رضوان الرحمن*
تشتهر ولاية راجستهان بقصورها الجميلة وحصونها المتينة وألوانها الزاهية وحرفها اليدوية النادرة وتقاليدها العريقة وقصصها الشهيرة عن شجاعة ملوكها وإيثار أهلها لأراضيهم وحرصهم على احترامهم وسمعتهم. كما تشتهر أيضًا بحدائقها الوطنية والمحلية وصحرائها مترامية الأطراف. وتعد "حديقة كيولاديف الوطنية" واحدة من تلك الحدائق التي ذاع صيتها في جميع أنحاء العالم لما تحتضنه من أعداد كبيرة من الطيور المحلية والمهاجرة القادمة من آسيا الوسطي وأوروبا، إضافة إلى إدارتها المتميزة وجهودها المتواصلة في الحفاظ على الطيور والحيوانات البرية.
حديقة كيولاديف الوطنية، المعروفة أيضًا باسم حديقة كيولاديف غانا الوطنية، والتي تشتهر في الهند باسم محمية بهاراتبور للطيور، هي إحدى الحدائق الوطنية الواقعة في ولاية راجستهان. وتستضيف الحديقة آلافًا من الطيور المحلية والمقيمة والمهاجرة، لا سيما خلال فصل الشتاء، حيث تهاجر أنواع مختلفة من الطيور إلى شبه القارة الهندية هربًا من برد الشتاء القارس في شمال آسيا وأوروبا. وقد سجّل فريق البحوث في الحديقة وجود نحو 400 نوع مختلف من الطيور.
تاريخ الحديقة
كانت الإدارة الملكية لولاية بهاراتبور (راجستهان) قد طوّرت هذه المحمية لصيد البط عام 1899م، حيث كان الأمراء ومسؤولو الولاية والمسؤولون الإنكليز يأتون إليها للتنزه وصيد البط البري. ولكن بعد استقلال الهند، أولت الحكومة اهتمامًا بالحفاظ على الحياة البرية، فتولى عالِم الطيور الشهير سليم علي هذه المسؤولية. وفي عام 1956م، تم الاعتراف بهذه المنطقة كمحمية بهاراتبور للطيور، ثم سُمّيت في عام 1982م بحديقة كيولاديف الوطنية.
وبعد أن اشتهرت الحديقة بتنوعها البيولوجي الاستثنائي، تم إدراجها ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو عام 1985م، وذلك بعد أن ثبت أن الحديقة أرض رطبة ذات أهمية دولية للطيور المائية المهاجرة. وتعد اليوم موطنًا شتويًا لطائر الكركي السيبيري النادر، وموئلاً لعدد كبير من الطيور المقيمة التي تتخذها مكانًا للتعشيش.
وعندما تم تحديث المعايير لاعتراف الحديقة بموقع اليونسكو للتراث العالمي في عام 2005م، خضعت الحديقة للمعيار الثاني الذي ينصّ على أنه للحصول على تصنيف التراث العالمي، يجب أن يحتوي الموقع على الموائل الطبيعية الأكثر أهمية وبالخصوص للحفاظ على التنوع البيولوجي في الموقع، بما في ذلك الأنواع المهددة بالانقراض ذات القيمة العالمية المتميزة من منظور علمي أو بيئي.
موقع الحديقة وميزاتها
تقع حديقة كيولاديف الوطنية على بُعد كيلومترين جنوب شرق مدينة بهاراتبور، وعلى بعد 55 كيلومترًا غرب مدينة آغرا الشهيرة. وتمتد الحديقة على مساحة تقدَّر بـ29 كيلومترًا مربعًا. ويشكل نحو ثلث هذه المساحة أراضي رطبة تضم تلالا وسدودا ومسطحات مائية مفتوحة، سواء كانت تحتوي على نباتات مغمورة أو ناشئة أو خالية منها.
وتحتوي المرتفعات على مراعي تغطيها أنواع من الأعشاب الطويلة إلى جانب أشجار وشجيرات متناثرة بكثافة متفاوتة. كما يوجد فيها موطن مماثل مع أعشاب قصيرة محلية. وتوجد في بعض جيوب الغابات أشجار الكادام الضخمة والكثيفة. وتضم الحديقة نحو 400 نوع من النباتات المزهرة، من بينها 96 نوعًا من تلك الأنواع التي تنمو في الأراضي الرطبة. وتُعد الأراضي الرطبة جزءًا من سهول نهر الغانج الهندية الكبرى.
وتقع هذه الحديقة على حافة المنطقة الصحراوية، لذا لا يبقى الماء فيها إلا في بعض المناطق المنخفضة. ويسهم هذا التناوب بين الترطيب والتجفيف في الحفاظ على بيئة مستنقع المياه العذبة، ما يجعلها بيئة مثالية للطيور المائية المهاجرة والمقيمة. كما تتوفر ترتيبات لضخ المياه من آبار لملء المنخفضات الصغيرة لحفظ البذور والجراثيم وغيرها من الكائنات المائية. كما أنها مفيدة في سنوات الجفاف الشديد.
وإن محمية الطيور أو المناطق التي تلجأ إليها الطيور للتعشيش والإقامة تتطلب مناخًا وبيئة وتضاريس مناسبة تدعم حياة الطيور وموائلها. ومن بين أهم المتطلبات استمرار الرطوبة وكثافة الأعشاب والحفاظ عليها من عناصر الطبيعة. وتتميز محمية كيولاديف غانا الوطنية بأراضٍ رطبة مُنظّمة طبيعية وأيضًا مصنوعة تُوفّر مصدرًا ضروريًا للترطيب للحيوانات في هذه المنطقة الأكثر جفافًا في شبه القارة. كما تنمو فيها أعشاب وشجيرات كثيفة الأوراق تشكّل مواقع مثالية لتعشيش الطيور.
وبفضل موقعها الجغرافي المميز، حيث تلتقي الصحراء بالمناطق الاستوائية، تزخر حديقة كيولاديف غانا بالتنوع البيولوجي. وإلى جانب مئات أنواع الطيور، توجد في بحيرات ومستنقعات الحديقة ما لا يقل عن 20 نوعًا من السمك، و70 نوعًا من الزواحف والبرمائيات، و50 نوعًا من الحيوانات. كما شوهد فيها أكثر من 60 نوعًا فريدًا من البعوض والفراشات والحشرات المجنّحة، إضافة إلى أكثر من 1000 نوع من الحشرات غير المجنّحة (اللافقاريات). وقد سجّلت إدارة الحديقة وجود نحو 400 نوع من النباتات في هذه الحديقة.
الطيور والحيوانات البرية في حديقة كيولاديف الوطنية
تعدّ حديقة كيولاديف الوطنية ملجأ شتويًا مهمًا لأعداد كبيرة من الطيور المهاجرة. ومن بين أكثر الطيور المائية شيوعًا في الحديقة؛ البط البري، والبط المجرف، والبط البري الشائع، والبط البري القطني، والبط المنتفخ، والبط منقار المقبض، والإوزة ذات الرأس الشريطي، والغاق الصغير، والغاق الكبير، والبط الهندي، والرف، واللقلق المطلي، وأبو ملعقة الأبيض، واللقلق الآسيوي مفتوح المنقار، وأبو منجل الشرقي، وطائر الرمل الشائع، وطائر الرمل الخشبي، وطائر الرمل الأخضر، وطيور النحام الكبيرة، والبجع المنقاري، والبجع الأبيض الكبير، وكركي الدموزيل، والكركي الهندي، والكركي الآسيوي.
وبالإضافة إلى هذه الطيور، تُعدّ الأراضي الرطبة ملجأ شتويًا لطائر الكركي السيبيري النادر. كما تتواجد فيها طيور الهازجة، وطيور الثرثار، وطيور آكلة النحل، والبلبل، والدُرّاس، والزقزاق، والدراج، والدراج المطلي، والسمان، وأبو قرن الهندي الرمادي، وطيور مارشال إيورا.
كما سجلت الحديقة وجود عدد من الطيور الجارحة، منها: عقاب السمك، وصقر الشاهين، ونسر البحر، والنسر الأسمر، والنسر الإمبراطوري، والنسر المرقط، ونسر الثعبان المتوج وغيرها من الطيور.
وتوجد في حديقة كيولاديف الوطنية حيوانات من 27 نوعًا بوفرة. ومنها قرود المكاك الريسوس وقرود اللنغور الرمادي (الهانومان)، كما توجد فيها النيلجاي (بقر الوحش)، والغزلان المرقطة، والسامبار، والظباء السوداء، وغزال الخنزير الهندي، والخنزير البري، والقنفذ الهندي، والنمس الهندي الصغير، والنمس الهندي الرمادي.
كما تعيش داخل الحديقة عدة أنواع من القطط، مثل قط الغابة، وقط النمر، وقط الصيد. ويشاهد الزوار في الحديقة أنواعًا من الحيوانات آكلة اللحوم، ومنها زباد النخيل الآسيوي، والزباد الهندي الصغير، وثعلب البنغال، وابن آوى الذهبي، والضبع المخطط، وثعلب الماء. كما تضم الحديقة أنواعًا عديدة من الجرذان والفئران والجربوع والخفافيش. وبالإضافة إلى الحيوانات والطيور والأسماك، توجد في الحديقة سبعة أنواع من السلاحف وخمسة أنواع من السحالي وثلاثة عشر نوعًا من الثعابين وأنواع عديدة من الضفادع.
المناخ في الحديقة
تقع الحديقة في منطقة تشهد تباينا كبيرا في درجات الحرارة، إذ تتراوح بين 7 درجات مئوية في الشتاء و48 درجة مئوية في الصيف. كما يتراوح التباين اليومي في درجات الحرارة بين 5 درجات مئوية في يناير و50 درجة مئوية في مايو. ويتراوح متوسط الرطوبة النسبية بين 62% في مارس و83% في ديسمبر. ويبلغ معدل هطول الأمطار السنوي حوالي 662 ملم، إلا أن بعض السنوات شهدت انخفاضًا كبيرًا في معدلات الأمطار، مما أدى إلى الجفاف ونقص المياه داخل الحديقة.
أفضل وقت لزيارة الحديقة والوصول إليها
يعد أفضل وقت لزيارة حديقة كيولاديف الوطنية خلال الفترة من أكتوبر إلى مارس والتي تُعرف أيضًا باسم موسم الذروة، حيث يكون الطقس معتدلاً وتكثر الطيور المهاجرة.
ويقع أقرب مطار إلى الحديقة في مدينة آغرا، على بُعد نحو 56 كيلومترًا من بهاراتبور، بينما تبعد العاصمة دلهي حوالي 184 كيلومترًا. وترتبط بهاراتبور بشبكة السكك الحديدية بجميع المدن الرئيسة، مثل دلهي، مومباي، جايبور، وآغرا.
وتقع الحديقة على الطريق السريع الوطني رقم 11، الذي يربط بين مدينتي آغرا وجايبور، ما يجعل الوصول إليها سهلًا جدًا، خصوصًا للسياح الذين يزورون التاج محل، إذ لا تبعد الحديقة عن آغرا سوى 60 كيلومترًا فقط. كما تبلغ المسافة من بهاراتبور إلى جايبور حوالي 175 كيلومترًا.وتتوفر خدمات الحافلات المنتظمة بسهولة من دلهي وجايبور وآغرا، كما يمكن أن يصل السياح إليها بسياراتهم الخاصة أو بسيارات الأجرة.
اقرأ أيضًا: الإبل: تاريخها وثقافتها وأثرها في المجتمع الهندي (2)
فتُعَدُّ حديقة كيولاديف الوطنية واحدة من أشهر الحدائق الوطنية بين محبي الطيور والزواحف، حيث يزورها أكثر من مليون زائر سنويًا. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تمّ الاعتراف بها كواحدة من أفضل المواقع لإجراء البحوث المتعلقة بإدارة المحميات والحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراضمن الحيوانات والطيور.
*أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية ورئيسه سابقًا، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي