زيب أختر/ رانشي
غالبًا ما تسحق الفقر والحرمان أحلام الأطفال قبل أن تبدأ حتى في التكوّن. وفي المناطق الريفية بولاية جهارخاند، تبدو هذه الصورة مألوفة. ومع ذلك، فإن قصص الأمل بدأت تبرز من هذه المناطق نفسها. وإحدى هذه القصص هي قصة أنور الحق، وهو من سكان قرية تشادري في مقاطعة كانكي، الذي أطلق مبادرة فريدة من نوعها. في النهار، يُدرّب الأطفال على كرة القدم، وفي الليل، يُعلّمهم دروسهم الأكاديمية. وخلال ثلاث سنوات فقط، استطاع بجهوده أن يغيّر حياة العديد من الأطفال الذين كانت الدراسة والرياضة بالنسبة إليهم حلمًا بعيد المنال.
من الحقول إلى ملاعب كرة القدم
يعمل أنور الحق معلّمًا للتربية البدنية في مدرسة داخلية للبنات بمدينة رانشي، لكنه قرّر أن يتجاوز حدود عمله ليُحدث فرقًا حقيقيًا. ففي عام 2021م، وبعد أن تأثر بالظروف الصعبة التي يعيشها أطفال قريته والمناطق المجاورة، ومعظمهم من أسر تعيش على الأجور اليومية، وكثير منهم تركوا الدراسة أو انجرفوا نحو رفاق السوء، أدرك أن الحل الوحيد هو ربطهم بالتعليم والرياضة. غير أن التحدي كان كبيرًا؛ لم يكن هناك ملعب، ولا موارد.
ولم يثنه شيء، فقام أنور الحق بتسوية الأراضي الزراعية في قريته وتحويلها إلى ملاعب مؤقتة لكرة القدم. وخلال موسم الزراعة، كان يبحث عن أماكن بديلة لمواصلة التدريب. ورغم قلة الإمكانات والمصاعب الكثيرة، فإن إصراره وحماس الأطفال تمكّنا شيئًا فشيئًا من تحويل الحلم إلى حقيقة. وإن الصعوبات والشكوك لم يكن إقناع الأهالي بإرسال أطفالهم أمرًا سهلًا. فالكثير من أولياء الأمور من الأسر الفقيرة لم يروا أي جدوى من كرة القدم بالنسبة إلى أبنائهم، بل إن بعضهم أشاع أن أنور الحق يقوم بهذا العمل لأغراض شخصية. ومع ذلك، لم يتراجع. فكان يزور البيوت واحدًا تلو الآخر، مطمئنًا الأهالي بأن أبناءهم سيلعبون كرة القدم في النهار وسيتلقّون دروسهم في المساء. ومع مرور الوقت، بدأت الثقة تتكوّن، وبدأ الأطفال ينضمون إليه واحدًا بعد الآخر.
من أربع فتيات إلى 150 طفلاً
ما بدأ بأربع فتيات فقط تحوّل إلى حركة واسعة. فقد قام أنور الحق بتأسيس "نادي ستار ووريرز"، الذي درّب حتى الآن نحو 150 طفلا من منطقتي كانكي وأورمانجي. واليوم، يشارك بانتظام نحو 60 إلى 65 طفلاً في أنشطة النادي، بينما مثّلت 14 فتاة منه فرقًا في بطولات على المستوى الوطني. وأما قصة النجاح الأكبر فهي قصة ديوياني ليندا، التي انضمّت إلى المنتخب الهندي تحت 17 عامًا لكرة القدم للسيدات، وأصبحت الآن تلعب على المستوى الدولي.
قصة ديوياني ليندا
تعكس رحلة ديوياني التأثير الحقيقي لعمل أنور الحق. فقد نشأت في فقرٍ شديد، حيث توفي والدها، وتعمل والدتها كعاملة يومية، وشقيقها الأصغر طريح الفراش بسبب كسر في ساقه، لكنها وجدت في كرة القدم مصدر قوة وأمل. وبفضل توجيه أنور الحق، تمكنت من الوصول إلى الفريق الوطني، وأصبحت تمثل الهند في البطولات الخارجية. وتقول ديوياني: "حلمي هو أن أستخدم المال الذي أكسبه من كرة القدم لعلاج شقيقي".
وبالنسبة إلى أنور الحق، فإن هذا هو أعظم مكافأة له. يقول: "عندما أرى فتيات مثل ديوياني يلمعن، أشعر أن جهودنا لم تذهب سدى. وإن عيونهن المليئة بالأمل هي إنجازنا الحقيقي".
تمكين الفتيات عبر كرة القدم
كان إدخال الفتيات إلى الملاعب عقبة كبيرة أخرى. فعندما ظهرن أول مرة وهنّ يرتدين السراويل الرياضية القصيرة، اعترض بعض القرويين، وتردد الأهالي في السماح لهن بالمشاركة. ولكن أنور الحق لم يستسلم، بل واصل إقناعهم بصبرٍ وحكمة. واليوم، تقف الفتيات جنبًا إلى جنب مع الفتيان في النادي، بكل ثقة وفخر.
وقد نالت مبادرته تقديرًا محليًا واسعًا. فقد كان الناشط الاجتماعي جاغديش سينغ جاغو من أبرز الداعمين له، كما يزور رجال الشرطة والمسؤولون المحليون النادي بين الحين والآخر لتشجيع الأطفال. حتى اللاعبة الدولية في هوكي الهند، نيكي برادهان، قدّمت دعمًا معنويًا كبيرًا لهم.
وفي شهر أغسطس الماضي، زار النادي ضيوفٌ من سنغافورة وماليزيا لإجراء بحث في أثر المبادرة، وتأثروا كثيرًا بنضال الأطفال، وتعهدوا بتقديم الدعم المستقبلي لهم.
ورغم التقدم الكبير، لا تزال هناك تحديات قائمة، وأبرزها غياب ملعب دائم لكرة القدم، ويقول أنور الحق: "عندما يعود الأطفال بعد فوزهم في المباريات على مستوى الولاية أو على المستوى الوطني، يتم الاحتفاء بهم وتُطلق الوعود، لكن سرعان ما يُنسى كل شيء بعد ذلك".
التعليم إلى جانب الرياضة
لا يقتصر طموح أنور الحق على كرة القدم فحسب، بل يمتد إلى دمج التعليم مع الرياضة. فالأطفال الذين يتدربون على أرض الملعب خلال النهار، يدرسون معه في المساء. ويؤمن أنور بأن الجمع بين التعليم والرياضة هو السبيل لبناء مستقبل قوي. فجميع الأطفال في النادي ينتمون إلى أسر محدودة الدخل، ولكن معاناتهم أصبحت مصدر قوتهم. وفي فترة وجيزة، استطاع "نادي ستار ووريرز" أن يصنع لنفسه مكانة مرموقة على المستويين المحلي والوطني، جامعًا بين روح التحدي والإصرار والإيمان بقوة الأمل.
اقرأ أيضًا: من الصداقة إلى التعليم: فريق تنوير أحمد ساهم في تشكيل مستقبل 6000 طفل
ويُحدث عمل أنور الحق تحولًا تدريجيًا في المجتمع نفسه. فالأطفال الذين كانوا عرضةً للمخدرات والتأثيرات السلبية، بدأوا يجدون في الرياضة والتعليم هدفًا ومعنى لحياتهم. كما بدأت الأسر تلمس التغيير بأعينها. وقد يأتي القادة والمسؤولون ويذهبون، لكن الرضا الحقيقي لأنور يتحقق حين يرى الأطفال يفوزون في الميدان. وفي القرى التي يدفع فيها الحرمان الكثيرين إلى التخلي عن أحلامهم، يُثبت نادي "ستار ووريرز" في قرية تشادري أن التغيير ممكن. ولقد أثبت أنور الحق أن الجهود الفردية الصغيرة قادرة على إحداث تغييرات كبيرة. فكرة القدم بالنسبة إليه ليست مجرد لعبة، بل وسيلة للتحول الاجتماعي وبناء الأمل. وشجاعته وإخلاصه في خدمة الأطفال والمجتمع يستحقان كل التقدير والإعجاب.