ديبكيشور تشاكرابورتي / كولكاتا
حياة حليمة خاتون هي شهادة على القوة الهادئة ولكن الصامدة للنساء اللواتي يجرؤن على الوقوف في وجه التيار. وُلدت حليمة في شمال مامودبور، وهي قرية صغيرة في هينغال غانج بمنطقة سونداربانس بولاية غرب البنغال، ونشأت في ظلال الفقر. وكان والداها يعملان في صنع السجائر التقليدية "البيدي" لإعالة الأسرة، وقد خشنت أصابعهما من كثرة العمل المضني.
وفي مكانٍ كانت الفتيات نادرًا ما يُرسلن فيه إلى المدرسة، فضلًا عن الجامعة، كان إصرار والديها على تعليمها أمرًا استثنائيًا، ذلك القرار لم يغيّر حياتها فحسب، بل أشعل شرارة حركة واسعة.
وأصبحت حليمة أول امرأة من قريتها تنال القبول في جامعة كلكتا، غير أن رحلتها لم تكن سهلة على الإطلاق؛ إذ انتقدها القرويون بسبب قرارها الدراسة في كلكتا. وتستعيد ذكرياتها قائلة: "حين غادرتُ إلى الجامعة، كان الأمر أشبه بتمرّد".
وتابعت "لقد كان الانتقاد قاسيًا، لكنه كان محتومًا. وكنتُ أول فتاة تجرؤ على ذلك. ومع ذلك، لم تهتز عزيمتها، بل إن المقاومة عمّقت إصرارها أكثر. وحتى وهي طالبة، بدأت تلاحظ معاناة النساء من حولها؛ صمتهن، وعجزهن، وحرمانهن من الحقوق الأساسية. ووقفت بجانب نساء مجتمعات الصيد في سونداربانس، تصغي إليهن، وتنقل همومهن، وتساعدهن تدريجيًا على اكتشاف قوتهن للتعبير عن أنفسهن.
وفي عام 2009م، جاءت الفرصة حين انضمّت إلى منظمة "أكشن إيد– الهند". وأثناء عملها في المناطق شديدة التخلّف في شمال 24 بارغاناس، رأت النساء محاصرات بالفقر والخوف. وكانت الغالبية تفتقر إلى بطاقات الهوية الانتخابية وبطاقات التموين، ونادرًا ما كانت الفتيات يذهبن إلى المدرسة. وأما النساء فكان يُفرض عليهنّ الصمت بفعل ضغوط الرجال النافذين الذين يتمسكون بالتقاليد الأبوية.
وبدأت حليمة وزميلاتها بعقد اجتماعات وتنظيم دورات تدريبية، يربطن من خلالها النساء من قرية إلى أخرى حتى تشكّلت سلسلة من التضامن. وببطء ولكن بثبات، بدأ التغيير يترسخ.
وتحوّل هذا الجهد إلى كيان ملموس هو "منظمة حسنباد–هينغال غانج مسلم ماهيلا سانغ"، وهي منصة تجمع اليوم أكثر من ألفي امرأة عبر خمسة عشر مجلسًا قرويًا (بانشايات).
ومعًا، قدمن أكثر من مئتي طلب بموجب قانون الحق في الحصول على المعلومات، ما أسفر عن توفير منح دراسية لـ550 فتاة. كما نجحن في منع أكثر من مئة حالة زواج قاصر، وإنقاذ العديد من الفتيات الصغيرات من براثن الاتجار بالبشر.
ويعملن كذلك بلا كلل من أجل حقوق عاملات "البيدي"، اللواتي يشكّلن جزءًا كبيرًا من سكان المنطقة. وبفضل جهودهـن، بات لدى أكثر من سبع مئة عاملة "البيدي" وثائق الهوية المناسبة.
وتُعَدّ معركة حليمة ضد زواج القاصرات ربما أبرز أفعالها في التحدي والمقاومة. فكثيرًا ما يدفع الفقر العائلات إلى تزويج بناتهن على أمل أن ينلن حياة أفضل، ولكن الواقع غالبًا ما يكون أقسى بكثير.
ولقد دخلت حفلات زفاف برفقة الشرطة، وأوقفت الطقوس قبل أن تبدأ. وقد أكسبتها تدخلاتها الشجاعة لقب "دابانغ"، أي المرأة الجريئة التي تتصدى للظلم مهما كان متجذرًا.
ولكن وراء شجاعتها يكمن ثقل الإحباط. فهي أول امرأة من هينغال غانج تحصل على درجة الماجستير، ومع ذلك تعترف بشيء من التعب بأن الدلتا المعرضة للفيضانات لا تزال غارقة في الفقر والأمية. وتقول: "أحاول منذ سنوات طويلة، ونعمل معًا، ونندفع في العمل، ولكن المشاكل هائلة. وفي حدود إمكانياتنا المحدودة، نكافح بكل ما أوتينا من قوة، ولم أتعلم أبدًا التوقف، ولا قبول الهزيمة".
ولم تكن نشاطاتها تخلو من المخاطر. فقد وصفها المتشددون يومًا بأنها تأثير مفسد، واتهموها بتحريض النساء على المطالبة بحقوقهن.
وواجهت تهديدات بالعنف، بل وتحذيرات من اعتداءات جنسية، ولكنها بقيت ثابتة في موقفها. ومع مرور الوقت، بدأ حتى معارضوها يتغيرون، وتقول: "إنهم يرونني الآن في البرامج التلفزيونية، ويقرؤون عن عملنا في الصحف، ويسمعون قصص التغيير، ومع مرور الوقت بدأت آراؤهم تتغير".
واليوم، توازن حليمة بين دورها كأم وزوجة وبين هويتها كناشطة. وحلمها الآن أن تمتد مسيرة النضال إلى ما هو أبعد من منطقتها. فهي تسعى إلى تأسيس منصة أوسع تحمل اسم "بشيم بانغا مسلم ماهيلا سانغاتان"، لتوحيد النساء في جميع أرجاء ولاية غرب البنغال.
اقرأ أيضًا: حفيظ الرحمن… شيخٌ ثمانيني يزرع الأمل في قلوب الفتيات المهمّشات
وما كان يُعَدّ مستحيلًا في الماضي قد غدا اليوم حقيقة: نساء عشن طويلًا في صمت أصبحن يقفن الآن شامخات، ويرفعن أصواتهن، ويطالبن بالكرامة.
فإن رحلة حليمة هي قصة مقاومةٍ للصمت، وشجاعةٍ تأبى أن تنحني أمام الخوف، وتغييرٍ يبدأ بفعل تحدٍّ واحد. وإنها تُثبت أنّه حتى في أبعد أصقاع الهند، بإمكان عزيمة امرأة واحدة أن تغيّر مسار حياة الكثيرين.