شانكار كومار
في الوقت الذي تواجه فيه آسيا عامة، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، تصاعدًا في التوترات بسبب الصراع بين إسرائيل وإيران، والذي انضمت إليه لاحقًا الولايات المتحدة، كانت الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة ترسمان مسارًا جديدًا في علاقتهما من خلال سلسلة الشراكات الناشئة ضمن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الهند والإمارات.
وقد صُممت هذه المبادرة لتعزيز التعاون القائم على الابتكار بين البلدين، وأُطلقت في 24 يونيو، وتهدف إلى ربط ألمع العقول الريادية في الهند بالنظام البيئي التجاري عالمي المستوى في دولة الإمارات.
وعلاوة على ذلك، فقد أُطلقت هذه المبادرة في وقت تشهد فيه كل من الهند والإمارات زخمًا اقتصاديًا قويًا. فمنذ توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA)، قفز حجم التجارة بين البلدين من 43.3 مليارات دولار إلى 83.7 مليارات دولار خلال ثلاث سنوات. وحتى يناير 2025م، بلغ حجم التجارة الثنائية 80.5 مليارات دولار.
ويسعى البلدان حاليًا إلى رفع حجم التجارة الثنائية غير النفطية إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030م. وأما من حيث الاستثمار، فتُعد دولة الإمارات سابع أكبر مستثمر في الهند، بحصة تبلغ 3% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تلقته البلاد. وقد تلقت الهند نحو 19 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الإمارات خلال الفترة من أبريل 2000م حتى يونيو 2024م.
ومع ذلك، فإن ما يلفت الأنظار في منطقة الخليج وما بعدها لا يقتصر على الشراكة الاقتصادية بين البلدين فحسب، بل يشمل تنامي التعاون في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والفضاء، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية الرقمية.
ووُضعت خطة عمل لهذا الغرض قبل ثلاث سنوات. وعكس بيان الرؤية الهندية-الإماراتية المشتركة 2022 هذا التوجه، مؤكدًا على أن التكنولوجيا ستكون القوة الدافعة للشراكة بين الهند والإمارات.
ويسعى برنامج "جسر الشركات الناشئة بين الهند والإمارات"، الذي أُطلق قبل ثلاث سنوات، إلى تعزيز التعاون بين مُسرّعات الأعمال وحاضنات الأعمال والمستثمرين، مع تشجيع تبادل المعرفة والمشاريع المشتركة بين منظومتي التكنولوجيا في البلدين.
ولقد أدى تزايد بروز الهند في المشهد التكنولوجي العالمي، إلى جانب طموح دولة الإمارات العربية المتحدة لتصبح مركزًا للابتكار الرقمي، إلى خلق أرضية خصبة للمشاريع المشتركة الديناميكية والمبادرات التطلعية.
الإمارات كمركز تكنولوجي
تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة الدولة الوحيدة في منطقة الخليج التي تعمل بجد لبناء منظومة تكنولوجية من الطراز العالمي. ومن خلال "برنامج الصناعة 4.0"، تهدف الإمارات إلى دمج التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وإنترنت الأشياء في قطاعاتها الصناعية والاقتصادية. وتهدف مبادرة "100 شركة من المستقبل" في دولة الإمارات إلى دعم أفضل 100 شركة ناشئة والاعتراف بها، مما يُبرز التزام الدولة الخليجية بالابتكار.
ووفقًا لتقارير إعلامية، من المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي وحده بحوالي 100 مليار دولار في اقتصاد الدولة الخليجية بحلول عام 2030م، أي ما يعادل نحو 15% من ناتجها المحلي الإجمالي. وقد رسّخت الإمارات بالفعل مكانتها كمركز للشركات الناشئة، إذ تحتضن 11 شركة ناشئة محلية تخطّت قيمتها مليار دولار (يونيكورن)، وهو العدد الأعلى في المنطقة.
ونقلًا عن تقرير صادر عن منصة "تراكسن" المتخصصة في أبحاث السوق وتحليل البيانات، ذكرت صحيفة "خليج تايمز" أن الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا بدولة الإمارات جمعت ما مجموعه 872 مليون دولار في الربع الأول من عام 2025م، وهو ما يمثّل زيادة هائلة بنسبة 194% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024م.
ومن اللافت أن "أجندة دبي الاقتصادية D33" تستهدف إضافة 27 مليار دولار إلى اقتصاد دولة الإمارات بحلول عام 2033م من خلال التحول الرقمي. وقد أنشأت الدولة الخليجية ثلاثة مراكز تكنولوجية رئيسة هي: مدينة دبي للإنترنت، وواحة دبي للسيليكون، ومدينة مصدر في أبوظبي، والتي توفر الموارد والبيئة الملائمة للابتكار والنمو.
طموح الهند في التكنولوجيا الفائقة
داخل الهند، تُعد "المهمة الكمومية الوطنية" و"مهمة أشباه الموصلات" بمثابة تحول ضروري في مسار البلاد نحو أن تصبح رائدة في الإنتاج والابتكار عالي الجودة.
وأُطلقت "المهمة الكمومية الوطنية" في أبريل 2023م، بميزانية تُقدّر بحوالي 740 مليون دولار مخصصة لفترة تمتد من 2023-2024 حتى 2030-2031، وتهدف إلى دفع الهند إلى صدارة البحث والتطوير في مجال تكنولوجيا الكم. وستركّز المهمة بشكل عام على الحوسبة الكمومية، والاتصالات الكمومية، والاستشعار الكمومي، والقياس الكمومي، إضافة إلى المواد والأجهزة الكمومية.
وفيما يتعلق بالشركات الناشئة في مجال علوم وتكنولوجيا الكم (QST) عالميًا، تحتل الهند المرتبة السادسة بوجود 53 شركة ناشئة. وتتصدّر الولايات المتحدة بـ309 شركات، تليها ألمانيا بـ110 شركات، والمملكة المتحدة بـ92 شركة، والصين بـ63 شركة، وكندا بـ56 شركة. ووفقًا لوزارة العلوم والتكنولوجيا الهندية، يساهم 152 باحثًا من 43 مؤسسة في "المهمة الكمومية الوطنية".
وبالمثل، تهدف "مهمة أشباه الموصلات"، التي أُطلقت في عام 2021م، إلى تطوير منظومة متكاملة لأشباه الموصلات تشمل جميع المراحل من التصميم إلى التصنيع والاختبار. وتُعد هذه المهمة، التي تبلغ ميزانيتها 10 مليارات دولار، محطة مهمة في سعي البلاد لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا المتطورة. وفي شهر مايو، تم افتتاح مركزين جديدين للتصميم في الهند للعمل على رقائق بتقنية 3 نانومتر،وبذلك يصل عدد منشآت تصنيع أشباه الموصلات في البلاد إلى ست منشآت.
ومن المتوقع أن يتجاوز حجم سوق أشباه الموصلات في الهند 100 مليار دولار بحلول عام 2030م، بعدما قُدّر بنحو 45 مليار دولار في عام 2023م. ويقود هذا النموَ الطلبُ المتزايد على أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والهواتف الذكية، والمركبات الكهربائية، والأجهزة الطبية، وأنظمة الدفاع، والتي تحتاج جميعها إلى رقائق.
اقرأ أيضًا: مبادرة "الهند الرقمية": رحلة عشر سنوات من التحول والإنجازات
ومع ذلك، فإن ما يمنح طموح الهند التكنولوجي زخمًا إضافيًا هو العدد الكبير من الشركات الناشئة في البلاد. فهي تفتخر بامتلاكها ثالث أكبر منظومة للشركات الناشئة في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. وتضم الهند حاليًا أكثر من 110 شركات يونيكورن (شركات ناشئة تتجاوز قيمتها مليار دولار). وفي مؤشر الابتكار العالمي، احتلت الهند المرتبة 39 من بين 133 اقتصادًا عالميًا في العام الماضي.
وفي الوقت الذي يخيم فيه التوتر الجيوسياسي وعدم اليقين الاقتصادي على العالم، أظهرت الهند والإمارات العربية المتحدة أن علاقتهما تمثل منارة للتعاون التحويلي في مجال التكنولوجيا والابتكار.