الصيام في ديانات العالم وما يميزه في الإسلام

Story by  آواز دي وايس | Posted by  M Alam | Date 01-04-2024
المسلمون يفطرون صيامهم في المسجد الجامع التاريخي في دلهي
المسلمون يفطرون صيامهم في المسجد الجامع التاريخي في دلهي

 

غلام رسول الدهلوي: نيو دلهي

إن الصيام ممارسة دینیة عالمیة توجد في الکثیر من الدیانات والمجتمعات الشرقية والغربية على حد سواء. فنحن نجد الصيام ليس في الإسلام فقط، ولكن أيضًا في الديانات المسيحية واليهودية والهندوسية والبوذية والجينية وغیرها من الدیانات الهندية الأخری. فإن أتباع الدیانات المتعددة بما فيها الديانات الهندية لا یزالون یمارسون الامتناع عن الطعام والشراب لعديد من الأغراض، أبرزها تنقية الروح، والتوبة، والتضحية، وتكفير الخطايا والذنوب، وتعزيز المعرفة والحصول على القوة الروحانیة. كما يمارسه کثیر من الناس اليوم كعلاج طبيعي مثل العلاج بالأيورفيدا. وقد أثبتت العلوم الطبية الحديثة الفوائد الصحية المتعددة المكتسبة من الصيام. ولكننا هنا بصدد الحديث عن أشكال وأهداف الصوم في الأديان العالمیة وما يميزه في الإسلام.

الصوم في الهندوسية

یعد الصوم من الممارسات الدینیة الأساسية للهندوسية. والمقصود من الصوم الهندوسي هو الغنى عن الاحتياجات المادية والجسدية من أجل تحقیق المكاسب الروحية. ويختلف الصوم في الهندوسية بحسب المعتقدات الشخصية لكل فرد أو بحسب التقاليد المتبعة في كل منطقة، فمثلا أتباع الإله "شيفا" يصومون أيام الإثنين، وأتباع "فيشنو" يصومون أيام الخميس أو يصومون خلال الاحتفالات الدينية. وتختلف أساليب الصيام ما بين الامتناع عن الطعام والشراب لمدة 48 ساعة، أو الاكتفاء بوجبة واحدة في اليوم، أو أكل أصناف معينة من الطعام دون غيرها.

ويصوم أتباع الهندوسية في أیام مختلفة من السنة منها: الأول؛ الصيام في أيام معينة من الأسبوع، فأتباع الإله شيفا (Shiva)، وهو الإله الأعظم عند أتباعه، يصومون أيام الإثنين، وأما أتباع الإله فيشنو (Vishnu)، فهم يصومون أيام الخميس. والثاني؛ الصوم أيام الثلاثاء، فهذا شائع عند الهندوس في جنوب الهند حيث يأكلون قبل شروق الشمس ويمتنعون عن الأكل حتى غروب الشمس ويسمح لهم بشرب السوائل، وأما في الشمال فيصوم أتباع هذه الديانة ولكن يسمح لهم بتناول الفواكه والحليب فقط بين طلوع الشمس حتى غروبها. والثالث؛ الصوم يوم الخميس، فیلتزم الهندوس فيه بطقوس خاصة فإنهم يستمعون إلى قصة قبل تناول الإفطار ويلبسون ثيابا صفراء ويحضرون مائدة من أطعمة ذات لون أصفر ويحضرون الطعام بسمن ملون بلون أصفر. والرابع؛ الصوم الذي یسمی "كروا تشوت" حيث تصوم المرأة المتزوجة أملا في سلامة وصحة زوجها وإطالة عمره وتفطر عندما ترى القمر من خلال الغربال.

ومن المهم أن الهندوس الصائمین من كل فئات المجتمع الهندوسي لا یسمح لهم بتناول المنتجات الحيوانية كالبيض واللحوم إلا أن بعضهم یصومون بالامتناع عن الطعام إلا وجبة واحدة خلال اليوم.

الصوم في اليهودية

الصوم في الديانة اليهودية لها أهداف لا تعد ولا تحصى. وينظر إليه على أنه عمل موجه داخلي وموجه خارجي علی حد سواء، کما جاء في الكتاب المقدس. والمقصود من الصيام الجماعي عند اليهود هو إثارة شفقة الرب للجالية اليهودية كلها، وأما الصوم الشخصي، فیراد به التكفير عن الذنوب الفردية. ويصوم العروس والعريس من اليهود في يوم زفافهما للبدء في حياتهما الزوجية في حالة من السعادة والنقاء والقداسة، لأن اليهود یعتقدون بأن الصوم يكفر عن کل ما تقدم من ذنب الزوجين.

ولكننا نجد عددًا قليلاً من أیام الصیام في التقويم اليهودي بالنسبة إلى الدیانات الأخری التي تهتمّ بالصیام بشكل مواظب. ويصوم اليهود 6 أيام في العام، أهمها صيام "يوم الغفران" أو ما يسمى "يوم كيبور" ويكون في اليوم العاشر من شهر "تشرين" في التقويم اليهودي (ويوافق أكتوبر أو سبتمبر). وصوم "يوم الغفران" مذکور بشكل واضح في الشريعة الموسوية، "ويكون لكم فريضة دهرية أنكم في الشهر السابع في عاشر الشهر تذللون نفوسكم وكل عمل لا تعملون الوطني والغريب النازل في وسطكم، لأنه في هذا اليوم يكفّر عنكم لتطهيركم. من جميع خطاياكم أمام الرب تطهرون. سبت عطلة هو لكم وتذلّلون نفوسكم فريضة دهرية" (لاويين16:29-31).

ويليه في الأهمية صيام يوم 9 أغسطس ذكرى خراب الهيكل المقدس، وهو صيام وحداد على تدمير هيكل سليمان. ويكون الصيام بالامتناع عن الأكل والشرب والجماع وارتداء الأحذية منذ غروب اليوم السابق عليه حتى غروب الشمس.

الصوم في المسيحية

في الديانة المسيحية يوجد نوعان من الصيام: (1) صيام الدرجة الأولى، ينقطع فيه المسيحيون عن الأكل والشرب لمدة معينة في اليوم، ويختلف هذا من شخص لآخر وفقا لما يوصي به الأب الروحي لكل شخص، ويكون الإفطار نباتيا حيث يتم الامتناع عن اللحوم ومنتجات الألبان والسمك. ويندرج تحته "الصوم الكبير" أو "صيام التوبة" الذي يستمر لمدة 55 يومًا، كما يندرج تحته صيام الأربعاء والجمعة من كل أسبوع. (2) صيام الدرجة الثانية، يكون هذا مثل صيام الدرجة الأولى مع اختلاف واحد وهو السماح بأكل السمك، ويندرج تحته "الصوم الصغير" أو "صوم الميلاد" ويستمر لمدة 43 يومًا، وصيام الرسل، وصيام العذراء. والجدیر بالذکر أن الصيام ليس فرضًا في المسيحية، بل هو أمر اختياري بحسب رغبة كل فرد.

وأما طریقة الصوم في المسیحية فهو یُشبه تمامًا الصوم في الیهودية. ولذلك، فإنه يجب أن يكون الامتناع التام عن الطعام والشراب، كما یتضح من خطاب سيدنا موسی عليه السلام على الجبل، الذي أمر فيه المسیح عليه السلام أقرب تلامیذہ بأداء الصیام:

"ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين. فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك. لكي لا تظهر للناس صائما بل لأبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية" (متی: 6:16).

الصوم في الإسلام

إن الفكرة الإسلامية للصوم أوسع مفهومًا وأوفر معنیً بالنسبة لمفاهيم الصیام في الدیانات الأخری. فإن الإسلام أدخل تحولا جذريا في معنى الصيام وشكله وجعله أكثر طبيعية وفعالة. ففي القرون الماضیة قبل الإسلام، كان ينظر إلى الصوم باعتباره رمزا للحزن والمآسي، ووسیلة التكفير عن الخطايا، ومذکرة الكوارث، ولكن الإسلام قام بتوسیع مفهوم الصوم باعتبارہ طریقًا إلى البر وتقوی الله.

وصوم رمضان مفروض في الإسلام، ولم يكن الصيام مفروضًا في أي دين قبله لشهر متكامل مثلما يكون في شهر رمضان، وهو الشهر التاسع من التقويم الهجري. فأوجب القرآن الكريم علی المسلمين أن یصوموا من الفجر حتى غروب الشمس خلال هذا الشهر. فالصوم عبادة سنوية وفقًا للعقيدة الإسلامية وأحد الأركان الخمسة الروحية للإسلام. وقد ذکر القرآن الکریم فضائل الصوم وشروطه في هذہ الآیة القرآنیة: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚفَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖوَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗيُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (البقرة:185).

ففي الإسلام يأتي هذا الشهر الفضيل تذكيرًا لأهم الأغراض الإنسانية الروحانية التي يجب أن نحققها خلال الشهر الكريم لنعيش عامًا كاملاً في رحمة واسعة ومغفرة إلهية من خلال التمسك بما نستلهم من أيام رمضان المبارك.

ومن المعلوم أن جوهر الصيام في الإسلام هو التقوى والبر، وهما مطلوبان من المسلمين، لیس خلال شهر رمضان المبارك فحسب، بل بعده طوال العام. وأخيرًا، أرجو أن يتقبل الله سبحانه وتعالى صيامنا وصلواتنا ودعواتنا.