زيارة رئيس الوزراء مودي تعزّز العلاقات الاستراتيجية بين الهند وعُمان

17-12-2025  آخر تحديث   | 17-12-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
زيارة رئيس الوزراء مودي تعزّز العلاقات الاستراتيجية بين الهند وعُمان
زيارة رئيس الوزراء مودي تعزّز العلاقات الاستراتيجية بين الهند وعُمان

 


 محمد مدثر قمر* 

تأتي زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى سلطنة عمان خلال الفترة 17-18 ديسمبر 2025م في وقت مناسب. وهذه هي الزيارة الثانية لرئيس الوزراء مودي إلى سلطنة عمان، حيث زارها سابقًا في فبراير 2018م. وتكتسب هذه الزيارة أهميةً خاصة لأن الهند وسلطنة عمان ستوقّعان اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة، وهي ثاني اتفاقية من نوعها للهند مع دولة خليجية بعد الإمارات العربية المتحدة.

وتتمتع الهند وسلطنة عمان بعلاقات قوية وودية، وُصفت بأنها شراكة استراتيجية نظرًا للأهمية التي توليها كلتا الدولتين لبعضهما البعض. ويُعد الموقع الاستراتيجي لسلطنة عمان المطل على مضيق هرمز بالغ الأهمية لإمدادات الطاقة الهندية من منطقة الخليج. كما أنه مهم أيضًا لمصالح الهند البحرية في بحر العرب والمحيط الهندي. وتحظى سلطنة عمان باهتمام هندي متزايد نظرًا لموقعها الاستراتيجي وإمكانيات تعزيز الشراكات الاقتصادية والدفاعية. ومن جانبها، تنظر سلطنة عمان إلى الهند كقوة صاعدة ذات إمكانيات اقتصادية هائلة.

ويزور رئيس الوزراء مودي سلطنة عمان بدعوة من السلطان هيثم بن طارق. وستُصادف هذه الزيارة مرور 70 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وكان السلطان هيثم قد زار الهند في ديسمبر 2023م في أول زيارة له إلى البلاد، وأول زيارة لسلطان عمان منذ عام 1997م.

وتستند العلاقات بين الهند وعمان إلى روابط صداقة تاريخية تمتد لقرون، وروابط تجارية قوية، وعلاقات وثيقة بين الشعبين. وتجمع الهند وعمان علاقة متعددة الأبعاد وقوية تشمل التجارة والاقتصاد والدفاع والأمن والعلاقات السياسية والدبلوماسية. وأصبحت عمان بوابة الهند للتعامل مع منطقة الخليج والشرق الأوسط في تسعينيات القرن الماضي بعد أن أعادت نيودلهي تقييم سياستها الخارجية عقب انتهاء الحرب الباردة.

العلاقات الاقتصادية

في السنوات الأخيرة، عملت الهند وعُمان معًا لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية الثنائية. وقد أضافت زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى عمان في عام 2018م وزيارة السلطان هيثم إلى الهند في عام 2023م زخمًا جديدًا للعلاقات الثنائية التي نمت بشكل ملحوظ منذ ذلك الحين. وخلال رئاستها لمجموعة العشرين في عام 2023م، دعت الهند عُمان كإحدى الدول الضيفة للمشاركة في قمة مجموعة العشرين.

ويركّز جدول أعمال الزيارة على توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة التي من المتوقع أن تعزّز العلاقات التجارية والاقتصادية التي تبلغ حاليًا 10.6 مليارات دولار أمريكي. وبناءً على ذلك، يحرص الجانبان على تعزيز التعاون والربط البحري، وأمن الطاقة والطاقة الخضراء، والفضاء، والتقنيات والتطبيقات، والمدفوعات الرقمية والتعاون المالي، والتجارة والاستثمار، والصحة، والسياحة والضيافة، وتكنولوجيا المعلومات والابتكار، بالإضافة إلى الزراعة والأمن الغذائي.

وتُعد عمان من بين الشركاء التجاريين الرئيسين للهند في منطقة الخليج. وتشمل أهم صادرات الهند إلى عمان الزيوتَ الخفيفة والمستحضرات، وأكسيد الألومنيوم، والأرز، بالإضافة إلى الغلايات والآلات والأجهزة الميكانيكية وأجزائها. كما صدرت الهند الطائرات والمركبات الجوية الأخرى والمركبات الفضائية، والآلات والمعدات الكهربائية ومكوناتها، بالإضافة إلى مستحضرات التجميل، والبلاستيك ومصنوعاته، والحديد والصلب، والمنتجات الخزفية.

ومن ناحية أخرى، تشمل واردات الهند من عُمان النفطَ والمدخلات الصناعية، مما يؤكد التكامل بين الاقتصادين. وشملت أهم بنود الاستيراد النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، اللذين يمثلان معًا جزءًا كبيرًا من قيمة التجارة الثنائية. وشملت الواردات الرئيسة الأخرى اليوريا (بما في ذلك اليوريا المستخدمة في الأسمدة)، والمواد الكيميائية العضوية، والأمونيا اللامائية، والكبريت. كما استوردت الهند التراب والحجارة، ومواد التجبير، والجير، واللدائن في أشكالها الأولية، والطائرات وغيرها من المركبات الجوية.

وتوجد إمكانيات كبيرة للاستثمارات الثنائية، حيث تعمل ما يقرب من 6000 مشروع مشترك بين البلدين، ومن المتوقع أن تضيف هذه المشاريع 7.5 مليارات دولار أمريكي إلى الاقتصاد العماني في شكل استثمارات رأسمالية إجمالية على المدى الطويل. وتقدر الاستثمارات العمانية في الهند في شكل استثمارات أجنبية مباشرة بأكثر من 600 مليون دولار أمريكي.

ومن أهم المشاريع المشتركة الثنائية صندوق الاستثمار العماني-الهندي المشترك (OIJIF)، وهو مشروع مشترك بنسبة 50-50 بين بنك الدولة الهندي (SBI) وهيئة الاستثمار العمانية (OIA). وقد استثمر "صندوق الاستثمار العماني-الهندي المشترك" على مر السنين 320 مليون دولار أمريكي في الهند في مختلف القطاعات، وخلال زيارة السلطان هيثم في عام 2023م، اتفق الجانبان على استثمار 300 مليون دولار أمريكي أخرى خلال السنوات القادمة.

ومن المشاريع المشتركة المهمة الأخرى شركة عمان والهند للأسمدة (OMIFCO)، الواقعة في صور بسلطنة عمان. وهي مشروع مشترك بقيمة 969 مليون دولار أمريكي بين شركة النفط العمانية (بحصة 50%) وشريكيها المتساويين IFFCO (بحصة 25%) وKRIBHCO (بحصة 25%) من الهند، والتي تعمل منذ عام 2006م.

العلاقات الدفاعية

لا تزال علاقات الدفاع والأمن تشكل العمود الفقري للعلاقات الهندية العمانية. وتُعد عُمان أقرب شريك دفاعي للهند في منطقة الخليج، مع التركيز على التدريبات المشتركة، والعلاقات العسكرية، والتعاون في مكافحة القرصنة، والتنسيق في مكافحة الإرهاب والجريمة الدولية. وعمان هي أول دولة خليجية تُجري معها جميع أفرع القوات المسلحة الهندية تدريبات مشتركة. وفي السنوات الأخيرة، تعاون البلدان في ضمان الأمن البحري في منطقة المحيط الهندي. وفي إطار اللجنة المشتركة للتعاون العسكري بين الهند وعمان، هناك الآن تركيز أكبر على تعزيز العلاقات الأمنية والدفاعية، حيث يبرز الأمن البحري والساحلي كأحد أهم مجالات التعاون. كما أبرمت الهند وعمان اتفاقية تسمح للسفن البحرية الهندية بالرسو في ميناء الدقم الاستراتيجي لعملياتها في بحر العرب والمحيط الهندي.

الجالية الهندية في عمان

تجمع الهند وعمان روابط قوية من العلاقات الاجتماعية والثقافية. ويُقدر عدد الهنود المقيمين والعاملين في عُمان بنحو 700 ألف شخص. ويعمل عدد كبير من الهنود في مختلف القطاعات كمهنيين، بمن فيهم المهندسون والأطباء والممرضات والصحفيون والأكاديميون والمعلمون والمصرفيون والمديرون التنفيذيون ورجال الأعمال. كما يوجد عدد كبير من العمال غير المهرة الذين يعملون في قطاعات الصناعة والبناء والخدمات المنزلية.

اقرأ أيضًا: الهند والأردن يصدران بيانًا مشتركًا في ختام زيارة رئيس الوزراء مودي إلى الأردن

فإن زيارة رئيس الوزراء مودي تفتح آفاقًا جديدة لكلا الجانبين لتعزيز العلاقات الثنائية وتحسين الروابط التجارية والاقتصادية وتقوية الشراكة في مجالي الدفاع والأمن. وبالإضافة إلى ذلك، تُشكّل الاستثمارات والأمن الغذائي وأمن الطاقة والتعاون الثقافي الركائز الأساسية للشراكة الاستراتيجية بين الهند وسلطنة عمان.

*أستاذ مشارك في مركز دراسات غرب آسيا، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي.

قصص مقترحة