من دلهي القديمة إلى الهند الحديثة… شيراز خان يطلق حركة لتمكين من لا صوت لهم

12-11-2025  آخر تحديث   | 12-11-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | آواز دي وايس 
من دلهي القديمة إلى الهند الحديثة… شيراز خان يطلق حركة لتمكين من لا صوت لهم
من دلهي القديمة إلى الهند الحديثة… شيراز خان يطلق حركة لتمكين من لا صوت لهم

 


ويدوشي غور/نيودلهي

تعمل منظمة "نعم، نستطيع" (Yes, We Can)، التي أسسها شيراز خان، على تمكين المجتمعات ودعم طاقات الشباب، من خلال توفير مساحات آمنة تساعدهم على النمو والتطور وبناء مستقبل أفضل.

ويقول شيراز خان بأسلوب يعكس تجربته الشخصية: "أعرف جيدًا كيف يكون الشعور حين تكون لديك أحلام كبيرة لكنك لا تملك خريطة طريق لتحقيقها. ومن خلال المنظمة، نريد أن نُثبت للناس أن خلفيتهم لا تحدد مستقبلهم، وأن لكل إنسان فرصة ليصنع طريقه الخاص".

وتقدّم المنظمة دعمًا معنويًا وماديًا للطلاب من الفئات الأقل حظًا، كما تُولي اهتمامًا خاصًا بالأطفال من ذوي الإعاقة من خلال برامج تأهيلية يشرف عليها مختصون في الدعم الجسدي والنفسي.

كما أطلقت المنظمة مركزًا لتدريب الشباب على رياضتَي الكريكيت وكرة القدم، بهدف مساعدتهم على توجيه طاقتهم نحو أنشطة إيجابية وبناءة تُسهم في تطوير مهاراتهم وتنمية شخصياتهم.

وفي زمنٍ تزداد فيه الانقسامات بين الناس بسبب الخلفية أو الدين أو الطبقة الاجتماعية، تبرز هذه المنظمة كرسالة أمل تُذكّر بأن الوحدة والتكافؤ في الفرص يمكن أن يغيّرا مصائر الإنسان، وأن التعاون يمكن أن يفتح الأبواب أمام مستقبلٍ أكثر عدلاً وأملًا للجميع.

وفي قلب هذه المبادرة شيراز خان، من مدينة دلهي القديمة، الذي تحوّلت رحلته في اكتشاف الذات وتحدّي الصعاب إلى مصدر إلهامٍ يُجسّد روح التغيير والأمل. ومن تجربته الشخصية وواقعه الاجتماعي، صاغ شيراز فلسفة المنظمة التي تنبض بإيمانه بأن القوة الحقيقية تنبع من الإصرار، وأن كل إنسان قادر على تحويل واقعه مهما كانت التحديات.

ولفهم جوهر المبادرة،  لا بد من التعرف إلى مؤسسها شيراز خان، ابن دلهي القديمة، الذي يصفه الناس بأنه قلب المدينة النابض. فكما يردد المثل الشعبي: "الهند قلبها دلهي، ودلهي قلبها المدينة القديمة، وقلب المدينة القديمة هو شيراز خان".

ونشأ شيراز خان في دلهي القديمة داخل أسرة مسلمة جمعت بين التمسك بالتقاليد والانفتاح على التعليم الحديث. ودرس في مدرسةٍ إنجليزية، وفي الوقت نفسه التحق بـالمدرسة الدينية، حتى أصبح حافظًا للقرآن الكريم، وهي تجربة صقلت فيه قيم الانضباط والصبر والمثابرة.

وتجلّت في شيراز خان روح التمرّد الإيجابي والسعي لاكتشاف الذات، إذ رفض الاعتماد على دخل والده أو اتباع مسار تقليدي، واختار أن يبني مستقبله بإرادته الخاصة، وهو القرار الذي أسّس لاحقًا لهويته القيادية والإصلاحية في مجتمعه.

وبدأ خان مسيرته في مركز اتصال، حيث اكتسب مهارات التواصل والثقة التي ساعدته لاحقًا في عمله الاجتماعي، ثم قادته طاقته الإبداعية إلى مجال الرقص، ما ألهمه لاحقًا السعي وراء حلم التمثيل. وسعيًا وراء حلمه، انتقل إلى مومباي، مدينة السينما والطموح، حيث واجه تحديات مالية وعاطفية صعبة. لكنه وجد من يدعمه ويساعده على بناء شبكة علاقات داخل الوسط الفني، لتكون تلك المرحلة بداية انطلاقه الحقيقي.

وبدأ شيراز خان يحصل تدريجيًا على أدوار في المسلسلات التلفزيونية والبرامج الواقعية، ليعيش الحلم الذي كان يومًا ما بعيدًا عن متناول شاب من أزقة دلهي القديمة، مؤكّدًا أن الإصرار والإيمان بالنفس قادران على تحويل المستحيل إلى واقع.

وحين توقفت حياته الفنية بسبب جائحة كورونا، وجد شيراز في ذلك التوقف فرصة للتأمل، فبدأ تجربة البودكاست التي قادته لاكتشاف أن النجاح الحقيقي يكمن في إلهام الآخرين ومساندتهم، لا في الشهرة وحدها.  وكانت تلك اللحظة من الإدراك هي نقطة التحوّل التي وُلدت منها مبادرة المنظمة (Yes, We Can)، فأسّسها مع صديقه نانديش استجابةً لحالة العزلة والاضطراب التي خلفتها جائحة كورونا، مؤمنَين بأن الحل يكمن في بناء حركة مجتمعية قائمة على التعاون والأمل تستمر حتى بعد انتهاء الأزمة.

وبدأت فكرة المنظمة عام 2015م حين أدرك مؤسساها أن الناس يحتاجون إلى الدعم المعنوي والإحساس بالانتماء أكثر من المساعدات المادية. بدأت كمبادرة صغيرة، ثم تطورت إلى منصة تمكينية تجمع أشخاصًا من خلفيات مختلفة، وتشجعهم على الإيمان بأحلامهم. ومن خلال الأنشطة المجتمعية والتعاون مع الشباب، تحولت إلى مركز يجمع بين الطموح والعمل. وكما يقول شيراز: "الأمر لا يتعلق بالعمل الخيري، بل بالتمكين وبناء القدرة على النهوض".

وتهدف المنظمة إلى تمكين من لا يُسمع صوتهم، عبر برامج توجيه وتوعية وشراكات شبابية، لترسيخ الثقة والقدرة على التغيير، وإثبات أن العمل الجماعي يصنع الفارق الحقيقي.

وواجه شيراز خان في حياته العديد من الصعوبات المادية والمهنية، واضطر أكثر من مرة إلى البدء من جديد، ومن خلال هذه التجارب اكتسب قدرة إنسانية عميقة على التعاطف مع الآخرين، فأصبحت قصته مصدر إلهام يعبّر عن قوة الصبر والتجربة في فهم الناس ومساندتهم بصدق.

وتنقّل شيراز خان بين أدوار متعددة — من حافظٍ للقرآن إلى ممثلٍ ورائد عمل اجتماعي — ليبرهن أن النمو الشخصي والتغيير الاجتماعي وجهان لرحلةٍ واحدة، وأن تطور الفرد يمكن أن يكون بذرة لتحولٍ أوسع في المجتمع.

ويحلم شيراز خان بتوسيع هذه المبادرة في أنحاء الهند عبر شراكات مع المدارس والشباب وقادة المجتمع، مؤمنًا بأن التغيير يبدأ بإيمان بسيط بأننا نستطيع، لا بخطوات عظيمة.

ويُدرك شيراز خان أن الإعلام يمكن أن يكون أداة للتغيير الاجتماعي، لذا يسعى إلى توسيع نطاق تجربته في البودكاست ليجعل منه منصة تُبرز الأصوات المهمشة والقصص غير المروية.

اقرأ أيضًا: أبو الكلام آزاد وإرث "ثقافة الهند" في مدّ الجسور مع العالم العربي

ومن خلال هذا الدمج بين الفن والمجتمع، يرسّخ شيراز رؤيته بأن كل جهد يجب أن يكون وسيلة للإلهام والتمكين وبناء الوعي، لا مجرد عرض للذات أو السعي وراء الشهرة.