الفن يوحّد.. صبري تحطم القيود وتصبح أول مسلمة تؤدي كاثاكالي

11-10-2025  آخر تحديث   | 10-10-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | آواز دي وايس 
الفن يوحّد.. صبري تحطم القيود وتصبح أول مسلمة تؤدي كاثاكالي
الفن يوحّد.. صبري تحطم القيود وتصبح أول مسلمة تؤدي كاثاكالي

 


أونيكا ماهيشواري/نيودلهي

في إنجازٍ استثنائي، تمكنت صبري، البالغة من العمر ستة عشر عامًا، من تخطّي الحواجز التقليدية والدينية لتصبح أول فنانة مسلمة تمارس رقصة الكاثاكالي في تاريخ معهد "كيرالا كلاماندالام" الممتد على مدار 95 عامًا، وهو جامعة مرموقة للفنون والثقافة في ولاية كيرالا.

وقدّمت صبري أول عرضٍ علني لها على مسرح معهد كيرالا كلاماندالام العريق، حيث جسّدت شخصية الإله كريشنا في أداءٍ لافتٍ كشف عن موهبتها الاستثنائية وقدرتها على التفاعل العميق مع تقاليد الكاثاكالي الكلاسيكية.

ووصفت صبري عرضها الذي قدّمته في يوم "فيجايادشمي" بأنه تحقيقٌ لحلمٍ طال انتظاره، وقالت: "لقد كانت تجربة لا تُنسى. لم أشعر بالخوف، رغم أن الزيّ كان ثقيلًا بعض الشيء، لكن ما إن صعدتُ إلى المسرح حتى بدا كل شيء طبيعيًا. الرقص هو شغفي الحقيقي".

وقال والدها ناظم أَمّاس، وهو مصور فوتوغرافي، في حديثٍ له مع الصحفيين: "إنها لحظة فخرٍ وسعادةٍ كبيرة لعائلتنا، فقد حققت صبري الحلم الذي رافقها منذ طفولتها".

ويُعد معهد كيرالا كلاماندالام، الذي تأسس عام 1930م على يد الشاعرين فالاثول نارايانا مينون وموكونداراجا، من أهم المنارات الثقافية في الهند الحديثة، إذ لعبا دورًا محوريًا في صون الفنون الكلاسيكية وإعادة تعريف الهوية الثقافية لولاية كيرالا.

فمنذ تأسيسه، شكّل المعهد جسرًا بين التراث والتجديد، عبر احتضانه لفنونٍ تقليدية مثل كاثاكالي وموهينياتّام وكودياتّام، ومنحها فضاءً أكاديميًا راقيًا ساهم في نقلها من حدود الأداء الشعبي إلى عالم الفن المؤسسي المنظم.

ويقع المعهد في قرية تشيروثوروثي التابعة لمنطقة تريسور بولاية كيرالا، على ضفاف نهر بهاراتابوزها، حيث تتناغم روح الفنون مع جمال الطبيعة في مشهدٍ يجسّد العمق الحضاري للهند.

وتُعد هذه المرة الأولى في تاريخ معهد كيرالا كلاماندالام التي يتم فيها تدريب طالبة مسلمة على فن الكاثاكالي ومنحها الفرصة لتقديم عرضٍ على المسرح.

وتم دخول صبري في معهد كيرالا كلاماندالام بفضل تدخل المعلم الشهير في فن الكاثاكالي، كلاماندالام غوبـي، الذي أصرّ على ضرورة انضمام فتاة من المجتمع المسلم إلى هذا الفن العريق.

وقام كلاماندالام غوبـي بتعليم صبري أولى وضعيات الكاثاكالي الأساسية، واضعًا بذلك الأساس لمسيرتها الفنية. وبعد ذلك، تلقت تدريبًا مكثفًا لمدة ثلاث سنوات تحت إشراف كلاماندالام أنيل كومار، الذي ساعدها على تطوير مهاراتها التقنية والتعبيرية.

وقال أنيل كومار: "تتعلم صبري بتركيزٍ عالٍ وإخلاصٍ كبير، وقد عكَس أداؤها هذا التفاني بوضوح. لقد قدّمت عرضها الأول بروعةٍ وإتقان".

وقدّمت صبري عرضها الأول يوم الخميس ليلاً لمدة نحو 40 دقيقة في أداء شخصية كريشنا فيشام بورابادو، وهي المشهد الافتتاحي في عروض كاثاكالي الذي يمنح الجمهور أول رؤية للإله كريشنا.

وظهرت صبري بوجهٍ مزيّنٍ باللون الأزرق وزيّ تقليدي ثقيل، ودخلت المسرح على أنغام الطبول وآلة "تشيندا" في مشهدٍ مهيبٍ يجمع بين الطقسية والجمال المسرحي، وسط تصفيقٍ حارٍّ ووقوف الجمهور تحيةً لأدائها البديع.

وأوضح والد صبري أن الاستعداد للعرض استغرق ساعات طويلة شملت عملية التجميل الدقيقة وارتداء الأزياء التقليدية الثقيلة، مشيرًا إلى أنه عندما اعتلت ابنته المسرح عند الساعة الثامنة مساءً، كُتب فصل جديد في تاريخ كيرالا كلاماندالام، إذ كانت أول فتاة غير هندوسية تقدم عرض كاثاكالي على هذا المسرح العريق.

وقبل ظهور صبري، كان معهد كيرالا كلاماندالام قد أنجب نخبة من الفنانين الذين تركوا بصماتهم في سجل الفنون الكلاسيكية، من أبرزهم كلاماندالام جون، المسيحي الذي تميّز بأدائه المبدع في الكاثاكالي، وكلاماندالام حيدر علي، المطرب المسلم الذي نفخ الحياة في موسيقى الكاثاكالي بصوته العذب المفعم بالشجن.

وكان حيدر علي رمزًا للتفاني في الفن، تجاوَز بإخلاصه وانتمائه الجمالي الحدود الدينية والطائفية. وفي هذا الامتداد الروحي، تأتي صبري لتواصل هذا الإرث الفني الإنساني لا يعرف الانتماء الديني، بل يؤمن بالحب والجمال بوصفهما جوهر الإبداع الإنساني.

ويوضح ناظم إن شغف صبري بفن الكاثاكالي وُلِد باكرًا، حين كانت طفلة تتأمل بانبهارٍ وجوه الممثلين الملوّنة وحركاتهم الرمزية التي تنبض بالحياة. وكانت ترافق والدها في رحلاته التصويرية إلى المهرجانات والفعاليات الثقافية، وهناك، بين أصوات الطبول ورقصات الضوء والظل، تسلّل الفن إلى روحها الصغيرة دون استئذان. وحين سألها والدها ذات يوم عمّا إذا كانت ترغب في تعلم فن الكاثاكالي، أجابت دون تردد بالموافقة، لتبدأ بذلك رحلة شغفٍ تحولت إلى مسيرة إبداعية فريدة.

وفي عام 2021م، فتح معهد كيرالا كلاماندالام أبوابه أمام الطالبات لأول مرة في تاريخه، في خطوةٍ اعتُبرت تحولًا مهمًا في مسار الفنون الكلاسيكية في كيرالا.

وصادف أن ناظم وجد منشورًا يُعلن أن معهد كيرالا كلاماندالام سيفتح أبوابه أمام الطالبات لأول مرة، فغمره الأمل في أن تتمكن صبري من الالتحاق بالمعهد وتحقيق حلمها، غير أن صبري كانت آنذاك تدرس في الصف السادس، في حين أن شروط القبول تبدأ من الصف الثامن، ما جعل الحلم يبدو معلّقًا قليلًا بين الانتظار والطموح. فسعيًا لتحقيق حلم ابنته، بادر ناظم إلى تنظيم تدريب تمهيدي لصبري لدى مدربة رقص محلية، لتبدأ أولى خطواتها في عالم الحركة والإيقاع والتعبير الجسدي.

واستمر تدريبها نحو ستة أشهر قبل أن تتوقف الدروس بسبب جائحة كورونا، غير أنّ الشغف لم يخمد في داخلها. ولما انتهت فترة الإغلاق، استأنفت تدريباتها بإصرارٍ أكبر، حتى أصبحت بحلول عام 2023م مستعدة تمامًا للتقدّم إلى الصف الثامن في معهد كيرالا كلاماندالام.

ويُعد القبول في معهد كيرالا كلاماندالام عملية شديدة التنافسية، حيث يُرفض العديد من المتقدمين لأسبابٍ تقنية أو أكاديمية.

وفي حالة صبري، جرى في البداية رفض طلبها بسبب صِغر سنّها، إذ لم تكن تستوفي الحدّ الأدنى للعمر المطلوب للقبول في المعهد. وكانت صبري حينها في الصف السادس، مما حال دون قبولها في البداية.

وبعد عامين من الانتظار، تقدّمت مجددًا في عام 2023م بطلب الالتحاق بالمعهد، وقد حظيت هذه المرة بدعم مباشر من المعلم الكبير كلاماندالام غوبـي، الذي آمن بموهبتها ودافع عن حقها في التعلم، لتُقبل أخيرًا وتبدأ رحلتها الحقيقية في فن الكاثاكالي.

وتعد صبري واحدة من الدفعة الثالثة من الطالبات في معهد كيرالا كلاماندالام، حيث تواصل تعلم أسرار فن الكاثاكالي الدقيقة والمعقدة بروحٍ يملؤها الشغف والانضباط والإصرار.

اقرأ أيضًا: المطربة الكشميرية الشابة تتحدى الصور النمطية وتشق طريقها في بوليوود

وإنّ إنجازها يتجاوز حدود التفوق الفردي، ليغدو رمزًا لقوة الفن وشموليته، ودليلًا على قدرته على تخطّي الحواجز الدينية والثقافية، ورسالةً صادقة تؤكد أن الفن هو أصدق اللغات الإنسانية، لغةٌ توحّد ولا تُفرّق، وتجمع القلوب على إيقاع الجمال المشترك الذي يسمو فوق كلّ الاختلافات. 

قصص مقترحة