إحسان فاضلي/سريناغار
تسببت الأمطار الغزيرة المستمرة في إجلاء نحو 20 ألف شخص من منطقتي سريناغار وبودغام إلى مناطق آمنة، في مشهد يعيد إلى الأذهان فيضانات سبتمبر 2014م المدمّرة، حين غمرت المياه المدينة وحوّلتها إلى إلى ما يشبه البحيرة بعد أن فاض نهر جهلُم وتجاوز ضفّتيه.
وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية، تسببت الأمطار الغزيرة في فيضانات مفاجئة وانهيارات أرضية في مختلف أنحاء جامو وكشمير، ما أسفر عن مصرع 140 شخصًا وجرف ممتلكات واسعة.
ولقي ما لا يقل عن 70 شخصًا مصرعهم وأُصيب آخرون، فيما لا يزال عدد من المفقودين مجهول المصير جراء الانفجارات السحابية في قرية تشيسوتي بمنطقة كشتوار في جامو. وأغلب الضحايا كانوا من زائرين معبد ماتا ماتشيل.
والوضع الجديد الشبيه بالفيضانات يُعد السابع من نوعه منذ كارثة عام 2014م. وقد دقّت نواقيس الخطر مع موجة الأمطار الغزيرة التي استمرت أكثر من 50 ساعة متواصلة، من الثلاثاء حتى الأربعاء، متسببةً بفيضانات مفاجئة وبارتفاع منسوب المياه في نهر جهلُم الذي يشق طريقه بين مدينة سريناغار ووادي كشمير.
وجرى، يوم الأربعاء، إجلاء أكثر من سبعة آلاف من السكان والعائلات الرحّل في منطقة كولغام، فيما نُقل المئات من مناطق أخرى في كشمير كإجراء احترازي.
وفي هذا السياق، أجرت منصة "آواز دي وايس" مقابلة مع الناشط البيئي، الدكتور راجا مظفر بهات، وذلك للتعرّف على خلفيات تكرار مشاهد الفيضانات في كشمير وأسبابها.
راجا مظفر بهات ناشط في قضايا المناخ وحق الحصول على المعلومات، كما يمارس الكتابة والسفر، وهو زميل لدى مؤسسة "أكومن". ويشغل منصب رئيس مجموعة العمل المناخي في جامو وكشمير، وكرّس جهوده في الكتابة والبحوث التطبيقية حول إدارة النفايات، وتنظيم مجاري الأنهار، وقضايا المياه، وحماية الأراضي الرطبة.
وفيما يلي مقتطفات من مقابلته التي جرت عبر البريد الإلكتروني:
شهدت جامو وكشمير خلال الأسابيع الثلاثة الماضية أمطارًا غزيرة وفيضانات مفاجئة وانهيارات أرضية خلّفت دمارًا واسعًا. من وجهة نظركم، ما العوامل التي تقف وراء هذه الظاهرة؟
ظاهرة الفيضانات المفاجئة ليست جديدة علينا؛ فقد شهدنا مثلها في الماضي أيضًا، غير أنها لم تُسجَّل. كانت السيول الناجمة عن انفجارات سحابية تمر عبر مجاري طبيعية في الغابات والجبال قبل أن تصب في الأنهار والجداول. أما اليوم، ومنذ نحو 15 إلى 20 عامًا، فقد قمنا بالتعدي على هذه المجاري الطبيعية لمياه الأمطار والسيول.
وقمنا ببناء منازل واستراحات ومطاعم صغيرة فوق هذه المجاري الطبيعية أو بمحاذاتها، ما أدى إلى تدمير مجاري تصريف مياه الأمطار. وفي الماضي، لم تكن الانفجارات السحابية تؤثر كثيرًا على السكان في المناطق السفلية بفضل الغطاء الحرجي الكثيف في المرتفعات، إذ كان يشكل حاجزًا طبيعيًا يبطئ حركة الانهيارات الطينية. أما اليوم، ومع تراجع الغطاء الحرجي، باتت هذه الانهيارات تتحرك بسرعة أكبر وتلحق أضرارًا أوسع.
هل يمكن تحديد عوامل آنية وأخرى بعيدة المدى تفسّر تكرار ظواهر الانفجارات السحابية والفيضانات المفاجئة؟
تتعدد الأسباب وراء ذلك، ومنها: قطع الأشجار بشكل غير قانوني، والتوسع العمراني في المناطق الجبلية والغابية، والإنشاءات الضخمة داخل الغابات، إضافة إلى مشروعات الطاقة الكهرومائية واسعة النطاق، وشق الطرق وبناء الأنفاق.
شهدت جامو وكشمير عام 2014م بأوضاع مشابهة لكنها كانت أكثر تدميرًا. هل تعتقدون أن جهود التوعية والتدابير الوقائية المتبعة منذ ذلك الحين ما تزال غير كافية؟
وبعد فيضانات عام 2014م، تم تخصيص أموال طائلة لجامو وكشمير، بهدف الحد من مخاطر الفيضانات، لكننا لا نعرف أين ذهبت تلك الأموال، إذ إن جامو وكشمير ما زالت تتعرض للغرق بين الحين والآخر بعد ساعات قليلة من تساقط الأمطار. وهذا يستدعي تحقيقًا.
إلى أي حد يُعد الوضع خطيرًا من منظور بيئي حتى الآن؟
الوضع خطير. فنحن مهددون بمزيد من الكوارث المماثلة في المستقبل، مثل الفيضانات وغيرها، وفي الوقت نفسه قد نواجه أيضًا الجفاف ونقص الأمطار أو تساقط الثلوج. وكل هذه انعكاسات لتغير المناخ.
ما هو دور الحكومة والمجتمع بشكل عام في الحفاظ على التوازن البيئي؟
يتعين على الحكومة أن تضمن التنمية المستدامة، وأن تلتزم بالقوانين والأنظمة الصادرة عن البرلمان، مثل قانون حماية البيئة لعام 1986م، وقانون منع تلوث المياه لعام 1977م، وقواعد إدارة النفايات لعام 2016م، وقواعد منح ترخيص المعادن البسيطة في جامو وكشمير لعام 2016م، وقانون منع تلوث الهواء لعام 1981م، وقواعد حماية الأراضي الرطبة لعام 2017م، وغيرها.
لقد كنت منخرطًا بفاعلية في القضايا البيئية لسنوات طويلة، فهل حققت أي إنجازات بارزة خلال هذه الفترة؟
لقد كرّست جهودي للنشاط في مجال التغيّر المناخي، من خلال الكتابة والعمل في قضايا إدارة النفايات، والتعدين غير القانوني في مجاري الأنهار، واستخراج الرمال والطين وغير ذلك. كما قمتُ بالبحث والكتابة والقيام بأبحاث ميدانية، حول إدارة النفايات، وتعدين الأنهار، وتلوث المياه، وإدارة الأراضي الرطبة، وغيرها. وبالإضافة إلى ذلك، أقوم بإعداد مدوّنات مرئية وفيديوهات، كما ألجأ إلى التدخل القضائي. وقد قدّمت حوالي 12 عريضة أمام المحكمة الوطنية الخضراء (NGT) تتعلق بسوء إدارة النفايات بطرق غير علمية، وبحماية الأنهار والجداول العذبة مثل "دوده غانغا" و"شالي غانغا" و"سوخ ناغ" و"ساسرارا". وقد أصدرت المحكمة في العديد من القضايا التي رفعتها أحكامًا وقرارات بارزة شكّلت محطات مفصلية.
اقرأ أيضًا: الرئيسة مورمو: الشعب يتضامن مع المتضررين من كوارث الأمطار الموسمية
وشهدت بعض القضايا طعونًا أمام المحكمة العليا، وحققت مؤخرًا انتصارًا قضائيًا بارزًا ضد شركة مشاريع. إين. كيه. سي.المحدودة والهيئة الوطنية للطرق السريعة، وحكومة جامو وكشمير، حين أيّدت المحكمة العليا قرار المحكمة الوطنية الخضراء الصادر في سبتمبر 2022م في قضية راجا مظفر بهات ضد حكومة جامو وكشمير وآخرين. وأكدت المحكمة أن سلطات جامو وكشمير منحت الترخيص البيئي لتعدين مجرى نهر شاليغانغا في منطقة بُدغام بصورة غير قانونية، إذ لم تُجرَ الدراسة اللازمة لتجديد الموارد البيئية.