الدكتور ممتاز نير: رحلة ممتعة من بيهار إلى أبحاث عالمية في مختبر بريطاني

27-07-2025  آخر تحديث   | 27-07-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
الدكتور ممتاز نير
الدكتور ممتاز نير

 


أبهيشك كومار سينغ

لا شيء يمكن أن يمنعك من تحقيقأحلامك—هذه هي جوهر الرحلة الاستثنائية للدكتور ممتاز نير، وهي قصة مثابرة وتضحية وإنجاز علمي بدأت في من ريف ولاية بيهار.

ينحدر الدكتور ممتاز نير من قرية صغيرة في منطقة كِشَنْغَنْجْ النائية بولاية بيهار. وخلال سنواته الأولى، كانت عائلته تكافح حتى لتوفير الضروريات الأساسية. وعلى الرغم من المصاعب الجسيمة، اختارت عائلته أن تستثمر في تعليمه— وهو قرار سيُسهم يومًا ما إسهامًا كبيرًا في الحرب العالمية ضد بعض أخطر الفيروسات في العالم.

وبفضل عزيمته الراسخة وتضحيات أسرته، حقّق الدكتور نير مؤخرًا اكتشافًا رائدًا في أبحاث اللقاحات التي تستهدف عدوى الفيروسات المصفرة، مثل زيكا وحمى الضنك والتهاب الكبد الوبائيC  وإيبولا.

وقد مُنح زمالة بحثية مرموقة لما بعد الدكتوراه في جامعة ساوثهامبتون بالمملكة المتحدة، حيث يعد عمله المتطور واعدًا بتحقيق تقدم كبير في مجال الصحة العامة.

وبدأت حياة الدكتور نير وسط ظروف صعبة. فعندما كان في الثامنة من عمره فقط، توفي والده، مما ترك العائلة في ضائقة مالية شديدة. واضطرت والدته إلى تربية الأطفال بموارد محدودة، حيث تخلى شقيقه الأكبر، زين العابدين، عن تعليمه وامتهن العمل اليدوي لإعالة الأسرة وتمويل تعليم إخوته الصغار.

وشكلت هذه التجارب التكوينية رؤية الدكتور نير للعالم. فقد شاهد أطفال قريته وهم يعانون ويموتون بسبب غياب الرعاية الصحية—وهي حقيقة مأساوية ألهمته بحلم أن يصبح طبيبًا.

ورغم محاولاته المتكررة لاجتياز اختبارات القبول في كليات الطب، لم يُكتب له النجاح.وحتى عندما تأهل لدورات مهنية مثل بكالوريوس جراحة الأسنان وبكالوريوس الصيدلة، حالت الرسوم الباهظة دون التحاقه بها.

ولكنه لم يستسلم. فاختار مسارًا أكثر عملية وأقل تكلفة، فالتحق ببرنامج البكالوريوس في التكنولوجيا الحيوية في الجامعة الملية الإسلامیة في دلهي، وكان ذلك نقطة تحوّل في مسيرته.وسرعان ما حصل على منحة دراسية لمدة عامين بناءً على التفوق من وزارة شؤون الأقليات والمجلس المركزي للأوقاف، مما شكّل دفعة ضرورية في رحلته الأكاديمية.

والتحق لاحقًا بجامعة همدرد في دلهي، حيث نال بفضل تفوقه الأكاديمي منحة "تسمية" للتفوق الدراسي. وبفضل اجتهاده وانتهازه للفرص في الوقت المناسب، تم اختياره لاحقًا لبرنامج الدكتوراه في المركز الوطني لعلوم الخلايا(NCCS) في مدينة بونه، وهو من أبرز مؤسسات البحث العلمي في الهند، ويتبع لقسم التكنولوجيا الحيوية.

وفي المركز الوطني لعلوم الخلايا، أجرى الدكتور نير أبحاثه تحت إشراف الدكتور بهاسكار ساها، الحاصل على جائزة شانتي سواروب بهاتناغار المرموقة. وتركزت أبحاثه على الاستجابات المناعية التي تقوم بها الخلايا القاتلة الطبيعية ضد عدوى الفيروسات المصفرة—وهو مجال بالغ الأهمية في عِلم الفيروسات والمناعة.

ويعمل الدكتور نير اليوم في أحد أبرز مختبرات أبحاث اللقاحات في المملكة المتحدة، حيث حظي اكتشافه الأخير باهتمام كبير في الأوساط العلمية العالمية. وقد تركز عمله على المناعة الخلوية وتطوير اللقاحات ضد عدوىالفيروسات المصفرة، ما قد يفضي إلى تدخلات منقذة للحياة على مستوى العالم.

ويعتقد الدكتور نير بأن مستقبل أبحاث اللقاحات يكمن في تعديل استجابة الجسم المناعية—وخاصة على المستوى الخلوي. ويبعث التقدّم الذي أحرزه فريقه البحثي برسالة أمل بأن الابتكار العلمي قادر على تحقيق راحة دائمة لملايين الأشخاص المتأثرين بالأمراض الفيروسية.

إلى جانب عمله في المختبر، يُعرف الدكتور نير بشخصيته الواعية واهتمامه بالشأن الاجتماعي. ففي مقابلة إعلامية حديثة، قدّم وجهة نظر نقدية حول نظام التعليم في الهند، مشيرًا إلى الفجوة الصارخة بين المناطق الريفية والحضرية. وقال: "هناك فجوة هائلة بين التعليم في الريف والمدينة في الهند. وبسبب هذه الفجوة، لا يستطيع العديد من الموهوبين في القرى أن يسهموا في تنمية البلاد."

كما يتحدث بصراحة عن التحديات الاجتماعية والسياسية والتعليمية التي يواجهها المجتمع المسلم، مؤكدًا أن التعليم يجب أن يكون على رأس الأولويات. ويقول: "كثير من الآباء الفقراء يدفعون أبناءهم إلى العمل من أجل مكاسب مؤقتة. لو أن والداي فعلا الأمر نفسه، لكنت أعمل اليوم في مرآب تصليح السيارات".

ويرى الدكتور نير أن تنوع الهند مصدر قوة لا سببًا للانقسام. وقال: "بقدر ما نحن متنوعون دينيًا وثقافيًا، يمكننا أن نكون منتجين ومبدعين بنفس القدر. وينبغي أن نحتضن هذا التنوع كأساس للوحدة والابتكار."

ويدعو الشباب إلى رفض عقلية القطيع والتحريض الطائفي، مؤكدًا: "علينا أن نتبنى التفكير العلمي والعقلانية— حينها فقط يمكن تحقيق التقدم الحقيقي".

ويتطلع الدكتور نير إلى العودة إلى الهند والمساهمة في أبحاث اللقاحات والتثقيف الصحي داخل المجتمعات الريفية. وهو يتخيل هندًا لا تقتصر على استهلاك التقنيات المستوردة، بل تصبح رائدة عالمية في الابتكار. ومن أجل تحقيق ذلك، يؤمن بأن على العلماء تطوير حلول تنبع من الواقع المحلي وتستجيب لاحتياجاته الحقيقية.

اقرأ أيضًا: طيبة أفروز تحطّم الحواجز وتصبح أول طيارة مسلمة من ولاية بيهار

وتشكل مسيرة الدكتور ممتاز نير مثالًا يحتذى به لكثير من الشباب—إذ تُثبت أن بالإصرار والصمود، لا شيء مستحيل مهما كانت التحديات. وتُجسّد قصته أن الفقر والعوائق الاجتماعية والتفاوتات المنهجية لا تقوى على الوقوف في وجه الحلم والإرادة والشجاعة للعمل.

فقصته ليست مجرد حكاية انتصار علمي، بل شهادة على القوة الداخلية، والرحمة، والالتزام العميق بالتغيير المجتمعي. فمن قرية غير معروفة في ولاية بيهار إلى الصفوف الأمامية في أبحاث اللقاحات العالمية، يُمثل الدكتور نير شعلة أمل لأولئك الذين يطمحون إلى تحقيق أحلام كبيرة.

قصص مقترحة