حفيظ الرحمن… شيخٌ ثمانيني يزرع الأمل في قلوب الفتيات المهمّشات

03-09-2025  آخر تحديث   | 03-09-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
حفيظ الرحمن
حفيظ الرحمن

 


 قطب أحمد/ كولكاتا

كرّس حفيظ الرحمن حياته لتمكين الفتيات من الخلفيات المهمّشة من خلال منظمته الاجتماعية "لاكشمي غاتشا جناكلان سانغا".

ويُعرف في قريته الأصلية "لاكشمي غاتشا" التابعة لمركز شرطة شابرا في مقاطعة نادية، على بُعد نحو 140 كيلومترًا عن كولكاتا، بلقب "حفيظور صاحب"، وقد أصبح رمزًا للصمود والخدمة المجتمعية.

وفي عمر الثمانين، يعيش حفيظ الرحمن حياة بسيطة، مفضّلًا البقاء قريبًا من الناس الذين يخدمهم. ولقد أكسبه تواضعه وإصراره وروحه التي لا تلين إعجاب كل من حوله.

وحين التقيتُ به عند موقف حافلات "لاكشمي غاتشا" في ساعة مبكرة من الصباح، كان واقفًا ممسكًا بيد حفيده. وبابتسامة دافئة اصطحبني إلى منزله. وطول الطريق مررت بأكواخ صغيرة وبيوت مشيدة بشكل دائم متناثرة على طرقات القرية. ورغم أن المنطقة هي ذات أغلبية مسلمة، فإن بعض العائلات الهندوسية تعيش هنا بسلام، في صورة تعكس روح التعايش المجتمعي التي تميز ريف البنغال.

وبدأ حفيظ الرحمن، في منزله المتواضع، يروي مسيرة كفاحه. ولم يكن تأسيس منظمة "لاكشمي غاتشا جناكلان سانغا" أمرًا يسيرًا؛ إذ ذاق مرارة الجوع، ونام في محطة "سيالداه" مكتفيًا بقبضة من الأرز، وتعرّض لخيبات ورفضٍ متكرر. ومع ذلك، لم تفتر عزيمته عن تمكين الفتيات المسلمات المحرومات، ولا سيما الأرامل والمطلقات والمهجورات. حتى إنه في مرحلة ما، باع أرضه الزراعية ليشتري ماكينات خياطة، كي تتمكن الفتيات من تعلّم حرفة تفتح لهن باب الاستقلال والاعتماد على الذات.

وعلى مدى سنوات، سعى حفيظ الرحمن للقاء رجل الصناعة والفاعل الخيري البارز مصطفى حسين في مكتبه بشارع بارك. وبعد قرابة ثمانية أعوام من الإصرار والانتظار، تمكّن أخيرًا من لقائه. وقد تبرّع حسين بمبلغ 1.5 مليون روبية لبناء مركز تدريب تابع لـ"لاكشمي غاتشا جناكلان سانغا"، كما موّل شراء آلات خياطة ومبادرات أخرى، متعهدًا بتقديم مزيد من الدعم في المستقبل.

وفي عام 1995م، أسس حفيظ الرحمن، إلى جانب ستة من رفاقه المقربين بينهم سُهراب الدين بيسواس، منظمة "السانغا" بشكل رسمي. وكانت البداية من غرفة مستأجرة في "شابرا"، حيث قُدّمت دروس في الخياطة. ولغياب التمويل المنتظم، كان حفيظ الرحمن يبيع الأرز من حقوله الخاصة لتغطية النفقات، وأحيانًا يمنح المتدربات مصروفًا جيبيًا من ماله الخاص. ومع مرور الوقت، ساعدت مبيعات المنتجات اليدوية التي صنعتها الفتيات في دعم واستمرار هذا المشروع.

ومنذ عام1995 م، وحتى فترة الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19 في عام 2020م، تلقّت قرابة ألفي فتاة التدريب في هذا المركز، وأصبحت معظمهن اليوم معتمدات على أنفسهن، يساندن أسرهن ويؤسسن لحياة مستقل. كما وزّعت المنظمة ماكينات خياطة على 60 فتاة محرومة، مانحةً بذلك فرصًا لكل من المسلمات والهندوسيات على حد سواء.

وبفضل دعم حسين، تمكنت منظمة "السانغا" في نهاية المطاف من بناء مركزها التدريبي الخاص على قطعة أرض خلابة تحيط بها المساحات الخضراء والبرك، في مشهد يذكّر بأجواء "شانتي نيكيتان". وبعد توقف طويل خلال فترة الجائحة، استؤنفت الأنشطة في عام 2024م.

ويضم المركز اليوم 40 ماكينة خياطة، وقد بدأ بالفعل تدريب دفعة جديدة من الفتيات، وبعضهن طالبات يموّلن تعليمهن بأنفسهن، وأخريات يتحملن أعباء أسرية، لكن يجمعهن هدف واحد؛ أن يصبحن قادرات على الاعتماد على الذات.

ولتوجيه هؤلاء الفتيات في مسيرتهن، استعان حفيظ الرحمن بآشنتيا خان (المعروف بفيشوبابو)، وهو مدرّب متمرّس يمتلك خبرة تمتد إلى 30 عامًا ويحمل شهادة من مركز سانت ستيفن للتدريب المهني. وبفضل خبرته، لا تقتصر الفتيات على تعلّم فنون الخياطة فحسب، بل يكتسبن أيضًا الانضباط والاحترافية الضرورية للنجاح على المدى الطويل.

ويتجاوز عمل منظمة "السانغا" حدود التدريب المهني؛ إذ يُدعى الأطباء في الأحد الأخير من كل شهر لإجراء الفحوص الطبية وفحوص العيون، وتوزيع الأدوية مجانًا. كما يحلم حفيظ الرحمن بخلق بدائل معيشية للشباب في المنطقة، حتى لا يضطروا إلى الهجرة بحثًا عن فرص العمل.

وكانت عائلته قد أبدت قلقها يومًا ما من حجم تضحياته إذ باع أرضه، وتخلى عن وسائل الراحة الشخصية، وكرّس كل ما يملك لخدمة المجتمع، غير أن حفيظ الرحمن ظل صامدًا، يستمد قوته من سيرة النبي محمد ، خصوصًا في لحظات الجوع والضيق.

اقرأ أيضًا: حكايات الجدّات وأمثال الريف… عمران نهار تُعيد إحياء تراث البنغال المنسي

وعلى مدى السنوات، تواصل حفيظ الرحمن مع عدد من الشخصيات البارزة. ورغم أن مسألة التمويل ما تزال تمثل تحديًا، فإن حفيظ الرحمن يستمد الأمل من الداعمين السابقين مثل مصطفى حسين، وهو لا يتردد في طلب الدعم العام كلما دعت الحاجة إلى ذلك.

واستلهامًا من القرآن الكريم (سورة الكهف، الآية/ 106 وسورة لقمان، الآية/ 27)،  والسنة النبوية، يواصل حفيظ الرحمن مسيرته كرحّالة لا يعرف التعب في طريق النور. وإن حياته شهادة حية على ما يمكن أن تحققه العقيدة الراسخة والتضحية والخدمة، ليس للأفراد فحسب، بل للمجتمعات بأسرها.