رضوان الرحمن*
الجامعة الملية الإسلامية الكائنة في نيودلهي من أعرق الجامعات التي تموّلها وتديرها الحكومة المركزية مباشرة. وهي من الجامعات الهندية التي اعتُرف بها باعتبارها من المؤسسات التعليمية ذات الأهمية القومية. ويدرس فيها آلاف الطلبة والطالبات من الهند وخارجها بتكلفة قليلة، بدءًا من مرحلة الحضانة وحتى الدراسات العليا.
توجد في الهند في العصر الحاضر أنواع مختلفة من الجامعات والمؤسسات التعليمة ومراكز البحوث والدراسات العليا ومنها مؤسسات حكومية مركزية ومعاهد تديرها حكومات مختلف ولايات الهند ومؤسسات أهلية تحصل على معونات مالية محدودة من الحكومة، والفئة الأخيرة منها هي معاهد أهلية تديرها نقابة أو مؤسسة أو مجموعة للشركات. فالجامعة الملية الإسلامية هي من تلك الجامعات الحكومية التي تمولها وتديرها الحكومة المركزية مباشرة.
تأسيس الجامعة الملية الإسلامية
الجامعة الملية الإسلامية، التي أكملت مئة وخمسة أعوام على تأسيسها، جامعة حكومية وبحثية نشأت نتيجة للحركة القومية ضد الإنجليز، وطموح الزعماء الهنود في تأسيس معهد تعليمي لا يخضع للتأثيرات الأجنبية. وقد أسّسها القادة القوميون وطلاب جامعة عليكره الإسلامية في مدينة عليكره عام 1920م. والجدير بالذكر أنّ لهم إسهامات بالغة في تحرير الهند من الاستعمار البريطاني.
ومن أبرز الشخصيات التي ساهمت في إنشائها وتقدمت إلى الصفوف الأولى لتأسيس الجامعة الملية الإسلامية: مولانا أبو الكلام آزاد، والمهاتما غاندي، والدكتور محمد إقبال، ومحمد علي جوهر، والدكتور ذاكر حسين، ومختار أحمد أنصاري، ومحمود الحسن، وعبد المجيد خواجه، وعابد حسين، ومحمد مجيب، وشوكت علي جوهر.
وقد شغل محمد علي جوهر منصب المدير الأول للجامعة من عام 1920م إلى 1923م، فيما أصبح حكيم أجمل خان أول رئيس للجامعة، وبقي في هذا المنصب من عام 1920م إلى 1927م.
وانتقلت الجامعة إلى العاصمة الهندية نيودلهي عام 1935م. وفي عام 1962م اعتُرف بها معهدًا تعليميًا مرموقًا من قبل الهيئة التعليمية العليا التابعة لحكومة الهند. وأخيرًا، في عام 1988م، تم الاعتراف بها كجامعة مركزية بموجب قانون صادر عن البرلمان الهندي.
ولنتأمل الآن في "فكرة الجامعة" ورحلتها الخاصة من عليكره إلى دلهي، إذ تزامنت هذه الفكرة مع "فكرة الهند" متعددة الثقافات، وإسهامها في تعليم المسلمين. والجدير بالذكر أن فكرة "الجامعة" وُلدت بدعوة من المهاتما غاندي إلى تعليم وطني في معهد وطني، حيث طرح مفهوم "نئي تعليم" أي "التعليم الحديث". وبحسب رأيه، كان لا بد أن يقوم التعليم على المهارات، مع تفضيل لغات الهند كوسيلة للتعليم في سبيل إثراء هذه الفكرة. ويعود ظهور هذه الفكرة بالأساس إلى ضعف إقبال الهنود، ولا سيما المسلمين، على التعليم العصري والعلوم الحديثة.
وقرّر القادة منذ البداية أن تكون الجامعة الملية الإسلامية مؤسسة وطنية، من شأنها أن توفّر فرصة التعليم العالي، وتركّز على ترسيخ الروح القومية الهندية لدى الطلاب من جميع الطبقات والفئات، ولا سيما المسلمين. وقد وصف رئيس الهند السابق وقائد الحركة القومية للاستقلال الدكتور ذاكر حسين حركةَ الجامعة الملية الإسلامية بأنها نضال من أجل التعليم والنهضة الثقافية، يهدف إلى إعداد مخطّط للمسلمين الهنود قد يركّز على الإسلام، لكنه في الوقت نفسه يسهم في تطوير ثقافة وطنية للهنود عامة.
وإلى جانب القادة المسلمين، دعم كبار زعماء ذلك العصر تأسيس الجامعة، إذ شعروا بأن الجامعة الإسلامية يمكن أن تُسهم في تشكيل حياة الطلاب على أساس ثقافة مشتركة ورؤية عالمية. ولهذا السبب، طلب المهاتما غاندي من ابنه الأصغر، ديفداس غاندي، أن يدرّس اللغة الهندية في الجامعة الملية الإسلامية.
وفي عام 1925م، انتقلت الجامعة من عليكره إلى منطقة كارول باغ في نيودلهي. وفي عام 1935م، وُضع حجر الأساس لمبنى مدرسة الجامعة الملية الإسلامية في أوخلا، التي كانت آنذاك قرية غير معروفة في الضواحي الجنوبية لدلهي. وفي عام 1936م، انتقلت جميع مؤسسات الجامعة الملية الإسلامية، باستثناء مطبعة الجامعة والمكتبة، إلى الحرم الجامعي الجديد.
وبعد مرور من الزمن، برزت الجامعة الملية الإسلامية كمركز عريق للدراسات العليا والبحوث في العلوم الإنسانية والاجتماعية، والهندسة، والبيولوجيا، والتكنولوجيا الحيوية، وإدارة الأعمال، وغيرها من العلوم والفنون. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الجامعة أيضًا مركزًا بارزًا للتعليم في مجالات طب الأسنان وإدارة الضيافة والفنادق. كما اشتهر أحد مراكزها بدراسة الصحافة، وأصبح اليوم رائدًا في تدريب الطلبة والطالبات على الصحافة وإنتاج الأفلام الوثائقية.
الجامعة الملية الإسلامية وتعليم المسلمين
هذه الجامعة جامعة قومية مثل سائر الجامعات الحكومية العادية التي تستقبل المتعلمين من الهند وخارجها، غير أنّ لها ميزة تجعلها متفرّدة مثل جامعة عليكره الإسلامية. وتكمن هذه الميزة في كونها معهدًا مخصّصًا لتعليم الأقلية المسلمة. ويعود السبب في ذلك إلى اهتمام قادة البلاد برفع شأن جميع الطبقات، ولا سيما المسلمين، في مجال التعليم العصري، وتمكينهم من التقدّم مثل سائر الطبقات الأخرى، وضمّهم إلى التيار الرئيس، حتى يخرج المسلمون من التخلّف ويؤدوا دورًا فعالاً في جميع مجالات الحياة.
وتنفيذًا لفكرة تعليم المسلمين، فُتحت مدرسة داخل الجامعة تستقطب الطلبة والطالبات من المسلمين، وقد أدّت دورًا فعّالًا منذ نشأتها. وبالإضافة إلى ذلك، تقرر تخصيص مقاعد للطلبة المسلمين في جميع البرامج الدراسية، من مرحلة البكالوريوس إلى مرحلة الدكتوراه. وتمشيًا مع هذه الفكرة، مُنحت الجامعة الملية الإسلامية رسميًا صفة "مؤسسة تعليمية للأقليات" من قِبل اللجنة الوطنية للمؤسسات التعليمية للأقليات عام 2011م، وبموجب ذلك سُمح لها بحجز نصف مقاعدها للطلاب المسلمين.
وعلى الرغم من هذا القانون فإن الجامعة الملية الإسلامية تظل مؤسسة تعليمية تستقبل طلابًا من خلفيات دينية وثقافية مختلفة. وتؤكد الجامعة أنها لا تميّز على أساس الدين أو الطبقة، وأن قبول الطلاب فيها قائم على الجدارة.
اقرأ أيضًا: عُمان واتفاقية الشراكة الشاملة مع الهند
وتضم الجامعة الملية الإسلامية قسمًا متخصصًا للدراسات الإسلامية، يقدّم دوراتٍ دراسيةً على مستوى البكالوريوس والدراسات العليا، تشمل دراساتٍ في التاريخ والثقافة والعلوم الدينية الإسلامية. كما تُقدّم الجامعة دوراتٍ في الحركات التعليمية والإصلاحية الإسلامية تساهم في إثراء الحوار حول التراث الفكري الإسلامي. ومن خلال أقسامها ومراكزها المختلفة، تُواصل الجامعة الملية الإسلامية إسهاماتها في تعليم وتمكين المجتمع الإسلامي في الهند. يتبع...
*أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية ورئيسه سابقًا، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي.