في لاهور، ونشره عام 1921م. ونشرت له مقالتان باللغة الهندية "سوامي داياناند أور قرآن" (سوامي داياناند والقرآن)، و"غاي أور قرآن" (البقرة والقرآن). كما نشر كتابًا باللغة الهندية "إسلامي تيوهار أور أوتساف" (المهرجانات والاحتفالات الإسلامية).

اقرأ أيضًا: الهند: إمام المسجد النبوي يحثّ الناس على التمسك بالكتاب والسنة والعمل بهما

وإلى جانب تدريسه اللغةَ العربية (واللغتين الفارسية والأردية) في جامعة بنارس الهندوسية، ساهم البروفيسور مولوي ماهيش براشاد مساهمة كبيرة في نشر الأدب الأردي، وتعميم دعوة "آريا سماج" وأفكارها الهندوسية. وإنّ مساهمته في الأدب الأردي، وبالأخص أعماله البحثية عن الشاعر الكبير مِرزا أسد الله خان غالب تحظى بالاحترام والتقدير من قبل الأكاديميين.

أشفاق أحمد هو أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي