الدكتور شاهنواز قريشي.. من زقاقٍ فقير في رانشي إلى منارةٍ للتعليم والإلهام

01-11-2025  آخر تحديث   | 31-10-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
الدكتور شاهنواز قريشي
الدكتور شاهنواز قريشي

 


زيب أختر/ رانشي

أصبحت مبادرة الدكتور شاهنواز قريشي، أكاديمية قريش، شاهدة حيّة على رؤيته — إذ خرّجت أطباءً ومهندسين ومعلمين ومطوري برمجيات والعديد من العقول اللامعة الأخرى.

وعلى بُعد نحو كيلومترٍ ونصف فقط من ميدان ألبرت إكّا الشهير في رانشي تقع منطقة غدري قريشي محلة — التي أعلنتها البلدية رسميًا منطقةً فقيرة— وهنا وُلد الدكتور شاهنواز قريشي. وكان معظم سكان الحيّ يعيشون على العمل اليومي والأعمال الصغيرة. وكانت التعليم أشبه بمصباحٍ يخفت ضوؤه — يلمع للحظةٍ ثم يختفي في ظلال الفقر. ولسنواتٍ طويلة ظلّت المنطقة متأخرة اجتماعيًا واقتصاديًا وتعليميًا. وحوّل الدكتور شاهنواز قريشي ذلك الضوء الخافت إلى شعلةٍ متقدة من التعليم.

وكان حلم الدكتور شاهنواز بسيطًا في ظاهره، لكنه عميق في معناه: التعليم لكل طفل. وبعزيمته الصلبة، جعل من هذا الحلم حقيقةً ملموسة. وسواء من خلال الصحافة أو الخدمة الاجتماعية، لم يُغيّر الدكتور قريشي صورة منطقته فحسب، بل غيّر أيضًا عقلية أهلها.

وفي عام 1993م، أثناء عمله في البرنامج الوطني لمحو الأمية، أسّس الدكتور قريشي مدرسة ليلية في حيّه نفسه. وبعد يومٍ طويلٍ من العمل الشاق، كان الرجال والنساء المسنّون يجتمعون بعد صلاة العشاء، بدفاترهم وأقلامهم في أيديهم. ولقد أصبحت صورة الأصابع المتجعدة وهي ترسم الحروف تحت ضوء مصباح الكيروسين الخافت رمزًا للأمل والاستيقاظ. وكانت الدروس مجانية تمامًا، فيما كان الوقود للمصابيح يوفّره أهل الحي.

وتحت راية منتدى تطوير الأحياء الفقيرة (Basti Vikas Manch)، امتدّت هذه الحركة سريعًا إلى مناطق أخرى محرومة في رانشي، مُشعلةً موجة من الوعي والتعليم ومحو الأمية. وفي عام 1982م، وعلى قطعة أرضٍ صغيرة بجوار المسجد المحلي، تأسست أكاديمية قريش، وبدأت بفصلين دراسيين فقط. وقد أدى الناشط الاجتماعي حسين قاسم كاتشي دورًا محوريًا في تأسيسها.

وبعد عقدين من الزمن، حين بدأت المدرسة تتراجع، تولّى الدكتور شاهنواز قريشي منصب الأمين العام، وأعاد إليها الحياة، محوّلًا إياها من مدرسة متوسطة إلى مدرسة ثانوية. وكان الدكتور شاهنواز يزور شخصيًا منازل الفتيات المنقطعات عن الدراسة، ليُقنع آباءهنّ بأن التعليم هو الضمان الحقيقي لمستقبلهنّ. وبالتدريج، عادت الفتيات إلى الصفوف الدراسية، واستعادت المدرسة حيويتها وتألقها المفقودين.

وكل يوم سبت، بدأ الدكتور شاهنواز قريشي بتنظيم جلسات تحفيزية للطلاب — بمشاركة شخصيات بارزة مثل لاعب الكريكيت صبا كريم، والكوميدي إحسان قريشي، والصحفي فيجاي باثاك، والمربي الدكتور جاويد أحمد.

وقد كانت النتائج ملموسة، إذ بدأت المدرسة تحقق نسبة نجاح 100% في امتحانات الثانوية بشكلٍ متواصل. وبفضل دعم عضو البرلمان سوبوده كانت سهاي، تم بناء قاعةٍ للمحاضرات، وساعد الدكتور جاويد قدوس في إنشاء مختبرٍ علمي...

ومع مرور الوقت، حصلت أكاديمية قريش على جوائز وتكريمات من بينها جائزة جهارخاند راتنا. واليوم، يدرس فيها أكثر من ألف طالبٍ وطالبة، ومعظمهم من الفتيات.

ومن المفارقات أن الدكتور شاهنواز قريشي نفسه اضطر في يومٍ من الأيام إلى ترك المدرسة، إذ شُطب اسمه من سجلات مدرسة سانت بول لأن أسرته لم تتمكن من دفع رسومٍ قدرها 27 روبية فقط. وبعد عام، وبمساعدة والدته آمنة خاتون، استأنف دراسته في أكاديمية قريش. وبحلول الصف الرابع، كلّفه المجلس المحلي (البانشايات) بتعليم الأطفال الأصغر سنًا، مقابل راتب شهري قدره 35 روبية.  وما بدأ كتصرفٍ بسيط من روح المسؤولية، تحوّل لاحقًا إلى الأساس الذي بُنيت عليه مهمته التعليمية مدى الحياة — رسالة الإيمان بأن العلم يمكن أن يغيّر المصير مهما كانت البداية متواضعة.

وإدراكًا لقيادته وقدراته، عيّنه الأمينان العامّان لجمعية (YMCA)، ووهان تشو ديفيد وشيف براساد رافي، مسؤولًا عن مركز إسلام ناغار. وبعد ذلك شغل منصب رئيس الجمعية لمدة خمس سنوات. ومن خلال الندوات والمناظرات والمعسكرات الشبابية والمؤتمرات، برز كصوتٍ قيادي في مجال التعليم والتوعية الاجتماعية. كما ساهم، عبر جمعية شباب جهارخاند، في تأمين منحٍ دراسية لأكثر من 120 طالبة.

وقد قادته الظروف المادية الصعبة وشغفه بالكتابة إلى عالم الصحافة عام 1997م. فبينما كان لا يزال في مرحلة الدراسة الثانوية، بدأ بالكتابة في صحيفة فانانشال برهري (Vananchal Prahari)، ثم انضم لاحقًا إلى صحيفة برابهات خبر (Prabhat Khabar)، حيث عمل لمدة نحو 12 عامًا محررًا مساعدًا أول. ولاقت مقالاته حول الموضوعات الإسلامية خلال شهر رمضان استحسانًا واسعًا. وخلال جائحة كوفيد-19، كتب تقارير مؤثرة مثل: "النجوم لا تزال تلمع في ظلام هندبيري" و"كيف سيحتفل الفقراء بالعيد؟". وقد سلطت هذه التقارير الضوء على الواقع القاسي لحياة الفقراء والمهمشين، ونال بفضلها تقديرًا واسعًا لأسلوبه الإنساني في الصحافة.

وفي عام 2010م، ترك الدكتور شاهنواز قريشي العمل الصحفي وانضم إلى وزارة التربية والتعليم، حيث ركّز على تطوير الكتب الدراسية لمدارس الحكومة في ولاية جهارخاند. وبصفته رئيس فريق في معهد تدريب البحوث التربوية بجهارخاند، ألّف تسعة كتب في مادة الدراسات الاجتماعية للصفوف من السادس إلى الثامن، ولا تزال تُدرَّس حتى اليوم في مدارس الولاية. كما ساهم في مشاريع بتمويل من البنك الدولي مثل تيجاسويني (Tejaswini)، وسامبورنا (Sampoorna). ويُدرج اسمه ضمن هيئة التحرير في مجلة "هرش جوهر سَـمْواد" المتخصصة في قضايا التعليم.

اقرأ أيضًا: من المصرف إلى المجتمع: مسيرة أبرار أحمد في خدمة الإنسان

وبعد حصوله على درجة الدكتوراه في تاريخ الرياضة في جهارخاند، نشر كتابًا بعنوان "هوكي السيدات في جهارخاند" (Women’s Hockey in Jharkhand)، الذي دُشّن رسميًا على يد رئيس الاتحاد الدولي للهوكي طيب إكرام، بينما كتب نائب رئيس مجلس الشيوخ الهندي هاريفانش التقديمَ، وكتب بادما شري بالبير دت المقدمة. ويستعد الدكتور قريشي حاليًا لإصدار كتابه الجديد المنتظر بعنوان "التصوف ووحدة الهندوس والمسلمين في الهند"، الذي يُتوقع أن يكون إضافة فكرية وثقافية مهمّة في سياق الحوار بين الأديان.

وتقديرًا لإسهاماته في مجال التعليم والخدمة الاجتماعية، حصل الدكتور شاهنواز قريشي على تكريماتٍ وجوائز متعددة.

قصص مقترحة