أبو الكلام آزاد وإرث "ثقافة الهند" في مدّ الجسور مع العالم العربي

11-11-2025  آخر تحديث   | 11-11-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | مجيب الرحمن 
أبو الكلام آزاد وإرث
أبو الكلام آزاد وإرث "ثقافة الهند" في مدّ الجسور مع العالم العربي

 


مجيب الرحمن

يصادف 11 نوفمبر 2025 ذكرى ميلاد مولانا أبي الكلام آزاد (1888م، مكة المكرمة)، الزعيم الوطني الهندي والعالم الإسلامي. كان رمزًا للوحدة بين الهندوس والمسلمين، ومناصرًا للقومية الهندية المشتركة، وأول وزير للتعليم في الهند المستقلة (1947-1958). ساهم في تأسيس مجلة "ثقافة الهند" (بالعربية)، التي شكلت جسرًا ثقافيًا بين الهند والعالم العربي على مدى 67 عامًا. في ذكراه الـ137، نستذكر دور المجلة في تعزيز الروابط الثقافية، ونأسف لتوقفها – خسارة كبيرة في زمن يحتاج إلى تقوية هذه الأواصر.

تم تأسيس مجلة "ثقافة الهند" عام 1950م من قبل "المجلس الهندي للعلاقات الثقافية"، ضمن جهود مولانا أبي الكلام آزاد لتعزيز الدبلوماسية الثقافية. وكوزير للتعليم، اعتبر مولانا آزاد التبادل الثقافي أداةً للسلام العالمي، مستلهمًا تراثه الإسلامي وخبرته في الصحافة عبر جريدتي "الهلال" (1912) و"البلاغ" (1915)، اللتين حُظِرتا لدعوتهما للوحدة الوطنية، وساهمتا في استقلال الهند. وصدرت المجلة ربع سنوية، كالنسخة العربية الرئيسة لسلسلة المجلس الهندي للعلاقات الثقافية باللغات المتعددة، وبلغت 68 مجلدًا بحلول عام 2017م، مع توزيع آلاف النسخ عبر 22 مركزًا ثقافيًا هنديًا في العالم العربي، منها القاهرة والرياض وأبوظبي.

وأدت المجلة دورًا محوريًا في تعزيز العلاقات الثقافية بين الهند والعالم العربي، حيث نشرت مقالات وترجمات عن التراث الهندي، والتاريخ الهندي، والأدب الهندي، والثقافة الهندية، والفلسفة الهندية القديمة، إلى التصوف الإسلامي والتراث الإسلامي والثقافة الإسلامية في الهند، بالإضافة إلى تغطية للأدب العربي الكلاسيكي مثل أعمال ابن خلدون، الذي ألهم آزاد في كتاباته عن التاريخ الإسلامي. وعلى سبيل المثال، فإن العدد الأخير (عدد 2 المجلد 68، عام 2017) تضمن مقالات مثل "فاراناسي: مدينة الثقافة والعقيدة والفلسفة"، و"الشيخ القاضي مجاهد الإسلام القاسمي وعنايته بالفقه الإسلامي"، و"طقوس الزواج في منطقة ميثيلا"، و"دور اللغة العربية في نشر الثقافة الإسلامية في الهند"، و"ناجالاند أرض المهرجانات"، و"جريدة الهلال ودورها في إيقاظ الوعي الاجتماعي والسياسي في الهند"، و"الحج والحجاج في الهند"، و"أثر الحج في الشخصيات الهندية"، و"مزدا ياسينا" (ديانة يؤمن بها البارسيون الهنود والزرداشتيون الإيرانيون)، إلى جانب ترجمة قصتين هنديتيتن. وإن هذه المحتويات لم تكن مجرد معلومات أو حبرا على ورق، بل شهادة حية على ازدهار الثقافة الهندية، والتفاعلات الثقافية القوية بين الهند والعالم العربي التي قامت صفحات مجلة ثقافة الهند بتوثيقها للأجيال اللاحقة.

ولقد تناولت مجلة "ثقافة الهند" عبر صفحاتها جوانب عديدة من الشؤون الثقافية المهمة، وقدّمتها للقراء العرب وللمهتمين بالثقافة الهندية باللغة العربية، فكانت نافذة متميزة على الفكر والفن والحياة في الهند. ومن أبرز ما نشرته المجلة مقالات عن اليوغا، التي أصبحت اليوم تحظى بشعبية واسعة في العالم العربي، وأسهمت هذه المقالات في إبراز الجوانب المشرقة للثقافة الهندية وتعميق فهمها لدى القراء العرب. 

وقد لاقت المجلة اهتمامًا كبيرًا في أوساط المعنيين بالثقافة الهندية في العالم العربي، وهم كُثر، حتى غدت أحد أهم الجسور الثقافية بين الشعبين. وإذا كانت صورة الهند في الوجدان العربي صورة مشرقة وجميلة، فإن لمجلة ثقافة الهند دورًا بارزًا في ترسيخ تلك الصورة، إذ كان العرب ينظرون إلى ما تنشره من مقالات بعين الجدية والاحترام، ولا يزالون حتى اليوم يُجلّونها ويثمّنون إسهامها في تعزيز التبادل الثقافي بين الهند والعالم العربي.

كما أسهم مهرجان "الثقافة العربية–الهندية" الثنائي السنوي، الذي شارك فيه أكثر من خمس مائة فنان وكاتب منذ عام 2005م، في توسيع آفاق هذا التفاعل الثقافي وترسيخ أواصره.

الإحصائيات تؤكد حجم العلاقات: بلغ حجم التجارة بين الهند ودول الجامعة العربية 240 مليار دولار أمريكي في 2024م، مع مساهمة التبادل الثقافي في تعزيز الاستثمارات، حيث ارتفعت استثمارات الإمارات وحدها في الهند إلى 100 مليارات دولار، وفي مجال التعليم، يدرس آلاف من الطلاب العرب في الجامعات الهندية، ويتلقى آلاف من الطلبة العرب منحًا دراسية من  المجلس الهندي للعلاقات الثقافية. وهذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات؛ إنها دليل على عمق العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية البينيّة - مصالح عميقة تمس كل جوانب الحياة في كلا الطرفين.

ولكنّ توقف مجلة "ثقافة الهند" بعد 2017م لأسباب يُعد خسارة كبيرة في العلاقات الثقافية. وفي زمن التوترات الجيوسياسية والتحديات كالإرهاب والتطرف، كانت المجلة درعًا ناعمًا يعزز الفهم المتبادل. وهذا التوقف يُضعف الجهود الدبلوماسية بين الهند والعالم العربي، الشريكين الاستراتيجيين على الساحة العالمية.

"آواز دي وايس": منبر جديد يواصل رسالة "ثقافة الهند" بروح معاصرة

في هذا السياق، تبرز النسخة العربية لبوابة "آواز دي وايس (Awaz-The-Voice)" الإخبارية كمنارة أمل. وإن إطلاقها قبل نحو خمس سنوات من قبل الإعلامي الهندي عاطر خان (رئيس التحرير) جعلها أقوى الأصوات الإعلامية لتعزيز التبادل الثقافي بين الهند والعالم العربي، تغطي الأحداث الثقافية والاقتصادية البارزة، وتعرض المساهمات الهندية –خاصة المسلمين– في الحضارة الهندية والعالمية، والعناصر المشتركة في الثقافة الهندية، والروابط الاقتصادية والثقافية بين الجانبين.

وتسترشد هذه البوابة الإخبارية بمبادئ مولانا آزاد في الوحدة الوطنية لبناء الوطن ونشر الوئام، وتنشر مقالات عن أبعاد العلاقات بين الهندوس والمسلمين: التاريخ المشترك، والثقافة المشتركة، والموسيقى الصوفية، ومساهمات المسلمين المتنوعة في بناء الوطن. ومن خلال بوابة "آواز دي وايس"، ندعو إلى إحياء إرث "ثقافة الهند" الجميل والعريق.

كما نهنئ الشعب الهندي ومحبي مولانا أبي الكلام آزاد بذكرى ميلاده، المرشد والمفكر الهندي العظيم. وإنّ إرث مولانا آزاد يذكرنا بأن الثقافة ليست رفاهية، بل هي ضرورة. وفي عالم تتجاوز فيه التجارة البينية 240 مليار دولار سنويًا، يجب أن تشكل الروابط الثقافية الوقود. ونطلق دعوة لإحياء مجلة "ثقافة الهند"، في ذكرى ميلاد رجل جعل الحوار سلاحًا للسلام، على أمل أنها ستعزز مستقبلاً مشتركًا بين الهند والعالم العربي، حيث يلتقي التراث بالأمل.

*أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية ورئيسه سابقًا، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي.