من الصداقة إلى التعليم: فريق تنوير أحمد ساهم في تشكيل مستقبل 6000 طفل

03-11-2025  آخر تحديث   | 03-11-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
 تنوير أحمد
تنوير أحمد

 


 زيب أختر / رانشي

 كان مجاهد، الشاب القادم من حي هندبيري الفقير في رانشي عاصمة ولاية جهارخاند، يحلم بأن يصبح مهندسًا. واجتاز امتحان القبول في المعهد الهندي للتكنولوجيا عام 2013م، لكنه لم يتمكن من دفع الرسوم الدراسية واضطر إلى التخلي عن حلمه مؤقتًا. 

وفي العام التالي، خاض الامتحان مجددًا ونجح فيه، وهذه المرة تدخل تنوير أحمد وفريقه من مبادرة "من الصداقة إلى التعليم" — وهي مبادرة اجتماعية تهدف إلى دعم الطلاب الفقراء — وتكفّلوا بدفع رسوم قبوله. واليوم، أصبح مجاهد مهندسًا محترفًا يحقق حلمه الذي بدا مستحيلًا ذات يوم. 

وبالمثل، يدرس محمد عارف من رامغاره ونفيس أختر من لاتيهار في "كلية تاتا الطبية" بفضل رعاية مجموعة تنوير أحمد التي ساعدت هذين الشابين المحرومين على تحقيق حلمهما في دراسة الطب. وفي جمشيدبور، لم يكن بإمكان جواد أنصاري مواصلة دراسته في "كلية الكبير للهندسة" لولا أن تكفلت المؤسسة الاجتماعية نفسها بدفع رسومه الدراسية.

وأطلق تنوير أحمد وأصدقاؤه مبادرتهم عام 2010م، بعد أن تم هدم مناطق مثل إسلام نغر وبابا ختال في رانشي ضمن حملات إزالة التعديات، مما أدى إلى تشريد مئات العائلات وجعلها بلا مأوى. 

وكان الأطفال هم المتضررين الأكبر؛ إذ فات الكثير من الامتحانات، واضطر آخرون إلى ترك الدراسة نهائيًا. وتأثر تنوير أحمد وأصدقاؤه بشدة بمعاناة هؤلاء الأطفال، فقرروا العمل على مساعدتهم للخروج من واقعهم الصعب. 

وفكر تنوير قائلاً: "إذا كانت الظروف قد أبعدت الأطفال عن المدارس، فلماذا لا نأخذ التعليم إليهم؟". ومن هنا وُلدت فكرة المبادرة التعليمية "من الصداقة إلى التعليم"، التي تحولت مع الوقت إلى مهمة إنسانية وتعليمية ساهمت في تغيير حياة عشرات الأطفال المحرومين.

ويقول تنوير أحمد: "مهمتنا هي الوصول إلى الأطفال المحرومين في رانشي وغيرها من مناطق جهارخاند، أولئك الذين ابتعدوا عن مقاعد الدراسة. ونحن نؤمن بأن التعليم هو المفتاح القادر على تغيير مستقبلهم".

وتُعرف رانشي بجمالها الطبيعي وغاباتها الخضراء وتلالها ومناظرها الخلابة، وبكونها مدينة تتطور بسرعة، ولكن خلف هذه الصورة الحالمة تكمن حقيقة أخرى، إذ يعيش جزء كبير من سكانها في الأحياء الفقيرة.

ومع إدراكه لهذه المعاناة، قرّر تنوير أحمد أن يواجه التحدي. وانضم إليه مجموعة من أصدقائه المتشابهين في الفكر: محمد خليل، وقمر صديقي، وشميم أختر، ومحمد جواد، ومظهر حسين. وانطلقوا معًا من باب إلى باب في الأحياء الفقيرة، يُكوّنون صداقات مع العائلات، ويشجعون الأطفال على العودة إلى المدارس، ويُقنعون الأهالي بأن تعليم أبنائهم هو الطريق لمستقبلٍ أفضل، مؤكدين أنهم سيظلون إلى جانبهم دائمًا. 

ولكن الإقناع لم يكن كافيًا، إذ برزت العقبة الكبرى: المال، فالتكاليف الدراسية من رسوم وكتب وملابس وأدوات كانت فوق قدرة تلك الأسر. وللتغلب على هذا التحدي، ابتكر تنوير وأصدقاؤه خطة بسيطة وفعالة، حيث بدأوا بجمع 10 إلى 20 بالمئة من أموال الزكاة التي تُقدَّم في شهر رمضان، لتُخصَّص بالكامل لتمويل تعليم الأطفال الفقراء.

ومن خلال هذه المبادرة، قام تنوير أحمد وفريقه في البداية بكفالة 85 طفلًا، حيث تكفّلوا بدفع الرسوم الدراسية وشراء الكتب وتغطية الاحتياجات الأساسية لهم. ولكن التحدي لم يتوقف عند هذا الحد، فبعد فترة، بدأ بعض الطلاب يواجهون صعوبات دراسية تهدد بعودتهم إلى التسرب مرة أخرى. ولمواجهة هذه المشكلة، أطلق تنوير وفريقه مبادرة "التدريس المنزلي المجاني" وهي مراكز تعليمية مجانية داخل الأحياء الفقيرة نفسها، لتوفير الدعم الدراسي للطلاب ومساعدتهم على مواصلة التعليم دون انقطاع.

كما تم إنشاء مجموعات دراسية منفصلة للصفوف من التاسع إلى الثاني عشر تحت اسم (Homework Guidance Centres)، والتي ساعدت الأطفال على استعادة ثقتهم بأنفسهم والعودة إلى إيقاع التعلم المنتظم. وبمرور الوقت، أُطلقت أيضًا منحة دراسية لتكريم المتفوقين أكاديميًا، بهدف تحفيز بقية الطلاب على التفوق، حيث قدّمت المبادرة دعمًا ماليًا ومعنويًا أصبح مصدر إلهامٍ للكثيرين. 

واليوم، باتت هذه المبادرة تُعرف باسم "أصدقاء المجتمع الضعيف". وخلال السنوات، قدّم تنوير أحمد وفريقه دعمًا تعليميًا لأكثر من 6000 طفل، من مرحلة المدرسة الابتدائية إلى التخصصات الجامعية والمهنية مثل الطب والهندسة.

ويتجاوز عمل تنوير أحمد وفريقه حدود التعليم ليشمل خدمة المجتمع في أوسع معانيها. ففي كل شتاء، يقومون بتوزيع الملابس الدافئة على الأطفال المحتاجين، وخلال شهر رمضان وفي فترات الأزمات، يقدمون المؤن والمواد الغذائية للأسر الفقيرة. كما ينظمون معسكرات طبية مجانية، ويطلقون برامج تسجيل فوري للطلاب من منزل إلى منزل لضمان أن أي طفل لا يُحرم من الالتحاق بالمدرسة.

اقرأ أيضًا: مختار عالم خان.. الرجل الذي حوّل حيّ "آزاد ناغار" من الخوف إلى الأمل

وأما بالنسبة إلى طلاب الأقليات، فيعقد الفريق جلسات تعريفية حول برامج المنح الدراسية الحكومية، لتمكينهم من الاستفادة من فرص الدعم المتاحة. ويتمثل النجاح الحقيقي لمؤسسة "أصدقاء المجتمع الضعيف" في قصص النجاح الفردية التي ما كان يمكن أن تتحقق لولا دعمهم المتواصل. فقد ساهمت جهودهم في خفض معدلات التسرب المدرسي بشكل ملحوظ، وأصبح العديد من الأطفال الذين هددهم الفقر بترك الدراسة الآن يلتحقون بأفضل كليات الطب والهندسة في البلاد. 

وعلى مدى أكثر من عقدٍ من الزمن، يعمل تنوير أحمد وفريقه بروحٍ من الثقة والرحمة والدعم المجتمعي، ليجعلوا من التعليم مهمة إنسانية تتجاوز الكتب والفصول الدراسية. واليوم، يستفيد نحو 2000 طفلٍ في رانشي والمناطق المجاورة لها بشكل مباشر من جهود فريق تنوير أحمد وتفانيه في دعم التعليم وخدمة المجتمع.

قصص مقترحة