نوشاد أختر/ باتنا
إنها طيّارة، وتعرض سيرتَها الذاتية على وسائل التواصل الاجتماعي بفخر عبارات مثل: "الطيار في وضع التشغيل"، و"وُلدت لأطير"، و"احلم، حقق، وطر".
ولكن وراء هذه الكلمات الملهمة تكمن حكاية مؤثرة — حكاية تشمل بيع أرض الأجداد، وتحمل الانتقادات الاجتماعية، وتجاوز العقبات الجسدية والعاطفية.
طيبة أفروز، ابنة ولاية بيهار، ليست مجرد قصة امرأة أصبحت طيّارة، بل هي رمز حي للنضال والمثابرة والطموح.
تنحدر طيبة أفروز من قرية جلالْبُور الصغيرة في مقاطعة ساران بولاية بيهار، وقد نقشت اسمها في سجل التاريخ كأول امرأة مسلمة من الولاية تصبح طيّارة تجارية.
ولم تكن رحلتها سهلة على الإطلاق. وكان والدها، مطيع الحق، يدير دكانا صغيرًا للبقالة، بينما كانت والدتها، شمس النساء، تتولى شؤون المنزل.
ومع ذلك، سرعان ما أصبح حلم ابنتهما مهمة جماعية للأسرة بأكملها. فمنذ صغرها، عبّرت طيبة عن رغبتها في قيادة الطائرات — وهو طموح نادرًا ما يُؤخذ على محمل الجد في المناطق الريفية الهندية، وخصوصًا للفتيات.
وبعد أن أكملت الصف الثاني عشر، أعلنت عن حلمها: أرادت أن تصبح طيّارة. ففوجئت العائلة، ولكن والدها اختار أن يثق بها ويؤمن بحلمها.وأداؤها الأكاديمي الممتاز وعزيمتها الصلبة جعلا والدها يطمئن إلى قدرتها.
ولكن التحدي الحقيقي كان ماليًا. فدورة التدريب على الطيران باهظة التكلفة إلى حد يتجاوز إمكانيات الأسرة بكثير.
لذا، اتخذ والداها قرارًا جريئًا ومؤلمًا: باعا أرض الأجداد لتمويل قبولها في معهد حكومي لتدريب الطيران في بوبانسوار.
ولكن الطريق لم يكن ممهَّدًا على الإطلاق. فبعد فترة وجيزة من بدء التدريب، تبيّن أن طيبة تعاني من حصى في المرارة، وتم إعلان عدم لياقتها الطبية للطيران.فكان ذلك صدمة قاسية؛ فالحلم الذي دفعوا ثمنه بأرضهم بدا وكأنه يتلاشى.
ومع ذلك، لم تستسلم طيبة. خضعت لعملية جراحية، وتعافت، ثم عادت من جديد إلى برنامج التدريب.
وبعد أن سجّلت نحو 80 ساعة طيران، ضربتها مأساة جديدة. فقد توفي أحد زملائها المتدربين في حادث، ما أدى إلى صدمة عميقة في المعهد.
وانهارت طيبة نفسيًا وتوقفت عن التدريب مؤقتًا، وبدا الحلم مرة أخرى وكأنه مهدد بالضياع.
ولكن أسرتها وقفت إلى جانبها بكل قوة. وبدعمهم، وبقرض من بنك الهند، إضافة إلى مساعدة مدير عام شرطة متقاعد، استأنفت طيبة تدريبها — وهذه المرة في نادي الطيران بمدينة إندور.
وهناك، أكملت الساعات الـ120 المتبقية من الطيران، وحصلت على رخصة المديرية العامة للطيران المدني، وهي الشهادة الإلزامية لقيادة الطائرات التجارية في الهند.
وامتد تدريبها لما يقارب ثلاث سنوات، تخللته اختبارات كتابية صارمة، وطيران فعلي في ظروف صعبة — مثل الطقس السيئ، والمشكلات التقنية، والمتطلبات النفسية القاسية التي تفرضها مهنة الطيران.
وتقول طيبة: "التحليق بمفردي لمدة 100 ساعة كان أمرًا مخيفًا، لكن الخوف لم يتسلل يومًا إلى ذهني".
وعندما حلّقت أخيرًا كطيارة مرخصة، أصبحت قصتها حديث الساعة في البلاد. وبينما احتفى بها الكثيرون، انتقدها آخرون.
فقد هاجمها بعض المتشددين دينيًا بسبب عدم ارتدائها النقاب، وزعموا أن ارتداء امرأة مسلمة لزي الطيار "حرام".
ولكن رد طيبة الهادئ أسكت كثيرين، إذ قالت: "لا يوجد زيّ إلزامي في قمرة القيادة. والطائرة لا تهتم بما ترتديه، ولا من أين أتيت".
واليوم، لم تعد طيبة أفروز مجرد طيّارة، بل أصبحت قدوة. وإنها دليل حيّ على أن الأحلام لا تحدّها الموارد ولا الجنس ولا الخلفية الاجتماعية.
من قرية صغيرة في بيهار، أصبحت اليوم مصدرَ إلهام، وخصوصًا للفتيات المسلمات الصغيرات، ليسعين وراء طموحاتهن بلا خوف.
اقرأ أيضًا: رحلة راني خانم الملهمة في عالم الكاثاك
ودور والدها في رحلتها لا يُقدَّر بثمن. وقد قالها بأبلغ عبارة:"إن كنتُ قد بعتُ الأرض، فإن ابنتي قد اشترت السماء."
تلك الجملة وحدها تختزل جوهر حكايتهما.
إنه قدوة لكل والد متردد في دعم أحلام ابنته، وطيبة أفروز شعلة أمل لكل فتاة تجرؤ على كسر القوالب النمطية.
وتُثبت قصتها حقيقة واحدة: السماء ليست الحدود، بل هي مجرد البداية.