المصوِّر مشتاق أحمد يوثّق بعدسته مسيرة صعود دبي من صحراء قاحلة إلى مدينة عالمية متصدّرة

25-11-2025  آخر تحديث   | 25-11-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
المصوِّر مشتاق أحمد
المصوِّر مشتاق أحمد

 


ثانية أنجم/بنغالورو

تحول مشتاق أحمد، الرجل البالغ من العمر 79 عامًا، من وافدٍ هندي إلى مؤرّخٍ بصري لعصر دبي الذهبي، محافظًا على روحها من خلال عدسة الكاميرا له.

وفي قلبِ صحراءٍ تحلم بالعظمة، برز مشتاق أحمد، المصوّر صاحب الرؤية، وهو يمسك بعدسته كما لو كانت عصًا سحرية، يحوّل اللحظات العابرة إلى تاريخٍ خالد. فمن توثيق نهضة دبي إلى تخليد المواقع المقدّسة والإرث الملكي، تكشف حكايته كصانع تغيير كيف استطاع شغفُ رجلٍ واحد أن يؤطّر الملحمة الوطنية لصعود بلدٍ شقّ طريقه من الرمال إلى ناطحات السحاب.

وُلد مشتاق أحمد في بنغالورو بالهند، ثم شدّ رحاله إلى دولة الإمارات في سنواتها الأولى، مدفوعًا بوعد الفرص وشيءٍ من المصادفة. وفي عام 2022م، وهو في السادسة والسبعين —ليصبح اليوم في التاسعة والسبعين عام 2025— يتأمل هذا الضابط المتقاعد مسيرةً استثنائية قضاها رئيسًا لقسم التصوير في شرطة دبي طوال 41 عامًا حتى عام 2018م. ومن خلال عدسته، لم يكن يلتقط صورًا فحسب؛ بل كان يُخلّد لحظات صنعت ملامح صعود الإمارات، ناسجًا سجلاً بصريًا لرحلة تحوّلها من رمال الصحراء إلى إحدى عجائب العالم الحديثة.

وبصفته رئيسًا لقسم التصوير في شرطة دبي على مدى 41 عامًا حتى تقاعده في عام 2018م، لم يكن مشتاق أحمد يلتقط الصور فحسب؛ بل كان يوثّق نبض مدينةٍ ارتفعت من بين الكثبان الرملية لتلامس ناطحات السحاب. وامتدّ أثر عمله ليجسر بين الثقافات، من المواقع المقدّسة في مكة المكرمة والمدينة المنوّرة إلى التحوّل النابض في دبي، ليصبح شاهدًا صامتًا على مسيرة تاريخٍ يتشكّل أمام عينيه وعدسته.

واشتعل شغف مشتاق بالتصوير في سنٍ مبكرة، لكن دبي كانت اللوحة التي وجد عليها فنًا يستحقّه. فبعد انضمامه إلى شرطة دبي، ارتقى ليقود قسم التصوير، مسافرًا حول العالم —من أستراليا لتعلّم أحدث التقنيات— ليعود بما هو جديد ويوطّنه في المؤسسة. ويقول متذكّرًا: "كانت تجربة رائعة العمل مع الفريق ضاحي خلفان تميم والفريق عبد الله خليفة المري"، منوّهًا بأن قيادتهما كانت وراء الارتقاء بقدرات الإمارات التقنية. ومن خلال عدسته، التقط جوهر التقدّم، وحوّل المهام اليومية إلى كنوز أرشيفية تؤرّخ لمسيرة نهضة لا تتكرر.

وأحد أعمق إنجازات مشتاق كان تصويره للمواقع المقدّسة في الإسلام. فباستخدام رافعة لالتقاط مشاهد الكعبة المشرّفة في مكة وجمال المدينة المنوّرة الهادئ، وثّق لحظات نادرة ومؤثرة تزيّن جدران بيوت المسلمين حول العالم. ويقول: "حين التقطتُ لأول مرة صور الكعبة والمدينة بعدستي، كان شعورًا لا يوصف — مزيجًا من الهيبة والخشوع". وهذه الصور، التي التُقطت بكل احترام، ألهمتْ أجيالًا متعاقبة، وجعلتْه "المصوِّر المحظوظ" الذي يتساءل الكثيرون عنه.

وارتبط مسار مشتاق بقادة الإمارات الأسطوريين. فقد تابع عن قرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ولاحظ بساطته العميقة وإنسانيته الفريدة: "في المرة الأولى التي رأيته فيها عن قرب، أدهشتني دفئه ورؤيته، وكان بمثابة الأب للأمة". وبالمثل، مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم والشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، التقط مشتاق جوهرهما في لحظات عفوية. ويضيف: "كَبشر، كانوا يجسّدون التواضع رغم المنصب والقوة".

وكان من أبرز محطّات مسيرة مشتاق تصويرُه لحفل زفاف الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عام 1979م، ذلك الحدث الكبير المفعم بالاحتفالات. وبين حشود الصحفيين الدوليين، تقدّم مشتاق بجرأة وطلب من سموّ الحاكم أن ينزل من سيارته لالتقاط بعض الصور. ويروي مشتاق: "نظر إليّ وسأل: هل تقول إن عليّ أن أنزل؟ فأومأت برأسي، فاستجاب بكل لطف ورحابة صدر".

وفي السبعينيات، التقط صورًا لدوّار الساعة قبل إنشاء جسر المكتوم، وفي الثمانينيات صوّر مركز التجارة العالمي في دبي من طائرة هليكوبتر، قبل وجود شارع الشيخ زايد.

ولا يزال تصويره لبرج خليفة عام 2014م من أحبّ أعماله إليه: "لقد جسّد قفزة دبي من الكثبان الرملية إلى أيقونة عالمية". كما وثّق لحظة الفوز باستضافة إكسبو، واقفًا إلى جانب الشيخ محمد في لحظة انتصار.

وبصفته رئيسًا لقسم التصوير، يجد مشتاق أكبر فخره في حفظ تاريخ دولة الإمارات، ويقول: "من واحةٍ صحراوية إلى معجزةٍ عالمية… رأيت كل شيء". وقد كُرِّم مؤخرًا من قِبل شرطة دبي في احتفال مفاجئ، حيث احتضنه العقيد الدكتور أحمد محمد السعدي وقبّل جبينه، فاغتُمر مشتاق بالمشاعر: "كانت لحظة مؤثرة… ونادرًا ما يحظى بها متقاعد". وقد احتفت به ستة أقسام عند تقاعده، في دلالة على أثره الذي لا يُمحى. وكانت زوجته وأبناؤه السبعة أكبر سندٍ له طوال مسيرته، إذ تحمّلوا جدول عمله المرهق دون تذمّر. ويقول: "كانوا يفهمون شغفي بتوثيق التاريخ".

وبعيدًا عن عالم الملوك والعمارة، التقت عدسة مشتاق أحمد وحياته برموز من الفن الهندي والباكستاني، فصنع ذكريات لا تقل بهاءً عن صوره. فقد حظي بفرصة لقاء أعلام كبار مثل غُلزار، ومحمد رفيع، ولتا مانغيشكار، وطلعت محمود، ودليب كومار "ملك التراجيديا" في بوليوود، وراحت فتح علي خان.

وأتاحت هذه اللقاءات، التي جرت غالبًا في فعاليات ثقافية أو مناسبات شخصية، لمشتاق أن يلتقط ليس الصور فحسب، بل جوهر فنّ هؤلاء الرموز — أحاديث مليئة بالتواضع والشغف والذكريات المشتركة التي جسّرت بين الثقافات والقارّات.

كما أتاحت له رحلة مشتاق لقاءات مباشرة بقادة عسكريين مرموقين. فقد التقى بالجنرال راينا، أحد أعمدة الجيش الهندي المعروف ببراعته الاستراتيجية، وبعدد من الجنرالات الذين أسهمت قيادتهم في تشكيل الدفاع الوطني بعد الاستقلال. ولكن أبرز تلك اللقاءات كانت مع المارشال كيه. إم. كاريَابا، أول قائد عام للجيش الهندي، وهي تجربة تركت أثرًا لا يُمحى في ذاكرته.

اقرأ أيضًا: رفاح تسكين.. فتاة عمرها 15 عامًا تثير إعجاب الهند بمهارات غير مسبوقة

وكان كاريابا، القائد العسكري البارز والمحوري في حرب الهند وباكستان عام 1947–1948م، قد أشرف على التقسيم العادل للجيش الهندي البريطاني خلال فترة التقسيم. ويقول مشتاق: "لقاء شخصية كهذه كان أشبه بملامسة التاريخ نفسه". وقد حفظت صوره ملامح الوقار والعزم التي ميّزت هؤلاء الأبطال الذين بنوا أوطانًا من رماد الصراع.

وعند سؤاله عن أحبّ صورة إلى قلبه، يجيب مشتاق أحمد بتواضع أنها "لم تأتِ بعد"— وهو ما يعكس شغفه الذي لا يخبو، ويذكرنا بأن الفنان الحقيقي لا يتوقف عن تخيّل التحفة التالية في حياة ممتلئة بإطارات لا تنتهي.