الشراكة الاستراتيجية بين الهند والسعودية

Story by  آواز دي وايس | Posted by  M Alam | Date 09-04-2024
رئيس الوزراء ناريندرا مودي ونظيره السعودي الأمير محمد بن سلمان
رئيس الوزراء ناريندرا مودي ونظيره السعودي الأمير محمد بن سلمان

 

أ.د. مجيب الرحمن: نيودلهي

بلدان عظيمان وحضارتان عريقتان واقتصادان مزدهران في آسيا يرتبطان بعضهما بالبعض بروابط ومصالح عميقة وتطلعات عملاقة ليرسما اسمهما بأحرف جلية وبارزة على خارطة السياسة العالمية، أحدهما أكبر ديموقراطية وخامس أكبر اقتصاد في العالم، وثانيهما أكبر مورد للطاقة في العالم وحاضن للمقامين المقدسين لما يزيد عن مليارَي مسلم في العالم. يستعرض هذا المقال أبعاد الشراكة الاستراتيجية التي تعمل بموجبها الهند والمملكة العربية السعودية يدًا بيدٍ لتحقيق الرخاء والرفاهية لشعبيهما وللانضمام إلى مصاف الدول المتقدمة في أقرب وقت ممكن.

يعود تاريخ الصلات بين الهند وشبه الجزيرة العربية إلى قرون ما قبل الميلاد. كانت العلاقات بين الهند وشبه الجزيرة العربية ترتكز بشكل أساسي على التجارة والتبادل الثقافي، فقد كانت الهند مركزًا تجاريًا مهمًا منذ قديم الزمان، وكانت تعمل على تبادل البضائع مع شبه الجزيرة العربية، وخاصةً فيما يتعلق بالتوابل والأقمشة والمجوهرات وغيرها من المنتجات الثمينة. وكانت الهند تصدر العديد من المنتجات مثل القطن والتوابل واللؤلؤ إلى شبه الجزيرة العربية، بينما كانت تستورد بعض المنتجات مثل البخور والمجوهرات من الجزيرة العربية، وقد كانت الهند من أغنى دول العالم وأقواها، وكانت روابطها مع شبه الجزيرة العربية ممتازة وحميمة لكونها مهبط الوحي الإلهي ومولد الرسول وحاضنة المقامات المقدسة في الإسلام، ومن هذا المنطلق، قدمت الهند في الماضي مساهمات في بناء البنية التحتية مثل الطرق والآبار والموانئ التي ساعدت في تسهيل التجارة والتواصل. ولتأسيس الهنود بعض المدارس الدينية في مكة المكرمة في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين دور لا يستهان به في نشر التعليم والوعي الثقافي في المنطقة، كما كانت الهند تعتبر مركزًا مهمًا للتعليم والمعرفة، فكان الطلاب من شبه الجزيرة العربية يسافرون إلى الهند للدرارسة في مختلف المجالات مثل الدين والفلسفة والطب والعلوم.

واتخذت العلاقات بين الهند والمملكة العربية السعودية بعدًا جديدًا مع قيام العلاقات الدبلوماسية في عام 1947م، وأخذت العلاقات تنمو وتزدهر في ضوء مصالح كلا البلدين مع زيارات متبادلة للقيادة العليا في كلا البلدين، منها زيارة الملك عبد الله للهند في عام 2006م وزيارة رئيس الوزراء الهندي وقتذاك إلى المملكة في عام 2010م، وكذلك زيارة رئيس الوزراء مودي للرياض في عام 2016م. وتحمل هذه الزيارات أهمية كبيرة، حيث قامت بتعزيز التعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية. وتعد زيارة ولي العهد السعودي للهند في عام 2019م ذات أهمية كبيرة في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين حيث تم خلالها التوقيع على عدد من الاتفاقيات المهمة بما في ذلك التعهد السعودي باستثمارات بقيمة 100 مليار دولار أمريكي في الهند واتفاقية لانضمام المملكة إلى التحالف الدولي للطاقة الشمسية التي تترأسها الهند وفرنسا.

وخلال زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي في أكتوبر 2019م، وقّع البلدان على اتفاقية تأسيس مجلس الشراكة الاستراتيجية و12 مذكرة تفاهم في مجالات متعددة، بما في ذلك الطاقة والأمن والإنتاج الدفاعي. ويعد مجلس الشراكة الاستراتيجية حجر الزاوية في العلاقات بين البلدين، حيث يتألف المجلس من لجنتين فرعيتين إحداهما لجنة التعاون السياسي والأمني والاجتماعي والثقافي وثانيتهما لجنة الاقتصاد والاستثمار، وتعمل اللجنتان على أربعة مستويات؛ مستوى القمة: رئيس الوزراء الهندي وولي العهد السعودي، والمستوى الوزاري، ومستوى كبار المسؤولين، ومستوى مجموعات عمل مشتركة، وتغطي هذه اللجان التعاون بينهما في جميع المجالات السياسية، والدفاعية، والاقتصادية، والزراعية، والغذائية، والطاقة وتكنولوجيا المعلومات، والصناعة والبنية التحتية، وهذا ما يجعل الاتفاقية اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة بالمعنى الحقيقي للكلمة. وفي سبتمبر 2023م، قام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزيارة للهند وقام خلالها بالتوقيع على 8 مذكرات تفاهم مع الجانب الهندي في مجالات مثل الطاقة والاستثمار ومكافحة الفساد، بالإضافة إلى تنظيم منتدى الاستثمار الهندي السعودي.

وتوسعت آفاق التعاون الاستراتيجي بين البلدين الصديقين بشكل كبير بمشاركة الأمير محمد بن سلمان في قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الهند في نيو دلهي في سبتمبر 2023م وأقيم على هامشها منتدى الاستثمار الهندي السعودي الذي شهد التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات للتعاون في قطاعات عديدة منها قطاع الطاقة، والتكنولوجيا والاتصالات، وريادة الأعمال والكيماويات، والغذاء، والصناعات المتقدمة، والبناء. وقال ولي العهد السعودي خلال جلسة مباحثات مع رئيس الوزراء الهندي "إن الهند بلد صديق، وهناك علاقات تاريخية طويلة جدًا بالعرب والهند، وبين السعودية والهند، معربًا عن أمله من خلال مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودي-الهندي على تحقيق المستهدفات في كافة القطاعات" والتي وصفها بالواعدة.

ويتجلى التعاون الاقتصادي الكبير بين الهند والمملكة العربية السعودية بوضوح في حجم التجارة الثنائية والاستثمارات المتبادلة بعد دخول مجلس الشراكة الاستراتيجية حيز التنفيذ. ففي عام 2023م، بلغت قيمة التجارة البينية 52 مليار دولار أمريكي، حيث ارتفعت واردات الهند من السعودية بنسبة 23.47% لتصل إلى 42.03 مليار دولار، فيما ارتفعت قيمة الصادرات إلى السعودية بنسبة 22.48% لتصل إلى 10.72 مليار دولار.

كما أن هناك حوالي 2,783 شركة هندية مسجلة في المملكة بقيمة استثمارات تبلغ حوالي 2 مليار دولار، وهي شركات كبرى مثل L&T، وTATA، وWipro، وTCS، وTCIL، وغيرها. وتبلغ الاستثمارات السعودية المباشرة في الهند 3.15 مليار دولار، بما في ذلك استثمارات في الشركات الناشئة مثل Delhivery، وFirstCry، وGrofers، وOla، وOYO، وPaytm، وPolicyBazaar. ومن بين الاستثمارات الرئيسة المقترحة مشروع مصفاة الساحل الغربي والبتروكيماويات بقيمة 44 مليار دولار، إلى جانب استثمارات في الطاقة المتجددة مثل مشاريع طاقة الرياح بقدرة 600 ميجاوات.

ومن جهة أخرى، يشكّل التعاون في مجال الطاقة ركيزة أساسية للعلاقات الثنائية بين الهند والسعودية. وتعتبر المملكة العربية السعودية شريكًا رئيسًا للهند في ضمان أمن الطاقة. وظلت المملكة ثالث أكبر وجهة لمصادر النفط الخام والمنتجات البترولية في الهند للسنة المالية 2022-2023م. واستوردت الهند 39.5 ملايين طن متري من النفط الخام من المملكة العربية السعودية في عام 2023م، وهو ما يمثّل 16.7% من إجمالي وارداتها من النفط الخام. وبالإضافة إلى ذلك، بلغت واردات الهند من غاز البترول المسال من المملكة العربية السعودية 7.85 مليون طن متري وتمثّل 11.2% من إجمالي وارداتها من المنتجات البترولية في عام 2023م.

كما شهدت الشراكة الدفاعية بين الهند والمملكة العربية السعودية نموًا هائلاً في السنوات الأخيرة. ونظرًا لكون الهند والمملكة العربية السعودية جارتين بحريتين، فإنهما تتمتعان بتعاون بحري واسع النطاق. كما تم، حتى الآن، اختتام نسختين من التمرينات البحرية الثنائية. وبالإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا تعاون وثيق بين الجانبين في مجال الصناعات الدفاعية وبناء القدرات الدفاعية.

وعلى الصعيد الثقافي، تتمتع الهند والمملكة العربية السعودية بعلاقات ثقافية تاريخية طويلة، وفي السنوات الأخيرة، ازدادت الأنشطة الثقافية الثنائية بما يتماشى مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030. وشاركت الهند كضيف شرف في المهرجان الوطني السعودي للتراث والثقافة المرموق-الجنادرية في عام 2018م، بحضور جلالة الملك سلمان ومعالي وزير الشؤون الخارجية الهندي.

والجدير بالذكر أن اليوغا أصبح نشاطًا شائعًا في المملكة العربية السعودية بعد الاعتراف بها كنشاط رياضي في نوفمبر 2017م. وتحتفل السفارة الهندية باليوم العالمي لليوغا في الرياض، ويشارك فيه عدد كبير من المواطنين السعوديين والشباب والدبلوماسيين والصحفيين والمغتربين الهنود. وفي عام 2018م، مُنحت السعودية جائزة بادما شري تقديرًا لجهودها في نشر اليوغا في المملكة العربية السعودية.

وهذا إلى جانب وجود الجالية الهندية الكبيرة في السعودية المقدرة بـ 2.4 ملايين مقيم، وهي تشكل همزة وصل قوية بين البلدين والشعبين. وتحظى الجالية الهندية باحترام كبير في المملكة لمساهماتها الكبيرة في تنمية المملكة العربية السعودية، وفي هذا الشأن قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان "الجالية الهندية كان لها دور كبير جدًا في نمو المملكة الاقتصادي"، مشيرًا إلى أنها "تشكل 7% من تعداد السكان في المملكة". ولفت إلى أن الجالية الهندية "جزء من المملكة ونراعيهم كما نراعي المواطنين السعوديين".

وأخيرًا لا آخرًا، يعتبر الحج السنوي عنصرًا مهمًا في العلاقات الثنائية بين الهند والسعودية. وخلال زيارة ولي العهد إلى نيودلهي في فبراير 2019م، تم الإعلان عن زيادة حصة الهند من الحج بمقدار 24,975 في عام 2019م، مما مكّن 200 ألف هندي من أداء فريضة الحج في أغسطس 2019م. كما قامت الهند أيضًا برقمنة عملية الحج من خلال توفير تطبيق الحج على الهاتف المحمول، والمرافق الصحية عبر E-MASIHA، ووضع العلامات الإلكترونية على الأمتعة، وربط منظمي خدمات الحج بالنظام الرقمي، الذي أدى إلى تبسيط إجراءات الحجاج. وفي مطلع ديسمبر 2023م دشّن معالي وزير الحج والعمرة السعودي في مدينة مومباي، معرض نسك الأكبر من نوعه بمشاركة 500 شركة سعودية وهندية وبحضور يعد الأضخم في سلسلة تدشين معارض نسك الدولية فاق الألف زائرًا، وقد خاض الزوار تجربة إثرائية وتعريفية عن مزايا وخدمات المنصة الرقمية، والباقات المتعددة والتأشيرات المتنوعة التي تقدمها المملكة لضيوف الرحمن الراغبين في زيارة الحرمين الشريفين وأداء العمرة، وقدمت الحكومة الهندية دعمها الكامل لإقامة المعرض، وهذا يدل على عمق وحميمية العلاقات بين البلدين الصديقين.

 

وفي يناير 2024م، وقّعت وزيرة المرأة وتنمية الطفل وشؤون الأقليات اسمرتي إيراني ووزير الحج والعمرة السعودي الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة اتفاقية الحج الثنائية وتم الاتفاق بموجبها على حصة الهند من الحجاج لسنة 2024 البالغ عددهم 175 ألف حاج.

أ.د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو بنيودلهي