العالم العربي يتطلع إلى الهند في ظل أزمة غذائية متصاعدة

13-08-2025  آخر تحديث   | 13-08-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
العالم العربي يتطلع إلى الهند في ظل أزمة غذائية متصاعدة
العالم العربي يتطلع إلى الهند في ظل أزمة غذائية متصاعدة

 


شنكار كومار

مع تفاقم الصراعات في مساحات واسعة من العالم العربي، وتفاقم التحديات المرتبطة بتغير المناخ كل عام، تواجه المنطقة، التي يبلغ عدد سكانها 473 مليون نسمة، أزمة غذائية متصاعدة.

ووفقًا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة واليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي، تفاقمت معدلات الجوع وسوء التغذية إلى مستويات حرجة، مما أثر على أكثر من 69 مليون شخص في العالم العربي بحلول عام 2024م. واستوردت المنطقة أكثر من 50% من الحبوب الغذائية في العام الماضي. ودعا خبراء الدول العربية إلى وضع استراتيجيات لمواجهة أزمة الغذاء.

ويتركّز الاهتمام اليوم على تحقيق الاكتفاء الذاتي في ظلّ انقطاع الإمدادات العالمية. فلا ينبغي إغفال حقيقة أن الهند، التي يفصلها عن العالم العربي بحر العرب والخليج العربي، ظلّت على مدى سنوات مصدرًا موثوقًا للإمدادات الغذائية للعديد من الدول العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان والكويت وقطر.

الهند مصدر موثوق للحبوب الغذائية

بلغ إنتاج الغذاء في الهند 3539.59 مليون طن متري في عام 2024-2025م. ومن هذا الإجمالي، بلغ إنتاج الأرز 149.074 مليون طن متري، والقمح 117.507 مليون طن متري، والذرة 42.281 مليون طن متري، والبقوليات 25.238 مليون طن متري، والبذور الزيتية 42.609 مليون طن متري.

وتعتبر الهند، اليوم، دولة تتمتع بفائض غذائي، وهي في وضع جيد يؤهلها لأن تصبح موردًا عالميًا موثوقًا للحبوب الغذائية. ولهذا السبب، قررت الإمارات العربية المتحدة إنشاء ممر غذائي بالشراكة مع الهند. ويهدف هذا الممر إلى إنشاء وحدات لتجهيز الأغذية وخدمات لوجستية للمجمعات الغذائية. وقد خُصص ما يصل إلى ملياري دولارأمريكي كتمويل أولي للمشروع.

ومن ناحية أخرى، يُعدّ تحقيق الأمن الغذائي هدفًا رئيسًا للمملكة العربية السعودية، وتعتبر المملكة، كما تعتبر الإمارات العربية المتحدة، الهند مصدرًا موثوقًا لتوريد المنتجات الزراعية دون انقطاع. وفي الفترة ما بين 2021-2022م، استوردت الرياض من الهند منتجات زراعية وسلعًا مرتبطة بها بقيمة 1,550.54 مليون دولار. وفي الفترة ما بين 2024-2025م، استوردت الرياض حبوبًا من الهند بقيمة 1.41 مليار دولار، إلا أن هذا لم يشمل فاتورة استيراد الأرز. وتلقت المملكة العربية السعودية أرزًا بقيمة 1.35 مليار دولار أمريكي من الهند في 2024-2025م.

 وتسعى رؤية قطر الوطنية لعام 2030م إلى تعزيز أمنها الغذائي بالتعاون مع الهند. وخلال زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى الهند في فبراير، وخلال منتدى الأعمال المشترك، أكد الجانبان على التعاون في عدة مجالات، بما في ذلك الأمن الغذائي.

ولم تعد الكويت ترغب في البقاء مكتوفة الأيدي في ظلّ التراجع المستمر لمؤشر أمنها الغذائي. ففي عام 2023م، تراجعت الكويت 20 مرتبة في مؤشر الأمن الغذائي، وفقًا لوحدة أبحاث الإيكونوميست.

وإدراكا منها لضرورة تحقيق الأمن الغذائي لسكانها البالغ عددهم نحو 4.9 ملايين نسمة، تتطلّع الكويت إلى الهند كمصدر لإمدادات الحبوب الغذائية. وفي العام الماضي، قامت الهند بتصدير حبوب غذائية إلى الكويت بقيمة 210.21 مليون دولار، إلى الدولة الخليجية التي تحرص على الاستثمار في المجمعات الغذائية في الهند.

وتعمل سلطنة عُمان على إنشاء مدينة زراعية في منطقة صحم، بهدف تعزيز الزراعة المستدامة وتحقيق هدفها المتمثل في الأمن الغذائي على المدى الطويل. ومنذ عام 2018م، تقدّم الهند مساعدتها لعُمان في تطوير قطاعي الزراعة والثروة السمكية. كما تستورد الدولة الخليجية كميات كبيرة من الحبوب الغذائية من الهند. وقد ارتفعت واردات عُمان من الحبوب الغذائية، ولا سيما الأرز، من الهند بنسبة 13.21%، من 1.05 مليار دولار في فبراير 2024م إلى 1.19 مليار دولار في فبراير 2025م.

وتُعدّ البحرين، بين دول مجلس التعاون الخليجي، شريكًا تجاريًا موثوقًا للهند في قطاع الزراعة. وفي الفترة من 24 إلى 25 من شهر يونيو، ترأس "اتحاد منظمات التصدير الهندية" وفدًا يضم 35 عضوًا من 24 شركة تعمل في قطاعي الغذاء والزراعة إلى مملكة البحرين.

التعاون البحثي بين الهند والدول العربية

يعمل مركز البحوث الزراعية في محافظة الجيزة، بالتعاون مع المجلس الهندي للبحوث الزراعية، على تعزيز الإنتاجية الزراعية ودعم الابتكار في مصر. ويتعاونان في مجالات الزراعة الذكية مناخيًا، وإدارة المياه، وتحسين المحاصيل.

وفي عام 2023م، خلال زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي  إلى مصر، وقّع البلدان مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الزراعة والقطاعات المرتبطة بها. ومن خلال تنظيم برامج تبادل منتظمة بين العلماء الزراعيين، وتبادل أفضل الممارسات، وإجراء بحوث مشتركة، تساعد الهند مصر في تحسين إنتاجيتها الزراعية.

وتُعد الشراكة الزراعية بين المغرب والهند قوية وراسخة. وفي إطار خطة العمل للأعوام 2018-2020م، تبادل العلماء الزراعيون من البلدين الزيارات. وتركز أبحاثهما المشتركة على الزراعة المستدامة والزراعة المقاومة لتغير المناخ. وبالإضافة إلى ذلك، يعملان أيضًا على مواجهة تحديات مثل ندرة المياه وتدهور التربة.

وبالمثل، تبنّت الجزائر، التي تعتمد بشكل كبير على واردات الغذاء، برنامج الزمالة الدولية الذي يدعمه المجلس الهندي للبحوث الزراعية. وتتيح هذه المبادرة للباحثين الجزائريين متابعة دراساتهم العليا في مجالات الزراعة والعلوم ذات الأولوية في الجامعات الزراعية الهندية. ولا يقتصر هذا التعاون على دعم بناء القدرات في الجزائر فحسب، بل يُعزز العلاقات الثنائية من خلال تبادل المعرفة والتنمية المستدامة في القطاع الزراعي.

اقرأ أيضًا: مودي لزيلينسكي: الهند ملتزمة ببذل كل جهد لإنهاء النزاع

وفي تونس، تفاقمت تحديات الأمن الغذائي نتيجة عدة عوامل، من بينها تغير المناخ، وعدم الاستقرار السياسي، وجائحة كوفيد-19. ومع ذلك، تلتزم الهند بتحسين أوضاع الأمن الغذائي في تونس. وبموجب اتفاقية وقّعتها الهند وتونس في أكتوبر 2017م، أنشأ المعهد الهندي لعلوم التربة مختبرًا لفحص التربة والمياه والأنسجة في تونس.

وفي ظل ما يواجهه العالم العربي من أزمة غذائية متفاقمة بفعل الصراعات وتغير المناخ، فإن الحاجة إلى شراكات غذائية مستدامة وموثوقة لم تكن في أي وقت مضى أكثر إلحاحًا من الآن.

وفي هذا السياق، برزت الهند كحليف موثوق، فهي لا تقتصر على توفير إمدادات الحبوب الغذائية لسد الفجوات العاجلة فحسب، بل تقدّم حلولًا طويلة الأمد من خلال البحوث الزراعية، والتعليم، ونقل التكنولوجيا.

قصص مقترحة