إيم عالم/ نيودلهي
ألقى عارف محمد خان، حاكم ولاية بيهار، يوم الأربعاء، المحاضرة التذكارية السنوية الخامسة لخان عبد الغفار خان بعنوان: "تأملات في الثقافة الهندية: فهم صوتها العالمي"، التي نظمها مركز دراسة الاندماج الاجتماعي بالجامعة الملية الإسلامية في نيودلهي، بمشاركة عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس والمسؤولين والطلبة في الجامعة.
وأُقيمت المحاضرة التذكارية السنوية إحياءً لذكرى خان عبد الغفار خان، الزعيم البشتوني البارز، وأحد أعمدة حركة النضال من أجل استقلال الهند، ورفيق المهاتما غاندي.
وأشار الحاكم خان إلى قيم السلام واللاعنف التي شكّلت مسار حياة خان عبد الغفار خان وعمله، حيث إنه "حوّل البشتون القبليين إلى شعبٍ مُحبّ للسلام"، منوهًا بإسهامات خان عبد الغفار خان العظيمة وتضحياته في نضال الهند من أجل الاستقلال عن الحكم البريطاني، واصفًا إيّاه بأنه "نجمُ حركة حريتنا، ولذلك لُقّب بـ"غاندي الحدود".
وفي خطابٍ حافلٍ بالمراجع التاريخية، تحدّث الحاكم عارف محمد خان -مستشهدًا بأبرز الفلاسفة والقديسين الهنود والفرس والعرب واليونانيين، إضافةً إلى النصوص الدينية- عن السمات المميّزة للثقافة الهندية. وقال: "إن الدراسة المتعمّقة لتعاليم كبار القدّيسين، من آدي شانكاراتشاريا وصولًا إلى سوامي فيفيكاناندا، والممتدّة جذورها في فلسفة الفيدانتا وتعاليم الأوبانيشاد، تكشف أن الثقافة الهندية تقوم على رؤيةٍ لثقافةٍ عالمية لا تنظر إلى الإنسان من خلال السمات المرتبطة بالهوية مثل الطبقة أو اللون أو العقيدة.

وأشار الحاكم عارف محمد خان إلى أنه من بين الحضارات الخمس الكبرى التي شهدها العالم "تظلّ الحضارة الهندية أعظمها، لأنها معروفة بنشر المعرفة والحكمة".
واستحضارًا لأحد أرقى شعراء اللغة الأردية في شبه القارة الهندية، العلّامة محمد إقبال، قال إن البيت (میر عرب کو آئی ٹھنڈی ہوا جہاں سے۔میرا وطن وہی ہے میرا وطن وہی ہے) يشير إلى الهند بوصفها الأرض التي انطلقت منها النسائم الباردة، المحمّلة بالمعرفة والحكمة، وامتدّ عطاؤها إلى العالم العربي وسائر أرجاء العالم.
ولفت عارف محمد خان إلى رسالة سوامي فيفيكاناندا الشهيرة إلى العالم "رسالة الهند إلى البشرية"، التي شدّدت على الروحانية الكونية، والألوهية الكامنة في كلّ فرد، والطبيعة العملية للصلاة والعبادة، والمعرفة العليا المنبثقة من التجربة، وكرامة الإنسان، واعتبرها الحلَّ الأوحد أو الرسالة الأسمى التي تقدّمها الهند والقادرة على تخفيف مشكلات الحروب والمعاناة التي يواجهها العالم اليوم.
ومن جانبه، قال شيخ الجامعة الملية الإسلامية، الأستاذ الدكتور مظهر آصف، إن الجامعة تُعدّ نموذجًا متميّزًا لأرقى مستويات التعليم على الصعيدين الوطني والدولي، لأنها تستند إلى مبادئ التعاطف، والتعايش، والثقافة، والتعليم، والتربية، والتعليم القائم على المهارات والقيم، والإخلاص للوطن، وخدمة المجتمع.

وأكد الأستاذ مظهر آصف أن التقاليد الثقافية للهند تتمحور حول التعاطف، والتعايش، والحوار، والتعليم، والانضباط الذاتي، وتمكين الفئات الأضعف في المجتمع. كما سلّط الضوء على تنوع الحضارة الهندية وتعدديتها الخالدة، مشيرًا إلى أهمية هذه القيم التي جسّدها خان عبد الغفار خان في حياته خير تجسيد.
وأشار شيخ الجامعة آصف إلى أن الأسس الروحية والأخلاقية للثقافة الهندية تحمل جاذبيةً عالمية، ولا تزال تُلهم المجتمعات وتسهم في توجيهها نحو السلام والاحترام المتبادل.
ومن جهته، قال الأستاذ الدكتور محمد مهتاب عالم رضوي، مسجل الجامعة، في كلمته، إن مفهوم القومية الذي طرحه خان عبد الغفار خان كان مصدر إلهامٍ للوطنيين آنذاك لتوحيد صفوفهم في مواجهة الحكم الاستعماري. وأوضح أن "غاندي الحدود"، الذي أسّس الحركة اللاعنفية المناهضة للاستعمار "خُدائي خدمتغار"، قد كرّس حياته لخدمة قضية استقلال الهند والشعب البشتوني، ولذلك ظلّ هدفًا دائمًا للسلطات البريطانية.
وأكّد الدكتور رضوي أن إيمان خان عبد الغفار خان بالوحدة واللاعنف كطريق إلى الحرية كان راسخًا، مستشهدًا بالألم العميق الذي شعر به عندما سمع خبرَ الاقتراح القاضي بتقسيم الهند، إذ كان يعتقد دائمًا بأن حرية الهند هي جوهر حرية كل جنوب آسيا. وأضاف قائلاً: "إن قيم القومية الشاملة، والعَلمانية، والتعاطف، والمقاومة باللاعنف كانت مرتكزًا لإيمانه بأن تقدّم الهند يكمن في بهارات موحّدة، وشاملة وديمقراطية"، لافتًا إلى "لقد شكّل إرثُ عبد الغفار خان تذكيرًا قويًا بأن القومية الحقيقية تقوم على الانسجام والعدالة وكرامة الإنسان وروح بهارات الموحّدة".
اقرأ أيضًا: كلا كارنيفال": منصة طلابية تعيد رسم ملامح الفنون في الجامعة الملية الإسلامية
وتجدر الإشارة إلى أن الجامعة الملية الإسلامية هي الجامعة الوحيدة في البلاد التي استحدثت هذه المحاضرة التذكارية عام 2017م تخليدًا لمسيرة خان عبد الغفار خان وإرثه الإنساني. وكان خان عبد الغفار خان قد مُنح عام 1987م أرفع وسام مدني في الهند "بهارات راتنا"، وذلك تقديرًا لإسهاماته في إرساء السلام وخدمة الإنسانية.
وفي السابق، أُلقيت المحاضرات التذكارية السنوية لخان عبد الغفار خان من قبل نخبة من العلماء والمفكّرين البارزين؛ فقد قدّمها: راج موهان غاندي، حفيد المهاتما غاندي، عام 2017م؛ والرئيس التنفيذي السابق لـ "نيتي آيوغ"، أميتاب كانت، عام 2018م؛ والأستاذة الفخرية في جامعة جواهر لال نهرو، البروفيسورة ضويا حسن، عام 2019م؛ والبروفيسورة شروتي كابيلا من جامعة كامبريدج، عام 2020م.