دكا
أعلن الحزب القومي البنغلاديشي، يوم الثلاثاء، وفاة رئيسة الوزراء البنغلاديشية السابقة خالدة ضياء، عن عمر ناهز 80 عامًا، بعدما كان كثيرون يرجّحون فوزها الكاسح في الانتخابات المرتقبة العام المقبل وعودتها مجددًا إلى قيادة البلاد.
وعلى الرغم من معاناتها الطويلة من تدهور حالتها الصحية وفترات سجنها، كانت خالدة ضياء قد أعلنت في نوفمبر الماضي عزمها على خوض الانتخابات المقرّرة في فبراير 2026م، وهي أول انتخابات تُنظَّم منذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بمنافستها التاريخية الشيخة حسينة العام الماضي. وفي هذا السياق، يُنظر إلى الحزب القومي البنغلاديشي على أنه الأوفر حظًا لتحقيق الفوز. غير أنه في أواخر نوفمبر، نُقلت خالدة ضياء بشكل عاجل إلى المستشفى، حيث شهدت حالتها الصحية تدهورًا ملحوظًا نتيجة مضاعفات طبية متعددة، على الرغم من الجهود المكثفة التي بذلها الفريق الطبي المشرف على علاجها.
وأثنى أنصار خالدة ضياء على دورها في استعادة الديمقراطية في البلاد عقب الحكم العسكري أو شبه العسكري الذي ساد منذ عام 1975م. وقد هيمنت خالدة ضياء إلى حدٍّ كبير على المشهد السياسي في بنغلاديش خلال تسعينيات القرن الماضي، وفي أوائل العقد الأول من الألفية.
وُلدت خالدة ضياء في الخامس عشر من أغسطس 1946م لوالديها طيبة وإسكندر ماجومدار في مقاطعة ديناجبور، التي كانت آنذاك جزءًا من الهند غير المقسّمة. وبعد التقسيم، انتقل والدها من جالبايغوري، حيث كانت العائلة تمارس تجارة الشاي، إلى إقليم شرق باكستان.
وفي عام 1960م، اقترنت بضابط في الجيش، وهو ضياء الرحمن، الذي ارتقى لاحقًا إلى منصب رئاسة الجمهورية في بنغلاديش.
وأما نجلها ووريثها السياسي الأبرز، طارق رحمن، الذي يشغل حاليًا منصب القائم بأعمال رئيس الحزب، فقد عاد مؤخرًا إلى البلاد بعد سنوات قضاها في لندن في منفى اختياري منذ عام 2008م. وفي المقابل، فقدت نجلها الآخر، عرفات رحمن، الذي وافته المنية إثر أزمة قلبية عام 2015م.
وفي وصف رمزي لمكانتها في البلاد، أطلق الأمين العام للحزب القومي البنغلاديشي، ميرزا فخر الإسلام عالمغير، على خالدة ضياء لقب "أمّ الديمقراطية".
السرّ الكامن وراء بروز خالدة ضياء على الساحة السياسية
امتدّ مشوارها السياسي لأكثر من أربعة عقود، وكان حافلًا بالتحوّلات الحادّة بين القمّة والقاع؛ فقد تصدّرت قيادة أحد أكبر الأحزاب السياسية في البلاد وتولّت حكم بنغلاديش، قبل أن تواجه لاحقًا أحكامًا بالإدانة في قضايا فساد، لتنتهي تلك المرحلة بحصولها على عفوٍ رئاسي.
وقضت خالدة ضياء ما يقارب خمسة عشر عامًا من سنواتها الأخيرة كزعيمة محورية للمعارضة، تخوض صراعًا سياسيًا محتدمًا مع ما وصفه حزبها بالنظام "الاستبدادي" الذي قادته الشيخة حسينة، إلى جانب معركتها القضائية في مواجهة تهم الفساد الموجّهة إليها.
وفي الثامن من فبراير 2018م، أصدرت المحكمة حكمًا بسجنها خمس سنوات في قضية "وقف أيتام ضياء"، تلاه لاحقًا حكم آخر بالسجن لسبع سنوات في قضية "وقف ضياء الخيري".
وفي عام 2024م، بعد يوم واحد فقط من إقصاء الشيخة حسينة عن السلطة، صدر عفوٌ رئاسي بحق خالدة ضياء أفضى إلى الإفراج عنها.
وفي اليوم التالي لخروجها، عادت إلى المعترك السياسي عبر تجمع جماهيري ضخم، أعاد الروح إلى الحزب القومي البنغلاديشي وبثّ فيه زخمًا جديدًا، رغم ما كانت تعانيه من تدهور في حالتها الصحية.
ويُنظر على نطاق واسع إلى أن بروز خالدة ضياء على الساحة العامّة لم يكن حدثًا مخطَّطا، إذ إنّها بعد نحو عقد من ترمّلها وهي في الخامسة والثلاثين من عمرها، تولّت منصب رئاسة الوزراء، بدون تخطيط مسبق.
ولم تكن خالدة ضياء على دراية بعالم السياسة، إلا أنَها وجدت نفسها مندفعة إليه على نحو قَسري، عقب اغتيال زوجها الرئيس ضياء الرحمن، الرجل العسكري القوي الذي تحوّل إلى سياسي، وذلك خلال محاولة انقلاب عسكري فاشلة في 30 مايو 1981م. وقبل ذلك، لم يكن يُنظر إليها إلّا أنّها زوجة جنرال، ثم السيدة الأولى لاحقًا. غير أنها سرعان ما فرضت حضورها السياسي، لتغدو الزعيمةَ الأولى للحزب القومي البنغلاديشي، الحزب الذي أسّسه زوجها عام 1978م.
مسيرتها السياسية بين التحديات والطموحات
انضمّت خالدة ضياء إلى الحزب عضوًا أساسيًا في 3 يناير 1982م. وبحلول مارس من العام التالي، تولّت منصب نائبة رئيس الحزب، ثم أصبحت في مايو 1984م رئيسةَ الحزب القومي البنغلاديشي، وهو المنصب الذي ظلّت تشغله حتى وفاتها. وخلال هذه المرحلة كلّها، كانت الشيخة حسينة، زعيمة حزب "رابطة عوامي"، خصمها السياسي الأبرز.
وعقب الانقلاب العسكري الذي قاده عام 1982م، قائدُ الجيش آنذاك، الجنرال حسين محمد إرشاد، أطلقت خالدة ضياء حركةً سياسية واسعة للمطالبة باستعادة الديمقراطية في البلاد.
وفي عام 1986م، أعلن إرشاد عن إجراء انتخابات رئاسية، وذلك في ظل حملات انتخابية متزامنة خاضها تحالف الحزب القومي البنغلاديشي بقيادة خالدة ضياء، مقابل تحالف حزب "رابطة عوامي" الذي ضمّ 15 حزبًا بزعامة الشيخة حسينة.
وقرّر التحالفان في البداية مقاطعة الانتخابات، غير أنّ حزب رابطة عوامي، إلى جانب الحزب الشيوعي وأحزابٍ أخرى، عاد لاحقًا ليشارك في الاستحقاق الانتخابي. فتمسّك تحالف خالدة ضياء بموقف المقاطعة، فيما أقدم إرشاد على وضع الشيخة حسينة رهن الإقامة الجبرية قبيل انتخابات مارس، التي شاع الاعتقاد فيها بأنها كانت مزوّرة، ليؤمّن بذلك موقعه رئيسًا للبلاد مرشّحًا عن حزب جاتيا.
وكتب أستاذ العلوم السياسية هوهر رضفي، الذي أصبح لاحقًا مستشارًا للشؤون الدولية في حكومة الشيخة حسينة: "ارتفعت شعبية خالدة ضياء بشكل لافت بعد مقاطعتها لانتخابات عام 1986م.
وبعد سقوط نظام إرشاد في ديسمبر 1990م ، قامت حكومة مؤقتة برئاسة رئيس القضاة شهاب الدين أحمد بإجراء الانتخابات في فبراير 1990م. وأسفرت الانتخابات عن فوز الحزب القومي البنغلاديشي بالأغلبية، في نتيجة فاجأت كثيرين كانوا يتوقّعون فوز حزب "رابطة عوامي". وعقب ذلك، أقرّ البرلمان الجديد تعديلًا دستوريًا أنهى النظام الرئاسي وأعاد العمل بالنظام البرلماني، لتتولى خالدة ضياء منصب رئاسة الوزراء، فتغدو أول امرأة تتقلّد هذا المنصب في بنغلاديش، والثانية في العالم الإسلامي بعد رئيسة وزراء باكستان بينظير بوتو.
وعاد الحزب القومي البنغلاديشي إلى السلطة عام 1996م، غير أن حكومته لم تدم سوى 12 يومًا، في ظل حملات شعبية صاخبة قادها حزب "رابطة عوامي" في الشوارع. واضطرت حكومة خالدة ضياء إلى الاستقالة بعد إقرار نظام حكومة مؤقتة. وعلى الرغم من خسارة حزبها الانتخابات المعادة في يونيو 1996م، فقد فاز بـ 116 مقعدًا، ليغدو أكبر معارضة في تاريخ البلاد آنذاك.
وفي عام 1999م، شكّلت خالدة ضياء تحالفا متكوّنا من أربعة أحزاب، وقادت تحركات احتجاجية ضد حكومة حزب "رابطة عوامي" الذي كان يتولى الحكم، قبل أن تعود إلى رئاسة الوزراء مجددًا بعد فوزها في الانتخابات لعام 2001م. وفي عام 2006م، تنحّت عن المنصب، مسلّمة السلطة إلى إدارة انتقالية.
وفي سبتمبر 2007م، أُلقي القبض عليها على خلفية ما وصفها حزبها بأنه "اتهامات فساد لا أساس لها من الصحة".
وما يدلّ على شعبيتها الانتخابية أنها لم تخسر أي دائرة انتخابية خاضت في المنافسة فيها؛ حيث فازت في خمس دوائر برلمانية مختلفة خلال الانتخابات لأعوام 1991م و1996م و2001م، بينما حققت الفوز في الدوائر الثلاث التي ترشّحت عنها في الانتخابات لعام 2008م، بحسب ما أكده أحد قادة الحزب القومي البنغلاديشي.
العلاقات بين الهند وبنغلاديش في فترة حكمها
خلال ولايتها الأولى في رئاسة الوزراء بين عامي 1991م و1996م، اتسمت علاقات بنغلاديش مع الهند بمزيج من التوازن الحذر والتوتر، ولا سيما في ما يتصل بتقاسم مياه نهر الغانج وقضايا التمرّد العابر للحدود.
وفي إطار توجهاتها الخارجية، اعتمدت حكومتها سياسة "التوجّه شرقًا"، في دلالة على ميلٍ استراتيجي نحو الصين والدول الإسلامية، على حساب تعزيز العلاقات مع الهند. غير أنّ فترتها الثانية في الحكم مثّلت مرحلة فتورٍ شديد في العلاقات الثنائية، إذ بلغت الروابط بين البلدين أدنى مستوياتها، ما أدى إلى جمود في مشاريع الربط الإقليمي وتعطّل مساعي توسيع التبادل التجاري، فيما عبّرت نيودلهي آنذاك عن قلقها العميق إزاء نشاطات جماعات مسلّحة تنطلق من الأراضي البنغلاديشية، وما اعتبرته عمليات تسلّل عابرة للحدود.
اقرأ أيضًا: رئيس الوزراء مودي يعرب عن بالغ حزنه لوفاة خالدة ضياء
ومع ذلك، زارت خالدة ضياء الهند مرتين وهي تتولّى رئاسة الوزراء، في عامي 1992م و2006م، كما لبّت دعوة رسمية لزيارة نيودلهي عام 2012م بصفتها زعيمةً للمعارضة.
وقد أسفرت زيارتها الرسمية عام 2006م عن تفاهمات واتفاقيات في مجالي التجارة والأمن، في حين هدفت زيارتها عام 2012م إلى إعادة بناء جسور التواصل بين الحزب القومي البنغلاديشي والعاصمة الهندية. (وكالات)