نيودلهي/بكين
اختتمت الهند والصين عام 2025م على نحو إيجابي، في مسعى لإعادة بناء العلاقات بينهما بعد أكثر من أربع سنوات من التوترات الحادة على خلفية النزاع الحدودي في شرق لداخ.
وقد شرع البلدان في مسار طويل نحو تطبيع العلاقات عقب اتفاقهما في أكتوبر 2024م على إنهاء المواجهة الحدودية، بما وضع حدًا لسنوات من التوتر منذ اشتباك جالوان عام 2020م. ومع عودة الهدوء إلى الحدود، وهو شرط أساسي بالنسبة للهند لإقامة علاقات جيدة مع الصين، كثّف الجانبان عملية الحوار بينهما.
وبادر مستشار الأمن القومي أجيت دوفال ووزير الخارجية الصيني وانغ يي، بصفتهما الممثلين الخاصين للهند والصين في مسألة الحدود، باتخاذ خطوات تهدف إلى تحسين العلاقات تدريجيًا.
وأكد وزير الشؤون الخارجية إس. جايشانكار، خلال زيارته إلى الصين في يوليو، أن على الهند والصين البناء على "التقدم الجيد" الذي تحقق في تطبيع العلاقات الثنائية لمعالجة القضايا المرتبطة بالحدود، بما في ذلك خفض التصعيد.
وفي أغسطس، التقى رئيس الوزراء ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جين بينغ في تيانجين، في ظل تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية، وهي تهديدات رسمت مسارًا واضحًا للعلاقات بين العملاقين الآسيويين.
وجدّد مودي وشي التأكيد على أن البلدين شريكان في التنمية وليسَا خصمين، وأن خلافاتهما لا ينبغي أن تتحول إلى نزاعات.
وشدّدا على أهمية "علاقة مستقرة وتعاون" قائمين على "الاحترام المتبادل والمصلحة المتبادلة والحساسية المتبادلة"، باعتبار ذلك ضروريًا لنمو وتطور البلدين، وكذلك لدعم عالم متعدد الأقطاب وآسيا متعددة الأقطاب.
ومع مضاعفة ترامب ضغوطه على الصين والهند عبر زيادات في الرسوم الجمركية، أكد مودي أن "الهند والصين كلتيهما تنتهجان الاستقلالية الاستراتيجية، ولا ينبغي النظر إلى علاقاتهما من منظور دولة ثالثة".
ومن المتوقع أن يزور شي جين بينغ الهند في عام 2026م للمشاركة في قمة مجموعة "بريكس"، وهي زيارة يُرجّح أن تسهم في تسريع وتيرة تطبيع العلاقات بين البلدين.
وبدأت عملية تطبيع العلاقات باستئناف زيارات الحجاج الهنود إلى كايلاش ومانساروفار في التبت. وتبع ذلك تسهيل إجراءات التأشيرات من جانب البلدين، واستئناف الرحلات الجوية التي تربط بين مدن عدة بعد انقطاع دام أكثر من خمس سنوات.
غير أن المعوّقات ظلت قائمة. فقد شكّل الدعم العسكري النشط الذي قدّمته الصين لباكستان خلال "عملية سندور" في مايو تذكيرًا صارخًا بالأثر السلبي للعلاقات الوثيقة بين الصين وباكستان على علاقات بكين مع نيودلهي.
ومن جانبها، سعت الصين، التي تمثل صادراتها من الأسلحة أكثر من 81 في المئة من العتاد العسكري الباكستاني، إلى التقليل من شأن تصريح نائب رئيس أركان الجيش الهندي راهول آر. سينغ، الذي قال إن بكين استخدمت الصراع باعتباره "مختبرًا حيًا"، لكنها امتنعت عن الرد المباشر على اتهامه.
وقال الجنرال سينغ إن استراتيجية الصين خلال "عملية سندور" استندت إلى استراتيجيتها العسكرية القديمة المعروفة بـ"الاستراتيجيات الـ36"، وإلى مبدأ "قتل الخصم بسكين مستعار"، في إشارة إلى أن بكين قدّمت كل أشكال الدعم الممكنة لباكستان لإلحاق الضرر بالهند.
كما أثار الأسلوب الذي تعامل به مسؤولو الهجرة الصينيون مع المواطنة الهندية بريما ثونغدوك، من ولاية أروناتشال براديش، في مطار شنغهاي أثناء عبورها ترانزيتًا إلى اليابان، موجة غضب واستياء في الهند، لا سيما في وقت كانت فيه العلاقات بين البلدين تشهد تحسنًا.
وادّعت ثونغدوك أن سلطات الهجرة الصينية احتجزتها لمدة 18 ساعة في 21 نوفمبر خلال توقفها للترانزيت، بعدما رفضت الاعتراف بجواز سفرها الهندي بسبب كون مسقط رأسها ولاية أروناتشال براديش.
وعقب الحادثة، قدّمت نيودلهي احتجاجًا شديد اللهجة إلى الصين، مؤكدة أنها تتوقع من السلطات الصينية تقديم ضمانات بعدم "استهداف أو مضايقة" المواطنين الهنود بشكل انتقائي أثناء عبورهم عبر المطارات الصينية.
ومن جانبها، نفت الصين تعرض ثونغدوك لأي معاملة سيئة، مجددة في الوقت ذاته ادعاءها السيادي بشأن أروناتشال براديش، وهو ما رفضته نيودلهي رفضًا قاطعًا، مؤكدة أن الولاية تظل جزءًا لا يتجزأ من الهند.
وواجهت العلاقات الثنائية تحديًا كبيرًا آخر عندما أقدمت الصين على حظر تصدير معادن أرضية نادرة رئيسة إلى الهند، إضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وبعد عدة أشهر من تشديد القيود على تصدير المعادن الأرضية النادرة، التي تحتكر الصين إنتاجها، بدأت بكين في منح تراخيص تصدير انتقائية إلى الولايات المتحدة، وذلك في أعقاب اتفاق مع واشنطن لرفع القيود المفروضة على رقائق أشباه الموصلات.
وقد أثّرت القيود الصينية سلبًا على تصنيع السيارات في الهند وغيرها من القطاعات. ويقول مسؤولون إن الصين رفعت القيود جزئيًا عن الهند، لكنها لم تُلغها بالكامل حتى الآن.
وعلى الرغم من التوترات المتكررة في العلاقات الثنائية، تواصل الهند والصين الانخراط في الحوار والتبادلات بهدف معالجة الخلافات القائمة.
كما تدفع الصين بنشاط نحو إحياء آلية "روسيا–الهند–الصين"لمواجهة السياسات الأحادية التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي ترى بكين أنها تقوّض مسار العولمة.
وأظهر التبادل التجاري الثنائي، الذي ظل لسنوات يميل بشدة لصالح الصين، مؤشرات على تصحيح طفيف في المسار، مع تسجيل زيادة في الصادرات الهندية، في وقت أبدت فيه بكين ميلًا لفتح أسواقها أمام السلع الهندية، على خلفية رفع الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على الصادرات الهندية بنسبة 50 في المئة.
وقال السفير الصيني لدى الهند شو فييهونغ في أكتوبر إن الصادرات الهندية إلى الصين ارتفعت بنسبة 22 في المئة خلال النصف الأول من السنة المالية 2025–2026م مقارنة بالعام الماضي.
اقرأ أيضًا: العلاقات الهندية العربية في عام 2025: عام تعزيز التعاون الاستراتيجي
غير أن مسؤولين هنود يرون أن هذه الزيادة لا تزال هامشية للغاية، مؤكدين أن بكين بحاجة إلى فتح أسواقها بشكل أوسع. وخلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، بلغت الصادرات الصينية إلى الهند نحو 70 مليار دولار أميركي، مسجلة زيادة قدرها 18.5 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وفي المقابل، ارتفعت الصادرات الهندية إلى الصين بنسبة 22 في المئة خلال النصف الأول من السنة المالية الهندية لتصل إلى 8.41 مليار دولار أميركي على أساس سنوي. ولا تزال البيانات النهائية لنهاية العام قيد الانتظار لمعرفة الاتجاه العام للتجارة الثنائية.
ويؤكد مسؤولون من الجانبين أنه على الرغم من الخلافات والعقبات القائمة، فإن العلاقات تحافظ على مسار إيجابي، مع الأخذ في الاعتبار القيود التي تفرضها المنافسة الاستراتيجية بين البلدين.