أديتي بهادوري*
بعث رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف رسالة تهنئة إلى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بمناسبة يوم استقلال الهند. وأكد في رسالته أن هذا العيد يعكس الروح الراسخة للشعب الهندي والإنجازات البارزة التي حققتها البلاد في بناء الدولة، والتنمية الاقتصادية، وتوسيع التعاون الدولي. كما أعرب عن ثقته في أن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين ستشهد مزيدًا من التطور والتعزيز.
التقى النائب الأول لوزير الدفاع في كازاخستان، الفريق أول سلطان كماليتدينوف، قبل عدة أيام، بالجنرال أبيندرا دويفيدي، رئيس أركان الجيش الهندي، حيث تمحورت مناقشاتهما على تعزيز التعاون الثنائي في مجال الدفاع، وتوسيع العلاقات العسكرية بين البلدين، بالإضافة إلى بحث الأوضاع الجيوستراتيجية في المنطقة، وتأكيد الالتزام المشترك بالحفاظ على الاستقرار الإقليمي والسلام العالمي.
وفي ظل التوترات الجيوسياسية والاقتصادية التي تمر بها الهند، تتزايد الحاجة إلى إعادة تفعيل علاقاتها مع دول آسيا الوسطى، لا سيما كازاخستان. الهند تدرك أهمية هذه المنطقة الاستراتيجية والاقتصادية، وهو ما تؤكده اللقاءات الأخيرة مثل مجلس الأعمال بين الهند وآسيا الوسطى، وحوار الهند وآسيا الوسطى على مستوى وزراء الخارجية.
وجاءت هذه الأحداث في سياق "عملية سندور" التي أطلقتها الهند، عندما واجهت موجة جديدة من الإرهاب. وتُبدي دول آسيا الوسطى تعاطفًا كاملاً مع مخاوف الهند بشأن الإرهاب العابر للحدود، وقد عكست ذلك البيان المشترك، حيث أدانت جميع الدول الإرهاب بجميع أشكاله وصوره.
وجاءت هذه التطورات على خلفية "عملية سندور"، التي أطلقتها الهند لمواجهة موجة جديدة من الإرهاب. وأعربت دول آسيا الوسطى عن تعاطفها التام مع الهند بشأن التهديدات الإرهابية العابرة للحدود. وقد تجلى ذلك في البيان المشترك الذي أدانت فيه كافة الدول الإرهاب بمختلف أشكاله وتجلياته.
وتشمل العلاقات الثنائية في مجال الدفاع بين الهند وكازاخستان حاليًا التعاون العسكري-التقني، والتعليم والتدريب العسكري، والتدريبات المشتركة، والزيارات الثنائية، وغيرها من المجالات. ومنذ عام 2021، شاركت الدولتان في تدريبات دفاعية مشتركة تُقام بالتناوب في أراضي كل منهما. كما تساهم كل من الهند وكازاخستان في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وتعاونتا معًا في لبنان ضمن القوة المؤقتة للأمم المتحدة (اليونيفيل). لذلك، يُعد تعزيز التعاون الوثيق بين البلدين أمرًا ضروريًا وليس مجرد ترحيب.
وتُعد كازاخستان أكبر دولة وأكثرها غنىً بالموارد في منطقة آسيا الوسطى. وهي تاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، وتشترك في الحدود مع روسيا، والصين، وقيرغيزستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، إضافة إلى سواحلها على بحر قزوين. ويبلغ عدد سكانها 20.6 مليون نسمة، وقد بلغ ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2023م نحو 288.1 مليار دولار، وتطمح إلى مضاعفة هذا الرقم بحلول عام 2030م. وقد حقق اقتصاد البلاد نموًا بنسبة 6% خلال الفترة من يناير إلى أبريل 2025م.
وتُعتبر كازاخستان دولة غنية للغاية بالموارد الطبيعية، ويعتمد اقتصادها بشكل كبير على النفط والغاز واليورانيوم والفحم والذهب. وتُقدّر احتياطياتها النفطية بنحو 78 مليار طن حتى عام 2024م، كما تحتل المرتبة 18 عالميًا في احتياطيات الذهب. وتمتلك كازاخستان أكبر احتياطات معروفة من اليورانيوم في العالم، إضافة إلى 19 من أصل 34 نوعًا من المواد الخام الأساسية التي تحتاجها الاقتصادات الكبرى، بما في ذلك اليورانيوم، والتيتانيوم، والنحاس، والليثيوم، والكوبالت، والتنغستن، وغيرها من المعادن .
وتم مؤخرًا اكتشاف كميات كبيرة من المعادن الأرضية النادرة في كازاخستان، حيث تشير التقديرات الأولية إلى وجود نحو مليون طن منها. ويساهم هذا الاكتشاف في تعزيز دور كازاخستان كشريك اقتصادي مهم للهند، فهي تعد مصدرًا رئيسيًا للمواد الخام، إضافة إلى كونها سوقًا للمنتجات المصنعة ووجهة استثمارية جذابة.
وتُعتبر كازاخستان أكبر مورد لليورانيوم للهند، حيث يوجد بين البلدين اتفاق طويل الأمد لتوريد هذا المعدن الحيوي. ومن المتوقع أن تبدأ كازاخستان خلال السنوات القادمة في استخراج وتوريد معادن أرضية نادرة أخرى، التي تشهد طلبًا عالميًا متزايدًا، وتسعى الهند لتحقيق الاكتفاء الذاتي منها.
ومن المتوقع أن يشهد عدد سكان كازاخستان، الذي يزيد على 20 مليون نسمة، نموًا سريعًا، حيث يشكل الشباب تحت سن الثلاثين الغالبية العظمى. وبناءً عليه، تُعتبر كازاخستان سوقًا واعدة للمصنعين الهنود. كما أن النزاع الجمركي مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دفع المصدرين الهنود إلى ضرورة تنويع أسواقهم التصديرية، مما يجعل كازاخستان وجهة محتملة ومهمة، خاصةً وأن غالبية الصناعات الكازاخستانية تتركز في قطاعات الاستخراج والتعدين.
وأوصى البنك الدولي كازاخستان ببدء التصنيع لتحفيز النمو الاقتصادي، وهو ما يتماشى بشكل جيد مع التوجيهات الأخيرة من حكومة الهند لشركات الهند. ووفقًا لتقرير صدر في صحيفة "فاينانشال إكسبريس"، أفاد كبار المسؤولين الحكوميين بأن التوجيهات المقدمة للقطاع الصناعي الهندي تتمثل في ضرورة تجاوز مرحلة المشاركة في المناقصات العالمية وإنشاء مكاتب مؤقتة لتنفيذ العقود فقط، وتأسيس كيانات دائمة في الخارج. وأكدوا أن الحكومة مستعدة لدعم هذه الخطوة من خلال بعثاتها الدبلوماسية والتجارية في الدول المستهدفة. وبذلك، يُطلب من كبرى المجموعات الهندية تبني نهج طويل الأمد ومستدام، بديلًا عن النموذج التقليدي القائم على "مكاتب ميدانية مؤقتة".
وتسعى كازاخستان إلى جذب الاستثمارات وإقامة خطوط إنتاج داخل البلاد. ولهذا الغرض، اتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات لجذب الاستثمارات الأجنبية وتبسيط عملية ممارسة الأعمال في البلاد. وعلى سبيل المثال، تقدم الحكومة دعمًا شاملاً للمشاريع الاستثمارية، يشمل حوافز مالية مثل الإعفاء من ضريبة دخل الشركات، وضريبة القيمة المضافة، وضريبة الأراضي، بالإضافة إلى دعمات أخرى. كما أنشأت البلاد 14 منطقة اقتصادية خاصة (SEZs) موزعة في مختلف أرجاء البلاد، توفر بنية تحتية متطورة ومجموعة واسعة من التسهيلات الاستثمارية.
وأبرمت كازاخستان عددًا من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف مع دول ومنظمات دولية، بهدف إنشاء إطار تشريعي يُعزز من ثقة المستثمرين ويوفر الحماية لمصالحهم. وبما أن كازاخستان دولة غير ساحلية، فإن قدرتها على الاتصال للتجارة والأعمال التجارية محدودة، ولذلك فهي تركز بشكل مكثف على مشاريع البنية التحتية مثل السكك الحديدية ومسارات العبور عبر بحر قزوين، ومن أبرزها "طريق النقل الدولي العابر لبحر قزوين" والمعروف باسم "الممر الأوسط".
اقرأ أيضًا: الهند وكازاخستان تتبادلان وجهات النظر حول الإرهاب عبر الحدود في جنوب آسيا
وفي عام 2024م، جذبت كازاخستان استثمارات مباشرة أجنبية بقيمة 15.7 مليار دولار لمشاريع جديدة، مسجلةً زيادة بنسبة 88% مقارنة بالعام السابق. وهذا يدل على مدى جدية البلاد في الاستجابة لمتطلبات المستثمرين وتعزيز ثقتهم. ووفقًا لإحصائيات عام 2023م، برزت كازاخستان كأكبر شريك تجاري للهند في آسيا الوسطى، حيث بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين مليار دولار، مع وجود فائض تجاري لصالح الهند.
وبالتأكيد، هناك مجال واسع الآن لتوسيع التعاون بشكل أكبر في مجالي التجارة والاستثمار بين البلدين.