السيخ والهندوس يُسلّمون مسجدًا في أمريتسار إلى المسلمين لإعادة ترميمه

28-10-2025  آخر تحديث   | 28-10-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
السيخ والهندوس يُسلّمون مسجدًا في أمريتسار إلى المسلمين لإعادة ترميمه
السيخ والهندوس يُسلّمون مسجدًا في أمريتسار إلى المسلمين لإعادة ترميمه

 


منصور الدين فريدي/ نيودلهي

سلّم السيخ والهندوس في إحدى قرى مقاطعة أمريتسار بولاية البنجاب مسجدًا كان في حالةٍ متهالكة منذ عقود، بعد أن خلت القرية من المسلمين عقب تقسيم الهند عام 1947م، إلى المسلمين من أجل ترميمه وإعادته للحياة من جديد.

وفي مراسمٍ رسمية أُقيمت في قرية رايزاده الصغيرة التابعة لمنطقة أنبالا في أمريتسار، وبحضور الإمام الملكي بالبنجاب، المولانا محمد عثمان اللودهيانوي، قام الأهالي بتسليم المسجد رسميًا إلى أبناء المجتمع المسلم.

وقاد هذه المبادرة عمدة القرية سردار أومكار سينغ، حيث فُتح المسجد لأول مرة منذ عام 1947م، وشهد يوم الجمعة رفع الأذان فيه بعد انقطاع دام أكثر من سبعة عقود.

وقد وقف السيخ والهندوس والمسلمون والمسيحيون والداليت جميعًا معًا داخل المسجد القائم على ضفاف نهر رافي، في مشهدٍ رمزي يعكس روح التعايش والوحدة الإنسانية في البنجاب.

وكان المسجد في حالةٍ متهالكة، وقد غطّته الأعشاب والنباتات البرية، وانهارت بعض جدرانه. فإن غير المسلمين من أبناء القرية كانوا يرون أن المسجد لا يمثل تراثًا إسلاميًا فحسب، بل تراثًا للقرية بأسرها. وقال أحدهم معبّرًا عن روح الإخاء التي تجمعهم: "في البنجاب، لا تربطنا الأديان… بل القلوب."

واستعرض المولانا محمد عثمان رحماني اللودهيانوي، في كلمته، تاريخ التعايش والوئام في البنجاب، مشيرًا إلى أن غورو ناناك ديف، الذي يُعرف بين المسلمين باسم "بابا ناناك"، كان قد نُقل إلى مكانٍ آمنٍ في محفةٍ على أيدي الأخوين المسلمين نبي خان وغني خان أثناء الحرب. كما أشار إلى ديوان تودار مال، الوزير في بلاط الإمبراطور أكبر، الذي تبرّع بأرضه لدفن ابني الغورو.

وأضاف أن هذه هي القوة الحقيقية للبنجاب، حيث وقف السيخ والهندوس والمسلمون معًا على مدى قرون، مؤكدًا أن أعظم ما يميّز الهند هو وحدتها في تنوّعها.

وأعلن الإمام محمد عثمان اللودهيانوي أن ترميم مسجد القرية يتم تكريمًا لاثنين من المتطوعين المسلمين اللذين ضحّيا بحياتهما أثناء عملهما في جهود الإغاثة خلال الفيضانات الأخيرة.

وهما شمشاد بهاجوانبوري من ولاية أوتراخاند، وزكريا ميواتي من ولاية راجستهان، حيث عملا على توزيع المواد الغذائية والأدوية في المناطق المنكوبة لمدة أسبوع، لكنهما تعرضا لحادث أثناء عودتهما.

وأضاف أنهما لم يحملا فقط المساعدات إلى الناس، بل حملا أيضًا رسالة حبٍ وأخوّة، مؤكدًا أن البنجاب لن تنسى تضحيتَهما أبدًا.

وسيُطلق على المسجد الأول اسم "مسجد شمشاد بهاجوانبوري" تخليدًا لتضحيتهما الإنسانية في سبيل خدمة البشر دون تمييز.

وقال المولانا محمد عثمان إن وضع حجر الأساس للمسجد سيتم خلال هذا الشهر، وإنه سيتم نقش قصة حياة شمشاد وعطائه الإنساني على جدار المسجد تخليدًا لذكراه.

وأما المسجد الثاني "مسجد زكريا ميواتي"، فسيُبنى في قرية فاغان ماجرا بمقاطعة باتيالا، وقد تم تخصيص الأرض لبنائه هذا الأسبوع.

وقد وُجّهت الدعوة إلى والدي الشهيدين ليشاركا في وضع حجر الأساس، فيما دعا المولانا محمد عثمان أن تنتشر روح المحبة في أرجاء البلاد.

وتأتي هذه المبادرة في سياق الجهود الإنسانية الواسعة التي شهدتها البلاد خلال الفيضانات الأخيرة، إذ أرسل المتطوعون من منطقة ميوات في ولاية هاريانا -وهم حلفاء تقليديون لمزارعي البنجاب- أكثر من 300 شاحنة محمّلة بالمساعدات الإغاثية إلى ولايات البنجاب وهيماتشال براديش وجامو وكشمير. ويعكس ذلك الروابط الزراعية القديمة التي تعود إلى ما قبل فصل هاريانا عن البنجاب عام 1966م.

كما كانت منظمات مثل "خالصا إيد" حاضرة منذ شهر أغسطس، تعمل على إنقاذ العائلات وتوفير المياه والمساعدات الطبية في المناطق المتضررة مثل جورداسبور وفيروزبور، في مشهدٍ يجسّد التضامن الإنساني العابر للديانات والطوائف في الهند.

وجرت الفعالية في أجواء يسودها الوئام والسلام. وقد قام أهالي القرية بتوزيع الحلويات احتفالًا بهذه المناسبة.

ووفقًا لتقارير إعلامية، تم حتى الآن ترميم أكثر من 30 مسجدًا في البنجاب بجهود تعاونٍ بين أتباع الديانات المختلفة، وقد كان معظم هذه المبادرات بقيادة أبناء طائفة السيخ الذين قدّموا الدعم المالي والجهد والأراضي لإحياء بيوت الله.

كما ذكر شهباز أحمد أن هناك نحو 200 حالة مشابهة في أنحاء الولاية، تبرعت فيها عائلات سيخية بأراضٍ لبناء المساجد والمقابر، في مثالٍ حيٍّ على التعايش الديني والتضامن الإنساني في البنجاب.

وفي عام 2018م، في قرية موم بمنطقة بارنالا، قدّم الهندوس الأرض، بينما تولّى السيخ جمع التبرعات لبناء مسجدٍ يشترك في جدارٍ واحدٍ مع الغوردوارا الخاصة بهم.

وفي عام 2022م، في منطقة باختغاره بارنالا، تبرّع المُزارع أمانديب سينغ بمساحة 250 ياردة مربعة من الأرض لبناء مسجد "نوراني"، بينما تكفّل عدد من السيخ والهندوس بدفع الجزء الأكبر من تكاليف البناء التي بلغت 1.2 مليون روبية، حتى لا تضطر 15 أسرة مسلمة إلى قطع مسافة 5 كيلومترات لأداء الصلوات.

وفي يناير من العام نفسه، قدّم عمدة القرية السابق سوكجيندر سينغ نوني وشقيقه أفينيندر سينغ قطعة أرضٍ ثمينة على الطريق العام تبلغ 5.5 بيسوا (تقدّر قيمتها بين 700 و800 ألف روبية) لبناء مسجدٍ جديد في قرية أوماربورا بمنطقة ماليركوتلا. وانضم إليهما عدد من المتبرعين، من بينهم تيجوانت سينغ (تبرّع بمبلغ 200 ألف روبية) ورافيندر سينغ جريوال (تبرّع بمبلغ 100 ألف روبية)، في مبادرةٍ تعبّر عن أسمى قيم التآخي والتعايش بين أبناء البنجاب.

اقرأ أيضًا: مدينة لكناؤ: ملتقى الفن والأدب والتراث الإسلامي في شمال الهند

وفي قرية مالّا التابعة لمقاطعة لودهيانا، قام السيخ والهندوس عام 2016م، بترميم المسجد القديم في القرية من أجل الأسرة المسلمة الوحيدة المقيمة هناك، وقدّموا المساعدات المالية، فيما تولّى الأهالي المحليون أعمال البناء بأيديهم تطوّعًا، في لفتةٍ تعبّر عن روح الإخاء الإنساني العميق.

وأما في قرية ناثوال بمنطقة سانجور، عام 2015م، فقد تحمّل غير المسلمين أكثر من 65% من تكلفة ترميم المسجد الجامع، والتي بلغت 2.5 ملايين روبية، شملت إضافة طابقٍ ثانٍ للمسجد، في مثالٍ آخر على التعاون بين أبناء الديانات المختلفة في البنجاب، لترسيخ قيم الوحدة والتعايش والاحترام المتبادل.