تحول تاريخي: "سياسة العمل شرقًا" تعيد رسم خريطة الاتصال لشمال شرق الهند

13-09-2025  آخر تحديث   | 13-09-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | آواز دي وايس 
تحول تاريخي:
تحول تاريخي: "سياسة العمل شرقًا" تعيد رسم خريطة الاتصال لشمال شرق الهند

 


محمود حسن*

إن التحسن في شبكة السكك الحديدية بين الهند وميانمار، مقرونًا بإمكانية الوصول إلى ميناء سيتوي، من شأنه أن يفتح آفاقًا واسعة للتجارة والأعمال وتوفير فرص العمل وتحقيق النمو الاقتصادي وتنشيط السياحة في شمال شرق الهند. فهذه المنطقة، التي تعاني من انغلاق جغرافي، ستتمكن، عبر ميناء سيتوي، من الوصول إلى البحار.

ومع التدشين الرسمي لخط السكك الحديدية بيرابي – سايرانغ من قبل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أصبحت ولاية ميزورام جزءًا من خريطة السكك الحديدية الوطنية. ومن المقرر أن يُمدّ هذا الخط لاحقًا حتى الحدود الهندية – الميانمارية ليرتبط بمشروع كالادان متعدد الوسائط للنقل، في ميناء سيتوي، الذي شيدته الهند داخل ميانمار، بما يتيح منفذًا بحريًا مباشرًا نحو السواحل الشرقية والجنوبية للهند. ويُعد هذا المشروع أكبر مبادرة تنموية للهند في ميانمار.

وفي السياق نفسه، يجري الإعداد لمسح هندسي لبناء خط سكك حديدية يمتد من سايرانغ إلى زورينبوي عند الحدود مع ميانمار، بطول 223 كيلومترًا. وبإنجاز هذا الخط، ستتوافر إمكانية الوصول بالسكك الحديدية إلى مدينة باليتوا في ميانمار، ثم إلى مشروع كالادان متعدد الوسائط للنقل، وميناء سيتوي.

وتمت بلورة هذا المشروع في نيودلهي وتمت صياغته رسميًا عام 2008م في إطار سياسة النظر شرقًا(أصبحت اليوم سياسة العمل شرقًا) بهدف رئيس يتمثل في تعزيز التجارة بين ميانمار ودول جنوب شرق آسيا، وفي الوقت نفسه مواجهة مبادرة الصين الخاصة بـشأن طريق الحرير البحري. وبحسب وزارة الشؤون الخارجية الهندية، فقد جرى تصميم المشروع ليكون بمثابة بديل لربط ولاية ميزورام بموانئ هندية مثل هالديا أو كولكاتا أو غيرها، عبر نهر كالادان في ميانمار. وبالنظر إلى أن شمال شرق الهند منطقة حبيسة، فإن ميناء سيتوي سيتيح لها منفذًا إلى البحار الدولية. ومن شأن هذا المشروع أن يشكّل حجر الزاوية في العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية بين الهند وميانمار، فضلًا عن كونه أداة مهمة للهند لموازنة النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة.

وتم إنشاء الميناء بتمويل من حكومة الهند ضمن إطار مشروع كالادان متعدد الوسائط للنقل، بتكلفة بلغت 484 مليون دولار أمريكي. وتتمثل إحدى المزايا الجغرافية لشمال شرق الهند في أن المشروع سيربط الساحل الشرقي للهند بالولايات الشمالية الشرقية، ما سيؤدي إلى خفض تكاليف نقل البضائع بين كولكاتا وأجارتالا وآيزوال بنسبة تصل إلى 50%. وعند تشغيل الميناء بكامل طاقته، سيمنح المنطقة منفذًا بديلًا إلى الطرق البحرية الدولية، بما يسهم في تقليل الاعتماد المفرط على الممر الضيق الذي يعرف بـ"تشكن نِك" بمماثلها بعنق الدجاجة. وتُقدَّر المسافة البحرية بين ميناء سيتوي وميناء كولكاتا عبر خليج البنغال بـ539 كيلومترًا.

ويتمتع الميناء بطاقة استيعابية تصل إلى 20 ألف طن وزني (DWT)، ما يجعله مركزًا بحريًا رئيسًا في ميانمار ويفتح آفاقًا غير مسبوقة للنمو الاقتصادي في المنطقة، في إطار سياسة "العمل شرقًا" التي تتبناها الحكومة الهندية. وتخطط الهند لتطوير الميناء ضمن منطقة اقتصادية خاصة، يُتوقع أن تشارك فيها رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). وقد جرى تحديد موقع المنطقة في بلدة بونناغيون على مساحة تقدَّر بـ1000 فدان. ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع في تعزيز قطاعات السياحة والزراعة والصناعات التحويلية على طول نهر كالادان. وتجدر الإشارة إلى أن الصين سبقت وأنشأت بالفعل منطقة اقتصادية خاصة في منطقة  كياوكفيو (Kyaukphu) بميانمار.

ويتكوّن مشروع كالادان متعدد الوسائط للنقل من أربعة مسارات رئيسة: النقل البحري من الهند إلى ميناء سيتوي، ثم الملاحة النهرية من سيتوي إلى باليتوا عبر نهر كالادان، يليها الربط البري من باليتوا إلى الحدود الهندية–الميانمارية، وأخيرًا الوصل بالطريق السريع الوطني رقم 54 داخل الهند، الذي يخترق ولاية آسام وصولًا إلى داباكا، في إطار الممر الشرقي–الغربي الهادف إلى دمج شمال شرق الهند ببقية أقاليمها. ويكتسب هذا المسار أهمية إضافية لكونه جزءًا من شبكة الطريق الآسيوي المتعدد الأطراف التي تسعى لربط دول جنوب شرق آسيا.

وفي إطار هذا المشروع، شُيّد 69 جسرًا في المنطقة لتعزيز البنية التحتية وتسهيل حركة المواطنين الميانماريين والمسافرين من شمال شرق الهند لأغراض التجارة. كما أن تمديد الطريق البري بين الهند وميانمار ليتصل بالطريق الآسيوي المتعدد الأطراف سيتيح الربط مع لاوس وكمبوديا وفيتنام.

وأما ميناء سيتوي فسيكون متصلًا بوسائل النقل النهري الداخلي على طول نهر كالاتان حتى محطة المياه الداخلية في باليتوا بولاية تشين، لمسافة تبلغ 158 كيلومترًا. ومن باليتوا، يتواصل الطريق البري إلى زوشاوچهوه (في الهند)، ومنها إلى زورينبوي، ليصل في النهاية إلى مدينة آيزوال.

ومن الجدير بالذكر أن الطريق الحالي بين كولكاتا وأغارتالا يمتد لنحو 1600 كيلومتر ويستغرق اجتيازه أكثر من أربعة أيام. أما المسار الجديد عبر ميناء سيتوي ثم تشيتاغونغ وصولًا إلى سابوم في ميزورام ومنه إلى أجارتالا، فسيختصر المسافة إلى النصف تقريبًا، ويقلص مدة الرحلة إلى يومين فقط، مع خفض ملموس في التكاليف والوقت.

ويقع ميناء سيتوي في ولاية راخين بميانمار، التي كانت تُعرف سابقًا باسم أراكان. وقد شكّلت هذه المنطقة في فترات تاريخية جزءًا من سلطنة دلهي، ثم من الإمبراطورية المغولية في عهد الإمبراطور أورنجزيب، قبل أن تخضع لاحقاً لحكم مملكة مراوك. ومنذ تلك الحقبة، حافظ شمال شرق الهند على صلات اجتماعية وثقافية وثيقة مع ميانمار.

وشكّلت الغزوات البورمية في مطلع القرن التاسع عشر فصلًا مأساويًا في تاريخ آسام، عُرف باسم "مانور دين"، حيث ارتكبت القوات البورمية انتهاكات واسعة شملت التعذيب والفظائع، كما قامت بأسر العديد من العائلات الأسامية ونقلها إلى ميانمار. وما زالت بعض هذه المجتمعات الأسامية مستوطنة حتى اليوم في إقليم راخين. وفي عام 1826م، أُبرمت معاهدة ياندابو التي أُجبرت بموجبها بورما على التنازل عن أراكان لصالح الهند البريطانية.

ومن المرجح أن يسهم تشغيل ميناء سيتوي في تعزيز التجارة الثنائية والإقليمية بين الهند وميانمار، وكذلك مع دول جنوب شرق آسيا، إذ يفتح الميناء آفاقًا جديدة أمام شمال شرق الهند لتصدير منتجاته إلى بقية أنحاء الهند وإلى دول جنوب شرق آسيا بكلفة أقل بكثير. ففي السابق، كان لا بد من نقل البضائع إلى ميناء كولكاتا أولًا، قبل شحنها إلى أوروبا أو جنوب شرق آسيا.

اقرأ أيضًا: أبعاد جديدة في تكنولوجيا الحرب

ووصلت، مؤخرًا، أول سفينة شحن MV ITT Lionمن ميناء كولكاتا، حيث استقبلها بشكل مشترك وزير الشحن والممرات المائية سارباناندا سونوال، ونائب رئيس الوزراء الميانماري الأدميرال تين آونغ سان. وقد تم خلال المناسبة تدشين الميناء في ميانمار، الذي أُطلق عليه اسم "تشابهار الشرق" في إشارة إلى أهميته الاستراتيجية.

*مسئول في الخدمة الإدارية الهندية، يعمل حاليًا بصفته سكرتيرًا في إدارة الإصلاحات الإدارية، والتدريب، والتقاعد، وشكاوى الجمهور

قصص مقترحة