أنور شاه: رجل حوّل تعليم بناته إلى حركة تعليمية

23-09-2025  آخر تحديث   | 23-09-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
	أنور شاه
أنور شاه

 


 فرحان إسرائيلي/جايبور

قبل منذ ثلاثين عامًا، وُلد حلم في غرفة صغيرة بمدينة جايبور، حلم أصبح اليوم نور التعليم لآلاف الفتيات. إنها قصة السيد أنور شاه.

ولم يحلم بتعليم ابنته فحسب، بل جعله وسيلة لنهضة بنات المجتمع بأسره.
واليوم، ينشر معهده التعليمي "الجامعة العالية" رسالة العلم والأخلاق الإسلامية ليس في جايبور فقط، بل في أنحاء الهند وخارجها. وينتمي أنور شاه إلى بيئةٍ دينيةٍ لم يقتصر فيها التعليم على الكتب، بل أصبح أيضًا جزءًا من الشخصية الإنسانية والمسؤولية الاجتماعية.

وأكمل شهادة الماجستير في الإدارة العامة من جامعة راجستهان عام 1980م، ثم كرّس حياته كلها لخدمة المجتمع وتعزيز التعليم.

وعندما وُلدت ابنته عالية عام 1995م، قرّر أن يؤسس مؤسسة تعليمية تُعنى بتعليم البنات، تجمع بين التعليم الدنيوي والديني في بيئة إسلامية.
وعندما انطلقت "الجامعة العالية" في 19 أبريل 1995م، لم يكن فيها سوى خمس طالبات، ثلاث منهن بناته. وقد خُصصت غرفة من البيت لتكون قاعة دراسية، وهكذا بدأ الحراك التعليمي.

وفي المرحلة الأولى، وقف إلى جانبه كبار علماء جايبور مثل القارئ نور محمد من ميوات، والمفتي إبراهيم، والمفتي زاكِر النعماني، والمفتي خليل أحمد، والمفتي واجد الحسن، والمفتي أمجد علي، والحاج عبد القدير، حيث دعموا مسيرته وأبدوا احترامهم لهذه المبادرة.

وقد أُعِدّت كتب باللغة الأردية ووُضع نظام تعليمي يمكّن البنات من دراسة العلوم الإسلامية جنبًا إلى جنب مع التعليم الدنيوي.

واليوم، تدرُس في هذه المؤسسة أكثر من 1500 فتاة. وتُقدَّم فيها ثلاثة برامج تعليمية: "دورة عالِمة" لمدة خمس سنوات، و"دورة شهادة دينيّات" لعامين، و"دورة درس الدين" لمدة عام واحد.

ومن الفتيات الصغيرات إلى النساء المتزوجات، تتاح للجميع فرصة التعليم في هذه المؤسسة. وإلى جانب العلوم الشرعية والدنيوية، يوجد أيضًا نظام لإكمال مرحلتي الصف العاشر والثاني عشر عبر المعهد الوطني للتعليم المفتوح، بحيث لا تُجبَر الفتيات على ترك دراستهن قبل بلوغ الثامنة عشرة.

وأنشأ السيد أنور شاه نظامًا تعليميًا يستطيع أن يستمر حتى في غيابه. ويقول: "المدير الناجح هو من يعرف كيف يوزع العمل ويؤمن بالانضباط في المواعيد". ومبدؤه أن العمل ينبغي أن يُنجز قبل الموعد المحدد لا في الموعد ذاته، ولهذا تسير المؤسسة كلها بانضباط وتنظيم.

وقد تخرّجت في هذه المؤسسة التعليمية فتيات ناجحات كثيرات؛ بعضهن أصبحن مهندسات، وبعضهن واصلن الدراسات العليا، فيما تفوقت أخريات في علوم القرآن واللغة العربية. والفتيات اللاتي تخرجن في هذه المؤسسة أسسن نحو 150 مكتبًا ومدرسة دينية، صغيرة وكبيرة، في مختلف أنحاء الهند وخارجها.

وإلى جانب جهوده في مجال التعليم، فإن مساهمة أنور شاه في الخدمة الاجتماعية تستحق الثناء. فمن عام 2002 إلى 2012م شغل منصب الأمين العام للمسجد الجامع بجايبور، وخلال هذه الفترة ضاعف إيرادات المسجد مرات عديدة، واستثمرها في خدمة المجتمع.

وفي عام 2006م، أسس مجلة خاصة باسم "إصلاح المؤمنات"، التي أصبحت منبرًا مشرقًا للنساء المسلمات. وتصل هذه المجلة اليوم إلى أكثر من 18 ولاية ونحو 23 منطقة في ولاية راجستهان. وتتناول في صفحاتها قضايا المرأة والتوجيهات الإسلامية في ضوء القرآن والسنة. ولقد منحت هذه المجلة المرأة المسلمة هوية جديدة تقوم على التفكير والفهم والاضطلاع بدور بنّاء في المجتمع.

وحظيت "الجامعة العالية" برعاية ودعم كبار العلماء في الهند، ومن بينهم: المفتي كفاية الله الغوجراتي، والمولانا طلحة المظاهري، والمفتي فاروق الميرثي، والمولانا خالد الغازيبوري. وقد أشاد جميعهم بالمؤسسة ودعوا لها بالتقدم والازدهار.

ويقول أنور شاه : إذا علمتَ شيئًا واحدًا من القرآن أو الحديث، فانشره بين الناس". فهدفه هو نشر العلم وإصلاح المجتمع باتباع نهج السيدة عائشة رضي الله عنها. وهو يتطلع إلى أن تتلقى البنات التعليم، ليصبحن قائدات للمجتمع، ويُصلحن أسرهن والأمة بأسرها.

اقرأ أيضًا: شاكر علي أحيا فن المنمنمات في راجستهان

اليوم، لم تعد "الجامعة العالية" مجرد مدرسة، بل أصبحت حركةً ورسالةً عزّزت التعليم الشامل للفتيات، وغرست فيهن الأخلاق الفاضلة والخصال النبيلة وفهمًا للعالم على حد سواء، مما منحهن مكانةً مؤثرةً في المجتمع.

وتُعدّ مسيرة السيد أنور شاه مثالاً لكل من يتمنى أن ينير المجتمع من خلال التعليم. فهذا الحلم الذي انطلق من غرفة واحدة، أصبح اليوم نورًا يضيء آلاف القلوب والعقول، وهو ماضٍ في التوسع والانتشار.