نوشاد أختر/غايا
في سن الثامنة عشرة فقط، عندما كان فيضان علي يدرس تخصص إدارة الأعمال، قادته الحياة إلى نداء أعمق. فقد أدرك أن ما يهمه حقًا ليس التحصيل الأكاديمي أو الطموح المهني، بل خدمة الإنسانية.
وقال فيضان لموقع "آواز دي وايس": "إذا كنتَ صادقًا في رغبتك في مشاركة ألم الآخرين، فلا العمر ولا التعليم يهمّان—ما يهم هو الشغف. اليوم الذي تشعر فيه بالمسؤولية تجاه المجتمع، هو اليوم الذي تبدأ فيه خدمته".
واليوم، يُعد فيضان علي، وهو في سن الثالثة والعشرين من عمره، من مدينة غايا بولاية بيهار، نموذجًا مشرقًا لما تعنيه الخدمة. ونشأ في أسرة متواضعة، ولم يكن يتوقع يومًا أن تتغيّر وجهة حياته من مستقبل مهني في عالم الشركات إلى مسار مكرّس للعمل المجتمعي.
والظروف هي التي صاغت شخصيته. فما بدأ كاستجابة غريزة خلال أزمة كوفيد-19، تحوّل اليوم إلى حركة إنسانية فاعلة تُعرف باسم "منظمة هيومن هود".
ورغم أن الفكرة بدأت تتشكّل منذ عام 2017م، إلا أن المنظمة بزغ نجمها فعليًا خلال الجائحة. وفي البداية، ركّزت على التبرع بالدم، لكنها سرعان ما وسّعت نطاقها.
واليوم، تقوم"منظمة هيومن هود" بأداء الطقوس الأخيرة للجثث المجهولة، وتوزع الطعام على الجائعين، وتقدّم الملابس والأغطية للفقراء، وتنظم حملات للتبرع بالبلازما، وتوفّر مساعدات طبية طارئة، وتنشر الوعي بالنظافة الصحية الخاصة بالدورة الشهرية، وتقود جهود الإغاثة في حالات الكوارث.
وخلال فترات الإغلاق أثناء جائحة كوفيد-19، حين بدأت بنوك الدم تنفد من المخزون، تمكن فيضان وفريقه من إنقاذ 24 حياة من خلال تبرعات عاجلة بالدم، مقدمين دعمًا متواصلًا على مدار الساعة. ويتألف فريقه من طلاب جامعيين، ومسنين، وهندوس، ومسلمين، ونساء—جميعهم توحّدهم قضية واحدة: إنقاذ الأرواح.
وشعارهم يعبّر عن رسالتهم بوضوح:"حين تحتاج الحياة إلى من ينقذها، تبرّع بدمك. لا مكافأة أعظم من أن تعلم أن دمك أنقذ حياة شخص غريب".
ومن اللافت أن النساء المسلمات في الفريق يتحدّين الأعراف الاجتماعية من خلال مشاركتهن النشطة في حملات التبرع بالدم. فمتطوعات مثل منيشا، وزينب، وصدف، ونشاط، ورُمان، وأديتي، وشبنم، وأمريتا يُوازِنَّ بين دراستهن والتزامهن العميق بالعمل الإنساني.
وتُعد قيادة فيضان مزيجًا من الاستراتيجية والإلهام—أشبه بمدير تنفيذي يقود حملة وطنية. وتحت إشرافه، نجحت منظمة H2Oفي بناء شبكة قوية للتبرع بالدم تمتد من غايا، وجهان آباد، ودهري أون سون، وشيرغاتي، وصولاً إلى العاصمة دلهي ومدينة فارانسي.
ويتذكّر فيضان موقفًا احتاج فيه أحد الأشخاص إلى دم بشكل عاجل في دلهي، فاستجاب أحد المتطوعين من شبكتهم على الفور—في دليل واضح على عمق التزامهم الإنساني.
وإن الأسماء التي تقف خلف منظمة H2Oليست مجرد متطوعين، بل هم أبطال حقيقيون: أنقذ سيفي خان حياة مريض السرطان أبهاي شارما، وساند نواب عالَمْ السيدة ألكا سِنْها، وقدّم حامد خان المساعدة لأوشا ديفي، فيما أنقذ محمد عاقب حياة نيراج كومار.
وكل عمل من أعمال الخير لا يعكس روح الإنسانية فحسب، بل يشكّل منارة للوئام المجتمعي. فهذه القصص تجسّد وحدة الهندوس والمسلمين، حيث تمحو الحاجة الإنسانية جميع الفوارق والانقسامات.
ولكن عمل منظمة H2Oلا يقتصر على الحالات الطبية الطارئة. فالمجموعة توفّر الطعام للمشردين، وتقدّم الإغاثة الشتوية من خلال توزيع البطانيات والملابس، وتقوم بأداء الطقوس الأخيرة لمن لا أحد لهم، وتستجيب للكوارث الطبيعية. سواء خلال الفيضانات المدمّرة في كيرالا أو الأزمات المحلية في بيهار، كانت H2Oدائمًا في الصفوف الأولى.
وتجلّت قوة صمود فيضان بأبهى صورها خلال شهر رمضان عام 2021م، حين كان يوزّع أسطوانات الأوكسجين على مرضى كوفيد-19. وبينما كان منغمسًا في أعمال الإغاثة، تلقى خبرًا مفجعًا بوفاة والده عطاء الرحمن. وكان ذلك لحظة قاسية كفيلة بأن تُحطّم أي إنسان—لكن فيضان لم يتوقف. واصل عمله دون أن يتراجع أو يتأثر.وقد أكسبه هذا الثبات جوائز وتكريمات، من بينها "بيهار شاوريا سَمان" وجائزة "ماغدھ رتنا".
وبالنسبة إلى فيضان، فإن التبرع بالدم يحمل معنى حرفيًا ورمزيًا في آنٍ واحد، إذ يقول:"علينا أن نمنح الحياة من خلال دمنا كي نستمر في الحياة—ليس فقط في أجسادنا، بل في أجساد الآخرين أيضًا."
ويقع المقر الرئيس لمنظمة "هيومن هود" في مدينة غايا، لكن نطاق عملها اليوم يمتد إلى مدن كبرى مثل دلهي، وفارانسي، ولكناؤ. وتتمثل رسالة المنظمة في ضمان ألا يفقد أحد حياته بسبب غياب المساعدة في الوقت المناسب، إلى جانب إيقاظ روح الخدمة المجتمعية في نفوس كل مواطن.
ولتحقيق ذلك، أطلق فيضان برامج تدريبية تهدف إلى تدريب الشباب على التنمية الشعبية والعمل الإنساني.
اليوم، يُعدّ فيضان علي رمزًا للتغيير الذي يقوده الشباب في ولاية بيهار. وتتزايد الإشادة بجهوده عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، فيما يعمل فريقه بتفانٍ لا يتزعزع، يجمعهم التعاطف المشترك والهدف الإنساني النبيل.
وفي لحظة مؤثرة خلال مقابلته، قال فيضان:"سواء عشتُ مئة عام أم لا، أريد أن أتبرع بدمائي مئة مرة، وأن أحيا إلى الأبد في قلوب الآلاف".
اقرأ أيضًا: الدكتور ممتاز نير: رحلة ممتعة من بيهار إلى أبحاث عالمية في مختبر بريطاني
وتُثبت قصة فيضان أن خدمة الإنسانية لا تتطلّب عمرًا أو مالًا أو شهادات علمية—بل يكفي أن يتحلّى الإنسان بالتعاطف والالتزام. ففي عالم تطغى عليه أحيانًا المصالح الذاتية، يبرز أشخاص مثل فيضان كمنارات للأمل والإلهام.
فإن رحلته التي بدأت في أزقّة مدينة غايا باتت اليوم تُلهم قلوب الشباب في مختلف أنحاء البلاد. ويذكّرنا فيضان علي بأن بالإيمان العميق والشجاعة الصادقة، يمكن أن يصنع شخص واحد فرقًا هائلاً في العالم.