الألعاب النارية وديوالي: تاريخ موجز

20-10-2025  آخر تحديث   | 18-10-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | Saquib Salim 
سيدات يلعبن بالمفرقعات – مدرسة مير كَلان خان، لكهنؤ، نحو 1780م
سيدات يلعبن بالمفرقعات – مدرسة مير كَلان خان، لكهنؤ، نحو 1780م

 


ثاقب سليم*

ترتبط الألعاب النارية أو المفرقعات بمهرجان ديوالي ارتباطًا وثيقًا يجعل كلاً منهما جزءًا مكمّلًا للآخر، إذ أصبحت المفرقعات رمزًا احتفاليًا يعكس مظاهر البهجة والضوء التي يقوم عليها المهرجان.  

وتُشكّل المفرقعات عنصرًا جوهريًا في طقوس الاحتفال بمهرجان ديوالي، إلى درجة أن أي مسعى حكومي لتنظيم استخدامها يُنظر إليه من قِبل بعض الفئات على أنه تدخّل في الممارسات الدينية أو مساس بهوية الطقوس الهندوسية التي تُعدّ جوهر المهرجان ومعناه الرمزي.

ونادرًا ما يتساءل الناس عن الجذور التاريخية الفعلية لاستخدام المفرقعات في مهرجان ديوالي، إذ يسود الاعتقاد بأنها عادة ضاربة في القدم ومرتبطة بالموروث الهندوسي منذ العصور القديمة. كما تنتشر بعض المواقع الدعائية التي تزعم أن الهنود القدماء كانوا يستخدمون المفرقعات للاحتفال بـمهرجان ديوالي منذ تلك الأزمنة البعيدة.

وقام العالِم السنسكريتي البارز بي. كيه. غوده بدراسة تاريخ مهرجان ديوالي وأصل استخدام الألعاب النارية في بعض مؤلفاته، مشيرًا إلى أن كلمة ديوالي مشتقة من المصطلح السنسكريتي "ديب-مالا" الذي يعني صفّ المصابيح، وقد ورد هذا التعبير في كتاب "نيلاماتا بورانا" الذي يعود إلى القرن الخامس في كشمير. كما أوضح غوده أن أقدم إشارة للمهرجان جاءت تحت اسم "ياكشا راتري" في كتاب "كاما سوترا" من القرن الثاني الميلادي.

                                                              نيلاماتا بورانا

وعلى مدى التاريخ، منذ القرن الأول الميلادي وحتى القرن الخامس عشر، كانت احتفالات ديوالي تتضمّن إضاءة المصابيح، وزيارة المعابد، وتبادل الهدايا والحلويات. ويشير غوده إلى أن ديوالي كان ولا يزال مهرجانًا ذا طابع وطني جامع، احتفل به الهنود على امتداد كشمير وتاميل نادو وملتان وغوجارات والبنغال وتيلانجانا وأتر برديش وغيرها، لأكثر من ألفي عام.

وكانت الهند تعرف، قبل القرن الخامس عشر، تقنيات لإحداث الإضاءة والصوت في الاحتفالات، لكنها لم ترتقِ إلى ما يُعرف بصناعة المفرقعات النارية الحديثة. ويشير غوده إلى أنه اكتشف نصوصًا سنسكريتية تعود إلى الفترة ما بين 1497م و1539م، تتناول صناعة المفرقعات والألعاب النارية، معتبرًا أنها أقدم النصوص المعروفة، وربما الوحيدة التي وصفت بشكلٍ محدد طرق تصنيع الألعاب النارية التي ما زال بعضها معروفًا حتى اليوم.

وأشار غوده إلى أنه رغم انتشار ألعاب نارية بدائية واستخدامها لدى الهنود عبر قرون، فإن التطور الحقيقي في هذا المجال لم يبدأ إلا مع مطلع القرن العشرين.

وتعود أقدم إشارة معروفة لاستخدام المفرقعات النارية في الاحتفالات الهندية إلى عام 1443م، حيث ذكرعبد الرزاق، سفير السلطان الفارسي شاه رخ في مملكة فيجاياناغار في مذكراته احتفالات "مهرجان ماهانافامي" قائلًا: "يصعب، دون الدخول في تفاصيل مطوّلة، إحصاء جميع أنواع الألعاب النارية والمفرقعات والترتيبات الأخرى التي عُرضت خلالها".

وتُشير الأدلة إلى أن الألعاب النارية كانت تُستخدم في كشمير منتصف القرن الخامس عشر، ما يدل على أن مملكة فيجاياناغار لم تكن الوحيدة في استخدامها خلال تلك الفترة.

كما أشار الرحالة الإيطالي لودوفيكو دي فارتشيما، الذي زار الهند في الفترة نفسها، إلى مهارة الهنود في صناعة الألعاب النارية أثناء وصفه مدينة فيجاياناغار وفيلة الحرب فيها، قائلاً: "إذا أصابت الفيلة بالذعر، يستحيل السيطرة عليها، فهؤلاء القوم بارعون في صناعة المفرقعات، وتخشى الفيلة من النار خوفًا شديدًا".

                                                             الكاتب البرتغالي دُوارتي باربوسا

وأشار الكاتب البرتغالي دُوارتي باربوسا إلى مشاهدته استخدام الألعاب النارية، بما في ذلك الصواريخ، خلال حفلات الزفاف في ولاية غوجارات الهندية نحو عام 1500م. وقدّم الملك غاجباتي براتاب رودراديفا (1497–1539) من أوديشا في مؤلَّفه السنسكريتي "كاوتوك شينتاماني" وصفًا تقنيًا لصناعة الألعاب النارية لأغراض ترفيهية. كما يذكر  مؤلَّف سنسكريتي آخر من القرن الخامس عشر، "آكاش بهيراف كالبا"، استخدام المفرقعات في الاحتفالات والمهرجانات بولاية فيجاياناغار، مما يدلّ على انتشار هذه الممارسات في الهند خلال تلك الحقبة.

وتشير المصادر الأدبية إلى أن استخدام الألعاب النارية في الهند بدأ بعد عام 1400م، وأنها بحلول القرن السابع عشر أصبحت جزءًا أساسيًا من الاحتفالات العامة، تُستخدم لإضفاء أجواء البهجة في المناسبات الملكية والمهرجانات وحفلات الزفاف.

وتعود أقدم الإشارات إلى استخدام الألعاب النارية في احتفالات ديوالي إلى منتصف القرن الثامن عشر، حيث يذكر بيشوا بخار  أن ماهادجي سينديا وجّه رسالة إلى بيشوا ساوائي مادهو راو، أشار فيها إلى هذه الممارسة الاحتفالية.

يُذكر أن صناعة الألعاب النارية ظلّت في معظمها حرفة يمارسها المسلمون، رغم أنها ارتباطها الوثيق بالمهرجانات الهندوسية.

وتُظهر السجلات السكانية منذ القرن التاسع عشر أن فئتي "آتش باز "و"باروت ساز" كانتا تُصنّفان ضمن الطبقات المهنية المتخصصة في صناعة البارود والمفرقعات، وتشير البيانات إلى أن معظم العاملين في هذا المجال كانوا من المسلمين الذين توارثوا هذه المهنة عبر الأجيال.

اقرأ أيضًا: آلاف الزوار يتوافدون إلى كالميكيا في روسيا لمشاهدة الآثار البوذية المقدسة القادمة من الهند في أجواء روحية غير مسبوقة

وازدهرت صناعة الألعاب النارية في الهند حتى أواخر القرن التاسع عشر، قبل أن تفرض بريطانيا قيودًا على البارود للحد من تسلّح السكان. ومع الوقت، تحولت المفرقعات إلى رمز احتفالي لمهرجان ديوالي رغم غيابها عن طقوسه القديمة، فيما يدعو نشطاء البيئة اليوم إلى حظرها بسبب أضرارها البيئية والصحية.