فردوس خان/ميوات
في المشهدين الأدبي والاجتماعي بولاية هاريانا، يسطع اسم الدكتور صِدّيق أحمد ميو بهالة من التفاني والنضال والخدمة العامة. فهو ليس مجرد كاتب؛ بل مؤسسة قائمة بذاتها، فكرة ووعي ومصدر إلهام للأجيال الشابة.
وإن رحلته التي خاضها، من المعاناة إلى الاعتراف والتقدير، رحلة استثنائية. فصعوبات الطفولة، والفقر، والضائقة المالية لم تُضعف عزيمته يومًا. ظل يتعلم، ويتطور، ويتقدم بثبات.
وُلد صِدّيق أحمد ميو عام 1961م في قرية بنارسي الصغيرة في منطقة نوح، وجاء من خلفية بسيطة. وكان والده، عبد العزيز، مزارعًا متواضعًا، وكانت والدته، سبحاني، ربة منزل. ويقول دائمًا إن قيم والديه شكّلت كل جانب من شخصيته. ورغم أن طفولته كانت مليئة بالحرمان، فإن حبّ والده للتعليم كان يدفعه باستمرار إلى الاستمرار والتقدم.
وأكمل دراسته الابتدائية في قريته، وكان يتفوّق دائمًا في دراسته، حتى إنه حصل على منح دراسية في الصفين الخامس والثامن. ثم التحق بمدرسة بازيدبور الثانوية ومدرسة ياسين خان الثانوية التاريخية في نوح.
وقادته دراساته العليا إلى كلية ياسين ميو الجامعية في نوح، ثم إلى الجامعة الملية الإسلامية بنيودلهي، حيث أكمل دبلومًا في الهندسة المدنية عام 1982م.
وفي عام 1986م، التحق بالخدمة الحكومية كمهندسٍ مبتدئ، وتمكّن أثناء العمل من الحصول على درجة البكالوريوس في الهندسة عام 2010م. وقد تقاعد في عام 2019م بوظيفة مساعد مهندس فرعي.
ويستعيد ذكرياته قائلاً: "كانت الوظيفة ضرورة بالنسبة إلي، لكن الكتابة كانت شغفي". فقد كان مولعًا بالقراءة منذ طفولته، خصوصًا في مجال التاريخ. وبعد التحاقه بالخدمة الحكومية، كانت الصور النمطية والمفاهيم الخاطئة حول منطقة ميوات ومجتمع الميو تؤرقه بشدة، مثل الادعاء بأن الميو ضعفاء، أو أن أورنغ زيب أجبرهم على اعتناق الإسلام. وكان يعلم مسبقًا أن حسن خان ميواتي قاتل بشجاعة ضد بابر في معركة خانْوَه. وقد أدرك أن تاريخ ميوات يحتاج إلى بحث جاد وعرض منطقي أمام العالم.
وبدأ دراسة معمّقة للتاريخ حوالي عام 1988–1989م، متوغّلًا في التاريخ الهندي القديم والوسيط، وتاريخ راجبوتانا، وتاريخ الجات، وتاريخ ميواّت. وخلال هذه الفترة، قرأ مئات الكتب. ويقول: "أول مقال بحثي لي نُشر في مجلة "هاريانا سمفاد" عام 1991م. وبعد ذلك واصلت الكتابة، وفي عام 1997م صدر كتابي الأول "ميوات: إك خوج". ثم توالت بعده سلسلة من المؤلفات.
وأثمر حبّه للشعر عن ثلاث مجموعات شعرية منشورة، بينما تنتظر مجموعتان أخريان الطباعة. كما أُدرجت نحو 20 قصيدة من قصائده في مختارات شعرية عديدة.
ويشكّل هذا الإنتاج الفكري الضخم أكثر من مجرد توثيقٍ لتاريخ ميوات وثقافتها؛ فهو مصدر هوية للأجيال القادمة. وقد نالت كتاباته تقديرًا واسعًا في الهند، وحصدت العديد من الجوائز الوطنية وعلى مستوى الولاية، من بينها: جائزة جراغِ ميوات، وجائزة الكتاب الأول من أكاديمية هاريانا للأدب، وجائزة ساراسواتي من أكاديمية راجستان للأدب، وجائزة ميوات رتنا، وجائزة الفخر العالمي، كما منحته جامعة السلام الإنسانية العالمية درجة الدكتوراه الفخرية.
ولا يقتصر تأثير الدكتور صِدّيق أحمد ميو على الكتابة وحدها؛ فهو ناشط اجتماعي مخلص. فخلال خدمته الحكومية، أطلق حملات لمحو الأمية في ميوات عامي 1991 و1996م، وكان من أوائل من بادروا إلى تسجيل فتيات ميوات المسلمات في المدارس. فكان يذهب من بيت إلى بيت، مقنعًا الأهالي بأن تعليم البنات ليس مجرد حق، بل هو أساس تقدّم المجتمع. ورغم المقاومة والشكوك في البداية، لم يتراجع. ومع مرور الوقت، انضم الناس إلى هذه المبادرة، وبدأ تعليم الفتيات في ميوات يشهد نموًا وازدهارًا ملحوظًا.
وفي عام 1996م، أسّس منظمة ميوات التعليمية والاجتماعية، التي منحت الشكل المؤسسي للمطالبة بالاعتراف بميوات كمقاطعة مستقلة. وبفضل جهوده المتواصلة، تحقق هذا الهدف عندما أُعلن رسميًا عن ميوات كمقاطعة في أبريل 2005م.
ولم يتوقف النضال عند هذا الحد؛ فقد عارض بشدة محاولات نقل مدرسة جواهر نافودايا فيديالايا من ميواّت، ونجح في تثبيتها في قرية باي. كما خاض اعتصامًا استمر 43 يومًا للمطالبة بإنشاء كلية طبية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تأسيس كلية الشهيد حسن خان الميواتي الطبية.
اقرأ أيضًا: نواز مفتاحي يُضيءُ عالمَ المكفوفين
ويقول: "في عام 2017م أُعلن عن مشروع قناة ميوات، وفي عامي 2012–2013 تمت الموافقة على خط السكك الحديدية، ومع أن هذه المشاريع لم تبدأ بعد، فإن نضالنا ما يزال مستمرًا".
كما قامت منظمته "ميوات فيكاس سبها" بدور مهم في حركة المزارعين، وحركة الاحتجاج ضد قانون تعديل المواطنة، والاحتجاجات المتعلقة بمسألة المجازر. وهو راعٍ لهذه المنظمة منذ عام 2001م.
وتُعد إسهاماته في الأدب والخدمة الاجتماعية والرياضة والفنون لافتة ومتميزة. فهو أيضًا رياضي ماهر وفنان تشكيلي.