نواب جهان بيغوم: أريد تمثيل الهند في جميع أنحاء العالم

22-10-2025  آخر تحديث   | 30-09-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | آواز دي وايس 
نواب جهان بيغوم: أريد تمثيل الهند في جميع أنحاء العالم
نواب جهان بيغوم: أريد تمثيل الهند في جميع أنحاء العالم

 


ريتا فرحات موكاند*

نواب جهان بيغوم هي فنانة ورسامة ماهرة حازت على تقدير دولي وعالمي،حيث نالت أعمالها الفنية إعجابًا واسعًا في جميع أنحاء العالم وفي الهند. تم تكريمها بجائزة "يودها" في بوبال لعام 2023م، وجائزة "ناري شاكتي" عام 2024م، وجائزة المرأة المتميزة لعام 2024م (وومن آف سبستنس)، وتوجت بلقب "فخر مادهيا براديش" في نفس العام. وأُطلقت لوحتها في يوم الجمهورية ضمن حملة "هر غار تيرنغا"، وقد حققت انتشارًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تضمنت عبارة"جاي هند" مكتوبة بـ 12 لغة هندية مختلفة، ما يعكس رمز الوحدة في التنوع والتعايش في الهند. وتقول نواب في حديثها مع "آواز دي وايس": "كانت اللوحة مزيجًا بين فن الخط والأسلوب الحر".

وتنحدر من العائلة الملكية في بوبال، بينما تنتمي والدتها إلى أسرة إقطاعية في مدينة ناشيك بولاية ماهاراشترا.

وتميزت نواب جهانفي مسابقات الفن والرسم خلال سنوات دراستها الجامعية. وحصلت على أول سمعة دولية لها في عام 2019م عندما دعتها فيراري وورلد في أبوظبي لعرض لوحتها التي تصور سيارة فيراري، والتي لا تزال معروضة هناك حتى الآن. كما سجلت رقمًا قياسيًا عالميًا في الرسم باستخدام سكين مطبخ، وأدخلت الذهب الخالص عيار 24 قيراطًا في أعمالها الفنية، وهو إنجاز فريد اعترف به سجل هارفارد للأرقام القياسية العالمية، لندن.

وقدمت أيضًا إبداعات فنية لمنتجع "تاج ليكفرونت" في بوبال، وتُعرض لوحاتها اليوم في مطار بوبال ومعرض سيمروزا للفنون في مومباي. وتقول: "لقد بعت أعمالي في مختلف أنحاء الهند، وكذلك في دول مثل بريطانيا وأستراليا والسعودية ودبي وجزر المالديف وأبوظبي".

وتعرف نواب جهان بيغوم بأسلوبها الفني الفريد، حيث تستخدم سكين المطبخ كأداة للرسم وتمزج لوحاتها بالذهب الحقيقي. وتتمتع بمهارة عالية في فن الخط بأكثر من 20 لغة. وحققت إنجازًا تاريخيًا كأول فنانة تدمج الذهب الحقيقي في فن الجوند، وهو فن قبلي من مادهيا براديش، وعرضته على منصات فنية عالمية. وبالإضافة إلى ذلك، تبدع في فن "ماندانا"، وهو فن تقليدي قبلي آخر من مادهيا براديش، مما يعكس حرصها على تكريم التراث الثقافي والحفاظ عليه.

وفي حديثها مع "آواز دي وايس" وصفت جهان نفسها بكونها انطوائية منذ طفولتها قائلة" "كنت أملك عددًا قليلًا من الأصدقاء وأتحدث نادرًا، حتى إن معلماتي كنّ يشتكين لأمي من قلة حديثي". لكنها كانت مبدعة بالفطرة، تغوص في عالم الرسم والتطريز والخياطة. ورغم صعوبة التواصل الاجتماعي بسبب انطوائها، جذب إبداعها الفريد الآخرين إليها من خلال أعمالها الفنية. وتأثرت كثيرًا بوالدتها الديناميكية والداعمة، التي كانت مصدر إلهام كبير لها. وعندما التحقت بالجامعة ونالت التقدير لفنها، كان الأساتذة له دور مهم في تعزيز ثقتها وإثبات موهبتها الكبيرة، مشجعين إياها على تحويل فنها إلى مهنة، وهو أمر لم تكن تفكر فيه من قبل.

ما أول ذكرى تحتفظ بها عن الرسم في طفولتك؟

في طفولتي، كنت أرسم أشياء عشوائية في حصص الفن بالمدرسة. وعندما يُتاح لنا أن نرسم ما نشاء، كنت أتأمل من النافذة وألتقط المشاهد الخارجية؛ الأشجار، الطيور، وأحيانًا بعض شخصياتي الكرتونية المفضلة أو صورًا من نسج خيالي. وبما أنني لم أكن كثيرة الأصدقاء ولا اجتماعية، أصبح الفن ملاذي وشغفي. كنت طفلة هادئة، حساسة، أراقب العالم بصمت، ولعل هذا ما زرع البذرة الأولى لأجمل ما أبدعته لاحقًا.

من هو الرسام الذي تعتبره الأعظم في نظرك؟ و من هو الفنان الذي ألهمك في مسيرتك الفنية؟

كان ليوناردو دا فينشي مصدر إلهام كبير بالنسبة لي. وأعجبت بالعديد من أعماله، وخاصة لوحته الشهيرة الموناليزا. لقد كان عبقريًا متعدد المواهب؛ رسامًا ومصممًا ومهندسًا وعالمًا ونحاتًا ومعماريًا من أعظم فناني عصر النهضة الإيطالية. وقد تميّز بإتقانه لمختلف الفنون، وبأبحاثه في تشريح جسم الإنسان.

وعندما أنظر إلى الفنانين المعاصرين وأنماط حياتهم، فقد ألهمني "بابلو بيكاسو"، الفنان الإسباني متعدد المواهب، الذي اشتهر بلوحاته التجريدية، كما كان نحاتًا وطابعًا وخزّافًا ومصممًا مسرحيًا. لقد امتاز بأسلوب مختلف تمامًا. كما تأملت بعض لوحات "كلود مونيه"، الرسام الفرنسي، ووجدت أن أسلوبي في الرسم يقترب من أسلوبه. وخلال دراستي للماجستير في الرسم والتصوير، تعرّفت إلى تاريخ الفن، وهناك أدركت أن ثقافتنا وفنوننا الهندية تتمتع بجمال استثنائي، وقد فتح ذلك أمامي رؤية جديدة كليًا للفن، ما دفعني إلى تبنّي أسلوب رسم مختلف تمامًا. وتخلّيت عن الاتجاهات الأوروبية السائدة، وقررت أن أقدّم شيئًا يعبّر عن روح الهند، ثقافتنا، وتراثنا وتاريخنا. وقد قرأت عن "راجا رافي فارما"، الذي تجسّد أعماله مزيجًا من الفن الأكاديمي الأوروبي والحسّ والرمزية الهندية الخالصة. كما استلهمت من أسلوبه، وتأثرت أيضًا بـ"مقبول فدا حسين" الذي يُحتفى به بلوحاته السردية الجريئة الزاهية الألوان ذات الطابع التكعيبي المميز، وبـ "سيد حيدر رضا" الذي عُرف بإدخال القيم والرؤى الكونية الهندية العميقة في فنهإلى جانب غيرهم من كبار الفنانين.

أي من أعمالك الفنية يمنحك أكبر شعور بالرضا؟

مع أن لديّ العديد من اللوحات المفضلة، إلا أن لوحة سيارة فيراري التي رسمتها تحتل مكانة خاصة في قلبي، لما تتميز به من درجة عالية من الواقعية. وكل من يطلّ عليها ينغمس في تفاصيلها، من الأطفال إلى الكبار، لدرجة أن بعضهم يظنها صورة فوتوغرافية.

ولوحتي التجريدية المفضلة التي أنجزتها كانت منجم الذهب، وهي اللوحة التي كسرت بها رقمًا قياسيًا عالميًا. هذه اللوحة قد تبدو معقدة قليلًا، إذ يحتاج المرء إلى قدر من الفهم العميق لاستيعابها بالكامل. فطفل يبلغ من العمر عشر سنوات أو خمس عشرة سنة قد يجدها جميلة وربما كنزًا بصريًا، لكن للوصول إلى عمقها وفهمها الحقيقي، يحتاج المرء إلى فكر متأمل، مما يزيد من الحب والتقدير للوحة. موضوع هذه اللوحة هو أهمية المعرفة. واخترت لها هذا العنوان لأن الإنسان يصبح كالذهب بعمق معرفته. فالذهب لا يُكتسب بسهولة؛ بل يحتاج المرء إلى العمل الجاد لتحقيقه. كل منا يحمل الذهب داخله، لكن علينا أن نكتشفه بالجهد والمثابرة. وأؤمن بالقول القائل" عندما تعرف نفسك وأعداءك، تعرف نتيجة معركتك، والتي ستكون نصرًا". وأولي دائمًا أهمية كبيرة للمعرفة والأدب، لأنني أؤمن بأن الفن والأدب متكاملان. والرسم شكل من أشكال الشعر يُرى بالعين.

ما هي أبرز مزايا الفن التجريدي مقارنةً باللوحات البورتريه؟

كل فنان يمتلك أسلوبه الفريد ورؤيته الخاصة للأعمال الفنية. وأرى أن مستوى البداية يكون في القدرة على إنتاج لوحات واقعية للغاية، بينما المستوى الأعلى يتجلى في ابتكار شيء لم يسبق له الوجود. الفن التجريدي، بطبيعته، غير قابل للتخطيط المسبق، فهو مرتبط بالروح بطريقة غامضة. وأثناء رسم لوحاتي التجريدية ليلًا، يتولى العقل الباطن زمام المبادرة على حساب العقل الواعي، مما يضعني في حالة انسياب ذهني تمكنني من الخروج عن قيود الواقع المادي ونقل الأفكار الداخلية مباشرة إلى اللوحة. الفن التجريدي، بهذا المعنى، ليس مجرد إعادة خلق لما هو موجود، بل إنتاج كيان فني فريد لا يمكن نسخه أو تكراره، فهو قطعة فنية واحدة لا تتكرر، وهذا ما يميز التجريد عن أي شكل آخر من الفن القابل للتكرار.

وبالنسبة لي، الفن التجريدي يحمل طابعًا فريدًا ومميزًا جدًا. لا يمكنني أن أقرر مسبقًا أنني سأرسم خمس لوحات في شهر واحد، أو أن تكون جميعها تجريدية. وأثناء عملي على الفن التجريدي، لا أعلم متى ستلمسني فكرة تلهمني للبدء في اللوحة. وأحيانًا يحدث ذلك خلال يومين، وأحيانًا قد يستغرق شهورًا. وفي إحدى الليالي، أثناء عملي على لوحة، قد أدرك فجأة رغبتي في ابتكار شيء جديد، فأدخل في تلك الحالة الذهنية الخاصة وأبدأ بالرسم التجريدي نتيجة لذلك الإلهام المفاجئ. لذلك، يمكن القول إن الفن التجريدي عشوائي وغير متوقع، ولا يمكنني تحديد عدد اللوحات التي سأتمكن من رسمها خلال شهر واحد.

برأيك، ما الدور الذي تلعبه أعمالك الفنية في إحداث تأثير إيجابي في المجتمع؟

وأرغب في التعمق أكثر لاكتشاف روائع الفنون والأدب القبلي الساحر. وأحب أن أدمج الثقافة الأدبية في لوحاتي من خلال العمل على الخطوط والكتابات، سواء من الفيدا أو القرآن، لنقل رسائل إيجابية ومُلهمة.

لقد درست أيضًا علم نفس الألوان وتأثيرها على الإنسان. وأرغب أن يكون لأعمالي الفنية تأثير إيجابي قوي على من يشاهدها. لا أريد أبدًا أن تكون لوحاتي مصدرًا للكآبة أو الحزن. فكل من يمتلك إحدى لوحاتي، يمتلك جزءًا مني. وأتمنى أن يشعر كل من ينظر إلى أعمالي بطاقة إيجابية وقوية. كما تملؤنا الشجرة الخضراء بالنشاط والحيوية، بينما تثير الشجرة اليابسة الحزن والطاقة السلبية، أؤمن بأننا نتأثر بما نراه من حولنا، ولذلك أحرص أن تكون لوحاتي مصدرًا للطاقة الإيجابية، ليستلهم الناس منها ليكونوا أكثر إنتاجية وسعادة.

هل هناك حركة نهضة فنية في الهند وفي العالم، وهل هناك أمل للفنانين في المستقبل؟

نعم، الفن لا يقتصر على المعارض واللوحات فقط. هناك فنانون في كل مكان، ويوجد مجالات واسعة يمكنهم الانخراط فيها؛ مثل التصميم الجرافيكي، وتصميم الأزياء، وفن العمارة، والرسوم المتحركة، وغيرها. مجال الفن واسع وجميل للغاية، وهناك حركة متنامية لتقدير الفن أكثر، أشبه بحركة نهضة فنية. نحن بصدد إعادة إحياء هذه القيم والإبداعات.

ما هو الهدف النهائي من أعمالك الفنية، وكيف ترين مستقبل لوحاتك بعد سنوات من الآن؟

وأتمنى أن تصل لوحاتي إلى كل دول العالم، وأن أقيم معارض فنية في كل مكان. وأنا فخورة بكوني هندية، وأرغب في تمثيل ثقافة الهند وفنونها الغنية في كل دولة. وأريد للناس أن يكتشفوا الفن الهندي بطريقة إيجابية، وأن يشعروا بعظمة تراثنا الثقافي والأدبي. كما أسعى لمساعدة الفقراء ورعايتهم، لذلك أخصص جزءًا من عائدات بيع لوحاتي لإطعام المحتاجين، لأنني أؤمن بأن أفضل طريقة لرد الجميل للمجتمع هي التعليم أو الإطعام.

اقرأ أيضًا: المطربة الكشميرية الشابة تتحدى الصور النمطية وتشق طريقها في بوليوود

وأتمنى أن تُعرف لوحاتي وتُقدَّر وتُثمن، فهذا ما أتطلع إليه دائمًا. أؤمن بأن ما يزرعه الإنسان يحصده، وأؤمن بالكارما. وعندما يحين وقت رحيلي عن هذا العالم، أريد أن يتذكرني الناس بطريقة إيجابية ومشرقة. وحتى بعد غيابي، أريد أن تواصل لوحاتي منح من يشاهدها طاقة جميلة ومليئة بالفرح.

*كاتبة مستقلة