شعبية الأفلام الهندية في العالم العربي

Story by  آواز دي وايس | Posted by  M Alam | Date 23-04-2024
فيلم باغبان
فيلم باغبان

 

تبريز أحمد: نيودلهي

تتصدر السينما الهندية المرتبة الأولى عالميًا في إنتاج الأفلام، فهي تنتج حوالي 1000 فيلم روائي طويل سنويًا بالإضافة إلى الأفلام الوثائقية، ويُقدر المشاهدون بحوالي خمسة ملايين يوميًا. وقد شهدت السينما الهندية انتشارًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، واكتسبت شريحة واسعة من المتابعين لأفلامها في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في العالم العربي، برقصها وموسيقاها وقصصها الميلودرامية ورومانسيتها وأغانيها التي تنفرد بها السينما الهندية.

وقصة شعبية السينما الهندية في العالم العربي وخاصة في غربه قديمة. ويعود تاريخها إلى بداية ما بعد الكولونية والاستعمارية في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات. وعرفت السينما الهندية في العالم العربي من خلال مدينة مغربية اسمها طنجة وهي تعرف أيضًا بـ"مدينة المضيق" لوقوعها في آخر جزء العالم العربي على المضيق الذي يطل على المحيط الأطلسي ويؤدي دور بوابة إلى الغرب من جهة جبل الطارق.

ودخلت السينما الهندية في المغرب ومنه إلى العالم العربي كله بواسطة الجالية التجارية الهندية التي تسكن في مدن المغرب منذ العهد الاستعماري. وهاجرت هذه الجالية التجارية من الهند خلال الحرب العالمية الثانية بسبب تصاعد القمع السياسي من قبل الحكومة البريطانية الاستعمارية إلى مدينة طنجة التي قد أصبحت منذ 1923م منطقة دولية خالية من الرسوم الجمركية وتمتعت بحرية التبادل والتجارة. ومن بين تجارها كان موتي تشاندر ماني، تاجر الملابس، الذي كان يصدر أحيانًا الأفلام الهندية من مومباي ويوزع في المغرب ثم ترك تجارة الملابس وأخذ في تصدير الأفلام الهندية. وكانت الأفلام الهندية أولا تُعرض في دور السينما بشكل محدود بين الجالية  الهندية، لكنها بدأت تحظى بشعبية بين بعض الجماهير المغربية، وسرعان ما اكتسبت غرب العالم العربي ثم شرقه مثل تونس والجزائر، ومصر والعراق وغيرها من البلدان العربية التي كانت تناضل من أجل تحريرها من الاستعمار الفرنسي والبريطاني.

ومع مرور الزمن وتطور وسائل الاتصال والإعلام، ازدادت شعبية السينما الهندية، وبدأت تستهلك بشكل أكبر، سواء من خلال عروض السينما أو البث التلفزيوني أو توافرها عبر الإنترنت من خلال منصات البث الرقمي. وأصبحت السينما الهندية جزءًا لا يتجزأ من ثقافة السينما العربية مع الإقبال الكبير على عروض الأفلام الهندية في دور السينما، وارتفاع معدلات المشاهدة للأفلام والمسلسلات الهندية على التلفزيون والإنترنت.

ويعود الفضل بكثير في جعل السينما الهندية شعبية ومقبولة لدى الجماهير العربية إلى دبلجتها إلى اللغة العربية. وتقوم الدبلجة بدور ريادي في جعل الأفلام شعبية ومقبولة لدى الجماهير، خاصةً في البلدان التي لا تتحدث اللغة الأصلية للفيلم. وتمكن الدبلجة تقريب الجماهير من قصة الفيلم من خلال تجاوز حواجز اللغة وتكييف الفيلم مع الثقافة واللهجة المحلية للمشاهدين، وهذا يزيد من توسع الجمهور المستهدف ومن انتشار الأفلام ونجاحها التجاري وتعزيز التفاعل الثقافي والفني بين مختلف الثقافات واللغات.

 ومن بين المدبلجين في غرب العالم العربي، يبرز اسمان بشكل خاص؛ إبراهيم السايح (1925-2011م) ومحمد الحسيني (ما زال على قيد الحياة). ويعتبر إبراهيم السايح رائد دبلجة الأفلام الهندية إلى العربية وكذلك رائد السينما المغربية أيضًا. ويعد أول من بدأ تجربة دبلجة الأفلام الهندية وغيرها إلى العربية، وقام بدبلجة  الأفلام الهندية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية إلى اللهجة العامية المغاربية بعدد كبير  ابتداءً من أربعينيات القرن الماضي. وقام أيضًا بتجربة صناعة الأفلام المغربية. وكان له الفضل في دبلجة أكثر من 148 فيلمًا هنديًا إلى اللغة العربية، وبعضها حصلت مكانة الأيقونات في العالم العربي مثل "منكلا البدوية" (آن)، و"ساحر جهنم" (بهت دن هوئے)، و"ساقي ومصباح علاء الدين" (ساقي)، و"كوهِ نور"، و"رستم سهراب"، و"الهاربون من جهنم" (ديوتا)، و"طريق العمال" (نيا دور) و"جِيت"، و"الصداقة"، و"أمنا الهند" (مدر إنديا)، و"أمنا الأرض" (اُپكار)، و"أموت من أجل أمي" (ديوار)، وغيرها من الأفلام التي كانت تحمل في جعبتها مغازي إنسانية ورسائل تربوية واجتماعية تساهم في بناء التضامن الوطني من خلال استعادة الثقة بالقيم الشرقية.

وكان إبراهيم السايح لا يعرف اللغة الهندية بنفسه، بل كان يستعين في دبلجته بترجمة الفيلم المكتوبة على الشريط، وربما يساعده في دبلجته أحد الهنود من الجالية الهندية بالمغرب. ولتقريب الجماهير من القصة وتكييف الفيلم مع الثقافة واللهجة المحلية للمشاهدين، كان يدبلج الأفلام الهندية إلى اللسان الدارج ويتصرف في عناوين الأفلام حسب الأذواق المحلية لكي تتلقى قبولاً عامًا من جمهور السينما.

وتعرف السينما الهندية بثلاثة مراحل على وجه العموم. والمرحلة الأولى تبدأ بالخمسيينات وتنتهي في السبعينيات. وتعرف هذه المرحلة بتمثيلها الحياة الريفية وكفاحاتها اليومية العامة وبناء الوطن وخلق التضامن الوطني. ثم تحولت عدسات السينما الهندية من الريف إلى الحضر في الثمانينيات، وهذه كانت المرحلة الثانية للسينما الهندية وتتميز بتركيزها خاصة على غضب الشباب على المسائل الاجتماعية مثل الفقر والجوع والبطالة والفساد وعدم المساواة الاجتماعية والتجاوزات الوحشية لحالة الطوارئ. ثم تحولت العدسات في التسعينيات خارج البلاد إلى المدن الكبرى الأمريكية والأوروبية مثل نيويورك، وشيكاغو، ولندن، وبرلن وبارسلونا وغيرها، وهذه كانت المرحلة الثالثة للسينما الهندية والتي تعرف بتمثيلها العالم السحري وبيع الأحلام وإثارة الشوق والحب والهيام والسعي لتحقيقه ضمن محيط شائك وظروف معانِدة. وتم إعادة تسمية السينما الهندية في هذه الفترة ببوليوود على طراز هوليوود. ويعرف إبراهيم السايح بدبلجة الأفلام في المرحلتين الأوليين.

ومن جانب آخر، يتعلق محمد الحسيني المترجم الحالي بالمرحلة الثالثة من الأفلام الهندية. إنه يعرف اللغة الهندية حيث يتقن اللغتين الأردية والهندية نطقًا وكتابةً. وقد دبلج بعض أفلام هندية وترجم كثيرًا منها مع راميش ملواني الموزع الشهير للأفلام الهندية بالمغرب في شركة "أمل فيلم" وشركة "لندن فيلم" لتوزيع الأفلام السينمائية وخاصة الهندية في العالم العربي. ومن ترجماتها الشهيرة: البستاني (باغبان)، والخطايا (گناه)، واسمك (تيرے نام)، والعلاقات (رشتے)، ومن أعماق القلب (دل سے)، وقلب الأسد (شير دل)، وقل شيء أنت أقول شيء أنا (کچھ تم کہو کچھ ہم کہیں)، والفكرة (سوچ). ويُعتبر محمد الحسيني مدبلجًا ومترجمًا محترفًا، وله دور كبير في جعل الأفلام الهندية شعبية ومحبوبة بين الجماهير الناطقة باللغة العربية من خلال ترجمته ودبلجته.

كانت ولا تزال تحظى الأفلام الهندية بشعبية كبيرة في العالم العربي في جميع مراحل تطورها، بدءًا بأفلام الأسطورة والخرافة إلى تجسيد الحياة الريفية وكفاحاتها اليومية العامة لبناء الوطن، مرورًا من الأفلام الاجتماعية أو الواقعية، وصولاً إلى الأفلام التي تكرس على فكرة الحلم والسعي لتحقيقه، بسبب قيمها الجمالية والثقافية والسياسية وجودة إخراجها وحسن موسيقاها وأدائها، وتتميز خاصة بالرقص، والغناء، والموسيقى والقصة الميلودرامية.

تبريز أحمد باحث في المركز الثقافي العربي الهندي بالجامعة الملية الإسلامية بنيودلهي