مولانا وحيد الله تشاتورفيدي: عالمٌ يجسّد جسور الوئام بين الهندوسية والإسلام

07-11-2025  آخر تحديث   | 07-11-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | آواز دي وايس 
مولانا وحيد الله تشاتورفيدي: عالمٌ يجسّد جسور الوئام بين الهندوسية والإسلام
مولانا وحيد الله تشاتورفيدي: عالمٌ يجسّد جسور الوئام بين الهندوسية والإسلام

 


أونيكا مهيشوري/نيودلهي

"سواء قرأتَ الغيتا أم القرآن، فإنَّ الحبَّ هو حكمةُ كلِّ كتاب".

 تنطبق هذه الكلمات تمامًا على المولانا وحيد الله أنصاري تشاتورفيدي، المقيم في منطقة غوندا بولاية أتر برديش. فقد درس بعمق الفيدا والپورانات والقرآن الكريم. وجعل من نشر المعرفة، وتحقيق الإصلاح الاجتماعي، وترسيخ روح الوئام والتآخي بين الناس رسالةً إنسانية سامية.

وحين طُرح عليه السؤال: "ما الكتبُ الهندوسية التي درستها بعمق؟ هل هي الفيدا أم الپورانات أم الأوبنشاد؟"، أجاب المولانا موضحًا مسيرتَه في طلب العلم قائلًا: "بدأتُ دراسة الفيدا عام 1980م، ولم يُلقَّبني أتباعي بـ"تشاتورفيدي" (أي العارف بالفيدات الأربع) إلا بعد أن أتممتُ الإلمامَ التامَّ بجميعها".

ثم تابع دراسته حتى أتقن الثماني عشرة پورانا، كما قرأ أيضًا الرامايانا وغيتا والإنجيل بمختلف رواياتها ومؤلفيها. ويكشف هذا المسار عن عقلٍ موسوعيٍّ متجاوزٍ للحدود الدينية، يرى في كلِّ نصٍّ مقدّسٍ طريقًا إلى الحكمة والمعرفة.

ويتقن المولانا ستّ لغات، وهي الهندية، والأوردية، والإنجليزية، والعربية، والفارسية، والسنسكريتية. وقد نشأ منذ طفولته مولعًا باللغة السنسكريتية، ومفتونًا بجمال تراكيبها وعمق معانيها، الأمر الذي دفعه إلى دراستها إلى جانب اللغة الهندية في سنواته الدراسية الأولى.

ويؤمن المولانا بأنّ الهندوسية والإسلام يلتقيان في نقاطٍ عديدة، وأنّ بينهما من أوجهِ التوافق ما يجعل الحوار بين أتباعهما ممكنًا ومثمرًا. وتجسّد حياته وحكمتُه هذا الإيمان العميق، إذ يبرهن من خلال تجربته أنّ في قلبِ التنوّع الديني يمكن أن تزدهر المحبّة والتفاهم والقيم المشتركة.

ولذلك فإنّ رحلته الفكرية والروحية ليست إنجازًا شخصيًّا فحسب، بل رسالةٌ ملهمة تدعو إلى الوئام والتسامح.

وواصل المولانا  تشاتورفيدي كلمته بأبياتٍ من رامايانا للشاعر بندت برج ناريان تشكبست، تصوّر اللحظة المفعمة بالوجع الإنساني حين ودّع شري رام والدَيه قبل خروجه إلى المنفى. وهو يقول:

رخصت ہوا وہ باپ سے لے کر خدا کا نام................ راہ وفا کی منزل اول ہوئی تمام

"ترك أباه، ومضى متلفّظًا باسم الله، فبلغ طريقُ الوفاء غايتَه.

ثم أردف قائلًا إنّ جميع الكتب الدينية تدعو إلى المحبّة، غير أنّ بعض رجال الدين شوَّهوا نقاء الأديان، وحرّفوا مقاصدها السامية، فأضلّوا الناس عن جوهرها القائم على الرحمة والوئام.

وعندما سُئل المولانا عمّا إذا كانت هناك حادثةٌ خاصة أو دافعٌ بعينه وراء اهتمامه العميق بهذا المجال، روى قصةً من طفولته تركت في نفسه أثرًا كبيرًا. وقال: "في إحدى المرات، سألني أستاذُ السنسكريتية عن قصةِ أحد الحكماء، فلم أتذكّرها، فعاقبني أمام جميع الطلاب. وكان موقفًا محرجًا للغاية بالنسبة لي. وبعد الحصة، ذهبتُ إلى السوق واشتريتُ شرح الكتاب، ثم حفظتُ القصة كاملة عن ظهر قلب"

وعندما طرح المعلّم السؤال نفسه، روى المولانا القصةَ كاملةً بإتقانٍ وثقة، فتعجّب المعلّم والطلاب وأشادوا بذكائه واجتهاده، وقالوا له: "سيكون لك شأنٌ عظيم في المستقبل، وسيُعرف اسمك في العالم".

وعندما سُئل عمّا إذا كانت هناك أوجهُ تشابهٍ بين أقوال الپورانات الهندوسية وتعاليم الأنبياء في الإسلام، قدّم تفسيرًا تحليليًّا عميقًا قائلاً: "ورد في الفيدا، "أوم خام برهم" تعني أن "البرهم" حاضر في كل مكان، أي أن الوجود الإلهي شاملٌ لكلّ شيء. وأمّا جاء في القرآن الكريم أن اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قدير، أي إنّ الله هو الخالق والمدبّر لكل شيء".

ثم أوضح قائلًا: "صحيح أنّ مفهومي أوم والله يختلفان من حيث التعبير والمعتقد، رغم أنّ كليهما يُستخدم للدلالة على الذات الإلهية أو القوّة المطلقة. فـ"أوم" في الديانة الهندوسية تمثّل صوتًا مقدّسًا ورمزًا للحقيقة المطلقة، وهي مرتبطة بثالوث الآلهة برهما، فيشنو، وماهيش . بينما الله في الإسلام هو الاسم العربي للإله الواحد الأحد".

وفي معرض حديثه عن أوجه التشابه بين الفيدا والپورانات والقرآن الكريم، قال المولانا تشاتورفيدي إنَّ كلكي پورانا تذكر النبيَّ محمدًا ﷺ، خاتم أنبياء المسلمين، بوصفه التجسيد الأخير لـ"كلكي أفاتار". وأوضح أنّ الشخصيتين اللتين تُعرفان في النصوص الهندوسية باسم "مانو وشتاروبا" هما في الحقيقة "آدم وحواء" في الرواية الإسلامية.

وأضاف قائلًا: "كما أن هناك سبع آياتٍ باللغة العربية في تمجيد الله تعالى، فثمة أيضًا سبع آياتٍ مماثلة في اللغة السنسكريتية في تمجيده، فتختلف الألفاظ ولكن المعنى واحد. وما يجب أن يدركه الناس هو أن التنوّع في اللغة لا يعني التناقض في الحقيقة، بل هو تنوّع في التعبير عن الإيمان الواحد".

وختم المولانا حديثه بنبرةٍ روحية مؤثرة قائلًا: "حين يدرك البشر هذه الحقيقة، ستذوب الفوارق، وتشرق شمس المحبّة من جديد".

وأوضح المولانا تشاتورفيدي أن دراسته للنصوص الدينية المختلفة نابعة من إيمانه بحرية الفكر التي منحها الله للإنسان، مؤكدًا أن هذه النصوص تمثل له مصادرَ للمعرفة لا مجال للاعتراض عليها. وردّ على من انتقدوه بالقول إن الله أرسل البشر لفعل الخير، ومن أعظم صور الخير إزالةُ المفاهيم الخاطئة والتمييز بين الناس، وهذا لا يتحقق إلا بطلب العلم من كلّ مصدر، ليعمّ الوعي والوحدة والمحبّة بين الجميع.

وقال المولانا وحيد الله أنصاري تشاتورفيدي في حديثه مع"آواز دي وايس" إنه قدّم العديد من البرامج والمحاضرات خارج الهند حول أوجه التشابه بين الفيدا والقرآن الكريم، من بينها فعاليات في الإمارات المتحدة، وكذلك في مكة المكرمة والمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية. وفي عام 2008م، نال المولانا جائزة مالية قدرها مئة وخمسون ألف روبية تقديرًا لبرنامجه في المملكة العربية السعودية.

وعند سواله عن منصةٍ تعليمية يمكن لأتباع جميع الأديان أن يدرسوا من خلالها نصوصَ بعضهم البعض باحترامٍ وتقدير؟ أوضح المولانا تشاتورفيدي أنه شارك مؤخرًا في فعالية بـمركز السلام العالمي أو قبة السلام العالمية في بونه، وهو صرح يهدف إلى نشر السلام والوئام بين الأديان. وأكد خلال كلمته أن الهندوسية والإسلام يشتركان في قيمٍ إنسانية كثيرة، مشددًا على أهمية الحوار المعرفي القائم على الاحترام المتبادل، وأن دراسة نصوص الأديان المختلفة يمكن أن تكون جسرًا للتفاهم والوحدة بين البشر.

ويُعرف المولانا تشاتورفيدي برسالته الدائمة في نشر قيم الإنسانية والوحدة بين الناس، مؤمنًا بمبدأ فاسوديف كُتُنبكم الذي يعني "العالم أسرة واحدة". ويحمل لقب تشاتورفيدي لامتلاكه معرفةً كاملة بالفيدات الأربع، وينحدر من ولاية أتر برديش ويقيم في لكناؤ، حيث يواصل جهوده في ترسيخ قيم التآخي والتقارب الديني والثقافي.

وأوضح المولانا إن أكثر ما يلمس قلبه هو قصيدة "سوداما تشاريت" للشاعر نروتم داس، لأنها تجسّد معاني الصداقة والمحبّة والإنسانية من خلال علاقة كريشنا بصديقه الفقير سوداما، مؤكدًا أن المجتمع سيصبح عالمًا جميلًا إذا عامل الناس بعضهم بروح التعاطف والإخاء نفسها.

وتحدّث تشاتورفيدي بتأثر عن رسالة المحبّة التي يجسدها التقاطع بين الفيدا والپورانات والقرآن الكريم، مشيرًا إلى أن شري رام أصبح مثال الإنسان الكامل لأنه ضحّى بحياة الرغد والراحة تنفيذًا لوعد والده، وقَبِل المنفى لأربع عشرة سنة. وأكد أن قصته تذكّرنا بأن برّ الوالدين هو أعظم القيم، وأن طاعتهما هي جوهر الأخلاق والإنسانية.

وذكر أنه التقى وزير النقل نيتين غادكاري في فعالية بـ"فيجيان بهاون" في دلهي، حيث تحدّث عن أهمية دراسة الفيدات الأربع للحفاظ على مجتمعٍ متحضّر. كما أوضح أنه يعمل حاليًا على ترجمة غنانيشوري غيتا للمفكّر بابوراو كومثيكار إلى اللغة الأوردية، معتبرًا إياها الأقرب في مضمونها إلى غيتا الأصلية.

ويرى تشاتورفيدي أنّ الله أرسل الإنسان إلى هذه الأرض ليخدم الإنسانية وينشر الجمال والمحبة بين الناس. ويؤكد أنّ علينا الابتعاد عن كل أشكال التلوّث المادي والمعنوي وعن المفاهيم الخاطئة، وأن ننشر الحقيقة والمحبة بين الناس، فبذلك وحده تتحقق الغاية من حياتنا الإنسانية.

واستشهد بقول الشاعر الصوفي كبير داس "أيسي واني بولئے، من كا آپا کھوئے"أي أن نتحدث بتواضع ومن دون غرور، لأن الكلمة الطيبة تجلب السعادة والسلام. وأوضح أن اتباع هذا المبدأ يجعل المجتمع خاليًا من النزاعات وتسوده الطمأنينة والوئام.

ويرى أن الإسلام والهندوسية، رغم اختلاف أصولهما الثقافية والتاريخية، تتفقان في جوهر الإيمان بوحدانية الله، الخالق والقادر والحاضر في كل مكان — "الله" في الإسلام و"برهم" أو "برماتما" في الهندوسية. كما تشترك الديانتان في الدعوة إلى الحقيقة والرحمة واللاعنف والسلوك القويم؛ فالإسلام يقوم على مبدأ الرحمة والعدل، في حين تقوم الهندوسية على اللاعنف والصدق والعمل الصالح. وكلاهما يدعوان إلى تهذيب النفس والتقرّب إلى الله عبر الصوم، والصلاة، وضبط النفس.

اقرأ أيضًا: افتتاح أول جناح هندي في معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2025م

ويؤكد تشاتورفيدي أن الإسلام والهندوسية يتفقان في الإيمان بوجود جوهرٍ إلهي داخل الإنسان؛ فالإسلام يرى أن في كل إنسان روحًا من الله، والهندوسية تعتبر الروح جزءًا من البرهم. كما يشتركان في مبدأ الجزاء على الأفعال، سواء في يوم القيامة أو من خلال قانون الكرمة. وتهدف الديانتان إلى ترسيخ الإنسانية والسلام والأخوّة.

 

 

قصص مقترحة