زيب أختر/رانتشي
يعمل طارق عالم بصمتٍ على تغيير حياة الناس، من خلال دعم الأسر الفقيرة والمحرومة في منطقة كولهان بمدينة جمشيدبور، عبر مبادراتٍ تُعنى بالتعليم والتوظيف والرعاية الاجتماعية.
وتُعرف منطقة كولهان بجمالها الطبيعي وثقافتها القبلية النابضة بالحياة، غير أنّ منطقة سيراكيلا–خارساوان، التي تُعد جزءًا منها، ما زالت تواجه صعوباتٍ في مجاراة وتيرة التنمية. فالفقر، وضعف التعليم، وقلّة فرص العمل هي تحديات يومية يعيشها السكان هناك.
وعلى أطراف هذه المنطقة تقع بلدة كابالي الصغيرة، على بُعد نحو 20 كيلومترًا من جمشيدبور- المركز الصناعي لشرق الهند.
وتجذب جمشيدبور آلاف العمّال من مختلف أنحاء البلاد، وكثيرٌ منهم يستقرون في كابالي نظرًا لانخفاض تكاليف المعيشة فيها. ورغم حصول هؤلاء العمّال على وظائف مؤقتة في مدينة الصلب، فإن الأجور غالبًا ما تكون منخفضة وفرص العمل غير مستقرة، ما ينعكس مباشرةً على تعليم أطفالهم، ويؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب المدرسي في كابالي والمناطق المجاورة.
ولقد أثّرت هذه الحقيقة المؤلمة بعمق في نفس طارق عالم، فقرّر أن يُحدث التغيير بنفسه، لينطلق في مهمة إنسانية أصبحت اليوم منارة أملٍ لآلاف المحتاجين.
وعلى مدى الثلاثة عشر إلى الأربعة عشر عامًا الماضية، يعمل طارق مع فريقٍ مخلص يضمّ سعود عالم، وشبير حسين، وعادل ملك، وسرفراز أحمد، حيث كرّسوا جهودهم دون كلل لخدمة المجتمع.
ويؤمن طارق بأنّ "تغيير المجتمع لا بد أن يبدأ من الأطفال."
وانطلاقًا من هذا الإيمان، أسّس مدرسة "الشمس الأنجلو/ أردو المتوسطة" في كابالي قبل ثلاث سنوات، لتكون بارقة أملٍ للأسر الفقيرة التي تتطلع إلى تعليم أبنائها ولكن تعجز عن تحمّل نفقاته.
واليوم، يتلقّى 56 طالبًا في هذه المدرسة تعليمًا مجانيًا بالكامل -يشمل الكتب والزي المدرسي وجميع المستلزمات الدراسية- بتمويلٍ من طارق عالم ومؤسسته الخيرية.
وتتّسم عملية القبول في المدرسة بالشفافية والاهتمام الإنساني، إذ يقوم طارق وفريقه بزيارة منازل الأسر شخصيًا لتقييم أوضاعها الاقتصادية قبل اختيار المستفيدين الأكثر حاجة.
ونظرًا لأنّ المؤسسة لا تمتلك مصدر دخلٍ ثابتًا، فإن التمويل يأتي أساسًا من أموال طارق الخاصة، بالإضافة إلى مساهمات بعض المحسنين. كما يُقدِّم عددٌ محدود من المتبرعين دعمًا سنويًا أو شهريًا لتغطية رواتب المعلمين والكتب والمصاريف التشغيلية الأخرى.
ويتذكّر طارق كيف بدأ المشروع بغرفتين مستأجرتين فقط، أما اليوم فقد أصبحت المدرسة تضم أربعة فصول دراسية ومكتبًا صغيرًا.
ومنذ البداية، أولى اهتمامًا خاصًا بتعليم الفتيات، إذ حصلت خلال السنوات الخمس الماضية أكثر من ألف فتاة من الأسر الفقيرة على تدريبٍ مجاني في الحاسوب — خطوة تمكّنهنّ من الاعتماد على أنفسهنّ اقتصاديًا.
ويقول طارق: "إذا مُنحت الفتيات التعليم والتكنولوجيا معًا، فبإمكانهنّ تغيير مصير أسرهنّ بأكملها."
وقد تابع ما لا يقل عن خمس طلاب من المدرسة تعليمهم الثانوي العالي في مؤسسات أخرى، مستكملين دراستهم بعد الصفين العاشر والثاني عشر، وهو ما يرمز إلى ثمار الجهود المتواصلة في تمكين الجيل الجديد بالتعليم والمعرفة.
وإدراكًا لأهمية كسب الرزق وتمكين الشباب اقتصاديًا، أطلق سيد طارق عالم أيضًا مركزًا للتدريب التقني في كابالي. وبحكم خبرته السابقة كـمهندسٍ عَمِل في الخارج، أراد أن يمنح شباب منطقته فرصًا مشابهة تتيح لهم بناء مستقبل أفضل.
وفي هذا المركز، يتلقى الشباب من الأسر الفقيرة تدريبًا تقنيًا مجانيًا يؤهِّلهم لسوق العمل. وحتى اليوم، تمكّن أكثر من 3,000 شاب من الحصول على وظائف في دول الخليج، ما ساهم في تحسين الأوضاع المالية لعائلاتهم وسمح لإخوتهم الصغار بمواصلة التعليم.
ويتميّز هذا المشروع بوجود شبكة دعم متكاملة: فعندما يُعلن زملاء طارق في الخارج عن فرص عمل جديدة، يتم منح الأولوية لخريجي مركز كابالي، لضمان الشفافية والسلامة والاستقرار الوظيفي.
وأما أولئك الذين يفضّلون البقاء والعمل داخل الهند، فتساعدهم المؤسسة في إيجاد وظائف محلية في مختلف الولايات، وقد تمكّن أكثر من 500 شاب حتى الآن من الحصول على فرص عمل داخل البلاد بفضل جهود المركز وفريقه.
ويتعامل طارق عالم وفريقه مع خدمة المجتمع برؤية إنسانية شاملة تتجاوز حدود التعليم والعمل.
ففي إطار مبادرة "رئيس الوزراء للهند الخالية من مرض السلّ"، تبنّت مؤسسته عشر أسر من قبيلة سابار، وقدّمت لها موادًا غذائية مجانية لمدة عامٍ كامل.
وخلال أزمة جائحة كوفيد-19، أنشأ الفريق مراكز عزلٍ صحي ونظّم حملات تطعيم جماعية. كما دأبوا خلال السنوات الـ7 الماضية على إقامة معسكراتٍ منتظمة للتبرع بالدم، ساهمت في إنقاذ أرواحٍ عديدة.
وفي كل شهر رمضان، تقوم المؤسسة بتوزيع السلال الغذائية على 50 أسرة فقيرة. وتُجسّد هذه المبادرات النهج الشمولي الذي يتبناه طارق عالم، إذ لا يقتصر على التعليم والتوظيف فحسب، بل يمتد ليشمل كل احتياجات الإنسان الأساسية من غذاءٍ وصحةٍ وكرامةٍ ومعيشةٍ كريمة.
وفي عام 2014م، أسّس طارق عالم مع زملائه رسميًا مؤسسة عالَمْ للرعاية الاجتماعية. ورغم أن نشاطهم الإنساني بدأ قبل ذلك بسنوات، فإن تأسيس المؤسسة منح عملهم إطارًا منظمًا واستمرارية مؤسسية. وتحت مظلة هذه المؤسسة اليوم، تُدار المدرسة، وتُقدَّم برامج التدريب التقني، وتُنفَّذ مبادرات متعدّدة في مجالات الرعاية الاجتماعية.
وتقوم المؤسسة على مبدأٍ بسيطٍ وعميقٍ في آنٍ واحد: "حيثما توجد حاجة، يجب أن تكون هناك مساعدة".
اقرأ أيضًا: الدكتور ساجد حسين.. العالِم الذي عاد إلى قريته ليُحدث ثورة في التعليم الريفي
ولم يكن إحداث فارقٍ حقيقي في منطقة صغيرة وبموارد محدودة أمرًا سهلًا، إذ يعترف طارق بأنهم في البداية لم يملكوا دعمًا ماليًا يُذكر، بل فقط إرادة قوية وإيمانًا بالمهمة.
ومع مرور الوقت، انضمّ الأصدقاء والمؤيدون إلى جهوده، وبدأ المشروع يكتسب الزخم والانتشار. واليوم، يُعرف طارق عالم بوصفه رمزًا للإلهام وصانع تغيير حقيقي — لا في كابالي وسيراكيلا-خارساوان فحسب، بل في منطقة كولهان بأكملها، حيث أصبح مثالًا حيًا على قوة العطاء والمبادرة الإنسانية.