زيب أختر/رانشي
حُلم مظفّر بسيط في مظهره، عميق في معناه - ألا ينام أحدٌ في منطقة سانثال بارغانا بولاية جهارخاند جائعًا. وفي هذه المنطقة النائية، لا يُعدّ الفقر مجرد حالةٍ اجتماعية، بل واقعًا معاشًا بكل قسوته.
وتحمل مقاطعات باكور، وغودا، وصاحب غانج، ودومكا، وجام تارا، وديوغار تاريخًا طويلاً ومؤلمًا من الحرمان، والذي يُعاد كتابته ببطء الآن. وإن الأرض نفسها تشهد على حقيقةٍ صارخة - فالجوع فيها حاضرٌ بقدر قسوة جفاف حقولها.
وتشير إحدى الدراسات إلى أن 82% من سكان سانثال يعيشون في فقرٍ مدقع، ومعظمهم لا يملكون أرضًا. وفي قلب هذا الواقع القاسي، يقف مظفّر حسين من باكور، رجلٌ جعل من محاربة الجوع مهمته في الحياة.
وبدأت معركة مظفّر حتى قبل صدور قانون الحق في الغذاء عام 2013م.
واليوم، رغم وجود هذا القانون على الورق، تبقى المهمة الحقيقية هي ضمان وصول الغذاء إلى المحتاجين فعلاً - وهي المهمة التي جعلها مظفّر غايةَ حياته ومهمته. وقد أثمرت جهوده ثمارًا ملموسة: إذ أصبح نحو 600 إلى 700 أسرة تمتلك الآن بطاقات تموينية وتتلقّى حصصًا غذائية منتظمة.
ولكن وراء هذا الإنجاز تكمن قصص لا تُحصى من المعاناة والصبر. في قريته نارايانبور، توفي شخص جوعًا؛ إذ مضت على أسرته يومان كاملان دون أن تجد الأرز لتأكله. وكانت تلك الحادثة نقطة التحوّل في حياة مظفّر، فقرّر أن يقف في وجه هذا العار الإنساني المسمّى "الجوع".
وبدأ مظفّر بخطوات متواضعة، إذ ضغط على المسؤولين لتوفير 10 كيلوغرامات من الأرز شهريًا للأسر المتضررة من الجوع. ورغم أن الحكومة رفضت الاعتراف رسميًا بحالات الوفاة بسبب الجوع، فإنها اضطُرّت في النهاية إلى منح الأولوية للأسر الأشد فقرًا.
وعندما دخل قانون الحق في الغذاء حيّز التنفيذ عام 2013م، شعر مظفّر وزملاؤه أنهم امتلكوا سلاحًا قانونيًا قويًا. فبدأوا يزورون البيوت بيتًا بيتًا لملء الاستمارات، ويتابعون المعاملات في مكاتب التموين، ويسعون لإصدار بطاقات الحصص الغذائية للفقراء. ومع مرور الوقت، بدأ الناس يدركون حقوقهم، وأصبح اليوم المحتاجون أنفسهم يلجؤون إلى مظفّر طلبًا للمساعدة.
ولكن المعركة لم تنتهِ عند هذا الحد. ويُقرّ مظفّر بأن الحصول على بطاقات التموين ما يزال أمرًا صعبًا حتى اليوم، فالنظام الإلكتروني كثيرًا ما يتعطّل، وتحدث أخطاء متكرّرة في البطاقات الخضراء.
ومع ذلك، هناك أمرٌ تغيّر فعلاً؛ تجار نظام التوزيع العام لم يعودوا يعملون بلا رقابة كما في السابق. فمظفّر وفريقه يتحرّكون بسرعة عند تلقّي أي شكوى، وبفضل جهودهم أصبح لدى الحكومة مخزونٌ طارئ من 100 قنطار من الأرز في كل مجلس قروي (بانشايات) لضمان عدم وقوع أي أسرة فريسة للجوع مجددًا.
وبعد معركته ضد الجوع، فتح مظفّر جبهةً جديدة - الهجرة. فبعد عامين من البحث الميداني، توصّل إلى أن أعدادًا كبيرة من العمّال يغادرون المنطقة بسبب انعدام فرص العمل المحلية.
ومن المفارقات أن المشاريع الحكومية نفسها كانت توظّف عمّالًا من ولاية غرب البنغال المجاورة. فبدأ مظفّر بالضغط على المقاولين لتوظيف السكّان المحليين أولًا. وقد ظهرت النتائج سريعًا، إذ تراجعت معدلات الهجرة، وبدأ العمّال المحليون يحصلون على أجورٍ أفضل مقارنة بالعمّال القادمين من خارج المنطقة. ولكن المقاومة كانت شرسة. فقد ردّ المقاولون على ضغوطه برفع دعاوى كاذبة ضده، في محاولةٍ لإسكاته.
ويقول مظفّر: "لا يمكن القضاء على الفساد بين عشيةٍ وضحاها، بل يجب تفكيكه تدريجيًا، وإلا ستحطم المعركة نفسها".
واليوم، يعمل مظفّر كمُراجع اجتماعي ضمن برنامج "مانريغا" برنامج ضمان فرص العمل الريفية في الهند. وفي كل مرة تظهر فيها مخالفات أو تجاوزات في مناطق باكور أو غوددا أو صاحب غنج، يبادر مظفّر إلى كشفها وضمان حصول العمّال على حقوقهم، وبذلك يحمي المال العام من الهدر ويصون كرامة الكادحين.
ويستخدم مظفر حسين قانون الحق في الحصول على المعلومات بنشاط، ويعمل على قضايا الصحة وحقوق الإنسان. وهو المنسق الإقليمي ونائب الأمين العام لمنتدى ميلي المتحد. ويُعرف مظفر حسين ليس فقط كناشط اجتماعي، بل كمناضل في مكافحة الجوع. وفي أزقة باكور، غالبًا ما يقول الناس: "لولا مظفر، لنام أطفالنا جائعين".
اقرأ أيضًا: محمد منهاج... أربعة عقود في خدمة التعليم والفقراء في رانشي
وتعلّم مظفّر اللغة العربية وحصل على درجة الماجستير من جامعة مفتاح العلوم في منطقة مَو بولاية أوترا براديش، لكنه اختار أن يجعل من علمه وسيلةً لخدمة الناس لا مجرد وسيلةٍ لبناء مسارٍ وظيفيّ.
ومع ذلك، فإن معركته لم تنتهِ بعد. فهو يحلم بـ سانثالٍ لا يجوع فيها أحد، حيث يجد كل بيتٍ طعامًا وعملاً، ولا يُضطرّ أي عاملٍ إلى الهجرة، ولا ينام أي طفلٍ على معدةٍ خاوية. ويُدرك مظفّر أن الطريق ما يزال طويلًا، لكنه يؤمن بأنه ما دامت روح النضال حيّة، يمكن هزيمة الجوع يومًا ما.