صهيب عالم*
تُعقد معارض ومهرجانات الإبل سنويًا وبانتظام في مختلف مدن ولاية راجستان؛ مثل بوشكار، وناجور، وتيلوار، وبيكانير. وتتميز هذه المعارض بثقافتها الفريدة عالميًا. وتُباع صغار الإبل في أسواق مثل بوشكار، وتيلوارا، وناجور، وغيرها.
وتتمتع الإبل بأهمية ثقافية واقتصادية عميقة، فهي رمز للصحراء، ووسيلة نقل، ومصدر رزقٍ لمجتمعات مثل طائفة رايكا، التي تعتبرها مقدسةً وجزءًا لا يتجزأ من تراثها. كما تعد الإبل جزءًا أساسيًا من النظام البيئي الصحراوي وهويته الثقافية، وتشكل مكونا مهما في الفنون والثقافة والتراث الشعبي للمنطقة.
اقرأ أيضًا: الإبل: تاريخها وثقافتها وأثرها في المجتمع الهندي (1)
وتُنسب العديد من الحكايات والقصص والقصائد الشعبية إلى الإبل، مما يعكس مكانتها في التراث الثقافي الراجستاني. ويُعد مهرجان بوشكار مهرجانًا كبيرًا للإبل، وحدثًا ثقافيًا مهمًا في راجستان، يجذب السياح من مختلف أنحاء العالم، ويعرض ثقافة الإبل المتنوعة. وتوجد الإشارات إلى مهرجان بوشكار. في النصوص الهندوسية القديمة مثل "ريجفيدا" و"ماهابهاراتا" مما يدل على عمقه التاريخي. وتُبرز هذه المهرجانات الأهميةَ الاجتماعية والثقافية لهذه المنطقة. كما كان يُنظر تقليديًا إلى حليب الإبل على أنه هدية تُمنح ولا تُباع، حيث كان يُعتقد بأن بيع الحليب يُشبه بيع الطفل.
وتبعد بوشكار حوالي 11 كيلومترًا عن مدينة أجمير، ويعتبرها الهندوس من أقدس وأقدم الأماكن للزيارة في الهند. وتتميز بوشكار بميزتها الفريدة؛ إذ تعد موطنًا لما يعتقد أنه المعبد الوحيد المُخصص للإله براهما – الخالق. وتضم المدينة اليوم أكثر من 400 معبد. ويعتبر هذا المعرض أكبر معرض للإبل في العالم بأسره، حيث يشارك فيه أكثر من 50 ألف جمل، مما يثير سحابة ضخمة من الغبار وسط أجواء من الاحتفالات التي تبدو وكأنها لا تنتهي. ويستمتع آلاف السياح من مختلف أنحاء العالم بركوب الجمال، ومشاهدة العروض الثقافية، والمشاركة في المسابقات الرياضية الريفية، وحتى بممارسة لعبة الكريكيت أمام حشد غفير. وأما الزوار الهندوس، فيغتنمون الفرصة للسباحة في بحيرة بوشكار المقدسة، التي تقع على بُعد نحو كيلومترين من موقع المعرض، فضلاً عن زيارة عدد من المعابد القديمة المنتشرة في أرجاء المدينة.
ويُعدّ هذا المعرض فرصة ذهبية لطائفة رايكا، الذين يعدون البائعين الحصريين تقريبًا للإبل في بوشكار. وهذه الطائفة مجتمع مهمّش يعتمد بقاؤه بشكل أساسي على تربية الإبل. وقد عملت حكومة الولاية على تحويل هذا المعرض إلى معلم سياحي كبير بسبب تراجع مبيعات الإبل فيه. وتُقام عشرات الأكشاك لبيع الحرف اليدوية المحلية، ويتنافس الرجال ذوو الشوارب الرائعة للفوز بجوائز مخصصة لهم، ويُشجَّع السياح على التقاط صور السيلفي معهم. ويعد المعرض حدثا ممتعا يزخر بالرقص، ومسابقات الشوارب، وسباقات الهجن، ومنافسات جمال الإبل، والمصارعة وغيرها من الفعاليات. وتنصب الخيم المؤقتة للزوار في جميع أنحاء أراضي معرض بوشكار، وذلك لتوفير أماكن إقامة مريحة ومؤقتة. كما تزدحم الفنادق والمطاعم بالزوار من جميع الطبقات خلال موسم المعرض.
كما يُقام مهرجان بيكانير للإبل سنويًا احتفالًا بالمكانة المحورية للإبل في تاريخ المدينة وثقافتها. ويُتيح هذا المهرجان منصةً للاحتفال بالعلاقة الوثيقة بين الإنسان والإبل، مُسلّطًا الضوء على أهميتها في التجارة والنقل والحياة اليومية. ويُقدّم المهرجان فعالياتٍ آسرةً تُبرز القدرات المذهلة للإبل وجاذبيتها الفريدة؛ حيث يستمتع الجمهور بسباق الهجن الحماسي، الذي تُظهر فيه هذه الحيوانات المهيبة خفة حركتها وسرعتها.
وتُقدّم خلال المهرجان مسابقات متنوعة، مثل مسابقة جمال الإبل وعروض رقص الإبل، مما يوفر مزيجًا فريدًا من الترفيه والتقدير لمواهب هذه الحيوانات المتنوعة. كما تُعرض الإبل مُزيّنةً بالزخارف الملونة، والمنسوجاتٍ المُتقنة، والمجوهرات التقليدية...، حيث تُنسج التصاميم المُتقنة بدقةٍ في لجامها وسروجها، مما يحوّلها إلى أعمال فنية حية. ويُبرز هذا المزيج من الإبداع والتقاليد الحرفية براعة الحرفيين المحليين ومهارتهم. ولا تقتصر حيوية المهرجان على الإبل فقط، بل تملأ عروض الموسيقى والرقصات التقليدية الأجواء بطاقة آسرة، تأسر الزوار والسكان المحليين على حد سواء. كما يحظى الحضور بفرصة تذوّق تشكيلة شهية من المأكولات المحلية، والانغماس في نكهات بيكانير الأصيلة أثناء استمتاعهم بالعروض.
ولقد كانت رحلة بيكانير قصةً متشابكة من البقاء والتكافل والاحتفال، حيث ترك حضور الإبل الراسخ بصمةً لا تُمحى على تاريخ المدينة وثقافتها واقتصادها. ومع استمرار بيكانير في تبني مظاهر الحداثة مع الحفاظ على جذورها، يبقى لقبها "مدينة الإبل في الهند" ثابتًا، كشاهد على التزامها بتكريم تراثها والحفاظ على علاقتها الفريدة بالإبل. وتُلهمنا قصة بيكانير وإبلها للاعتزاز بالإرث الثقافي وحمايته. ومن خلال تعزيز فهم الماضي والاستثمار في الحفاظ عليه، تُشجع المدينة الأجيال القادمة على تقدير أهمية هذه الحيوانات الرائعة والتقاليد التي تُجسدها. وبينما تُعرف بيكانير بجوانبها المختلفة من تاريخها وثقافتها وعمارتها، فإن لقبها المميز يُجسد جانبًا مهمًا من هويتها؛ فقد لعبت الإبل دورًا محوريًا في تاريخ مدينة بيكانير واقتصادها وثقافتها، مما يجعل من هذا اللقب وصفًا دقيقًا يُبرز ارتباط المدينة بهذه المخلوقات القوية.
وتُعدّ إبل كومبالغار معلمًا سياحيًا رئيسًا، وتُتيح إمكانات هائلة للسياحة البيئية. فهي المكان الوحيد في الهند -وربما في العالم كله- الذي يُمكن فيه زيارة قطعان الإبل المُربّاة والتجول بينها. كما تُوفّر الطبيعة الودودة للإبل تجربة لا تُنسى للسياح، حيث تمثل رحلات ركوب الإبل وسيلةً صديقةً للبيئة للاستمتاع بالطبيعة في الحديقة الوطنية المُخطط لها. وتوجد إمكانية هائلة بالتعاون الوثيق مع المجتمع المحلي لتطوير منتجات سياحية مُبتكرة وتجريبية عالية الجودة، من شأنها أن تمنح كومبالغار اعترافًا دوليًا باعتبارها الحديقة الوطنية الوحيدة التي تُقدّم رحلات سفاري بالإبل، وتتميز بطابعها الثقافي الأصيل. ويُعد الجمل رمزًا خالدًا لصحراء ثار، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالرعاة. ويُعتبر الجمل رمزًا عائليًا، ويُزيّن بالمجوهرات والملابس الفاخرة. ويُعدّ هذا المخلوق المحبوب رمزًا متكررًا في الفنون والمنسوجات.
ويغني موسيقيو راجستان الشعبيون حكايات الأرض تحت سماء الصحراء المرصعة بالنجوم. وتتضمن موسيقاهم أغنية "غوربانده"، وهو اسم الحلي التي يصنعها الرعاة بشغف لإبلهم. وتتحدث الأغنية عن الرابطة النادرة بين الجمل والإنسان. وفي كانر، يمكن أن يقوم الضيوف باستكشاف هذه الثقافة الفريدة المرتبطة بالإبل. ويمكنهم الذهاب في رحلة سفاري على متن الإبل في بيئتها الطبيعية، وقضاء بعض الوقت مع الرعاة، والاستمتاع أيضًا بجلسات تفاعلية غنية بالتجارب. وعلى مر السنين، أدّى التوسع العمراني إلى انخفاض في أعداد الإبل، واختفاء هذا الحيوان الذي كان منتشرا في كل مكان. وقد لاقت هذه المعارض نجاحًا باهرًا وحضورًا قويًا وشعبية كبيرة في المجتمع الهندي.
وأثناء زيارة مدينة جيسالمير الهندية الواقعة في قلب صحراء ثار، يستمع الزوار برحلة سفاري الليلية على ظهر الجمال. وخلال الرحلة في جيسلمير يمر الزائر في الطريق بالقرى القديمة المهجورة مثل قرية فاتان وبشاهد طرازها العمراني في بناء المنازل المزيج من الحجارة وروث البقر والطين، والأسقف من القش المصنوعة من الأعواد من شجيرات الصحراء؛ ولا تزال هذه التقنية تستخدم بكثرة حتى اليوم في بعض القرى الصغيرة المنتشرة على طول الطريق حتى أعماق الصحراء.
أما جمل خاراي، فموطنه الأصلي ولاية كوجرات، يشتق اسمه من المصطلح المحلي "خارا"، الذي يعني المالح، مما يعكس قدرته على التكيف مع كل من النظم البيئية الصحراوية والساحلية. يُعرف باسم "الجمل السباح"، ويمكنه عبور مسافات طويلة عبر الماء، وقد حافظت عليه قبائل راباري وفاكيراني جات لأكثر من 400 عام. وتوجد حاليًا حوالي 6200 جمل من سلالة خاري، معظمها تعيش في كوتش، حيث تلعب دورًا حاسمًا في النظم البيئية المحلية، وخاصة في الحفاظ على غابات المانغروف. ومع ذلك، فإن الأنشطة الصناعية وتغير المناخ يهددان موطنها وبقائها، مما دفع منظمات الغير الحكومية مثل ساهجيفان إلى بذل جهودها للحفاظ عليها. وقد اعترفت الدراسات الجينية الحديثة بجمل خاراي كسلالة مميزة، مما يسلط الضوء على سماتها الفريدة. وإن حماية جمل خاراي ضرورية ليس فقط للتنوع البيولوجي وبل لاستدامة سبل العيش والتراث الثقافي للمجتمعات التي تعتمد عليه.
فيمكن القول إن تاريخ الإبل وثقافتها متجذران في التاريخ الثقافي المادي وغير المادي للهند. كما يشير هذا التاريخ إلى وجود الروابط الهندية-العربية المتينة، إذ كانت البضائع الهندية تنقل برًا من الهند إلى العالم العربي من خلال هذا الحيوان.
*أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي