وادي الزهور - حديقة وطنية ساحرة

15-04-2025  آخر تحديث   | 15-04-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | رضوان الرحمن 
وادي الزهور -  حديقة وطنية ساحرة
وادي الزهور - حديقة وطنية ساحرة

 


رضوان الرحمن

يُعد وادي الزهور الذي يُعرف أيضًا بحديقتي وادي الزهور وناندا ديفي الوطنيتين، من أبرز الحدائق الوطنية التي تقع في أعالي الجبال التي يصعب الوصول إليها لعامّة الناس. كما تُصنّف هذه المنطقة ضمن المناطق شبه المحظورة، نظرًا لهشاشة نظامها البيئي واحتضانها أنواعًا نادرة ومهدّدة بالانقراض من النباتات والزهور. ويزور هذا الوادي سنويًا عدد محدود من الزوّار الهنود، إلى جانب الباحثين والعلماء، الذين يأتون للاستمتاع بمشاهدة الطبيعة في أبهى صورها، حيث السحر والجمال والروعة تتجلّى في كل زاوية من زواياه.

وادي الزهور من أجمل المناطق السياحية في الهند، لما يتميّز به من جمال وسحر يجعلان منه وجهةً يقصدها السيّاح من مختلف أنحاء العالم. وتغطّي المنطقة بأكملها الثلوج والنباتات والشجيرات، وتتدفّق منها الشلالات والأنهار والجداول، وتبزغ منها فجأة سجادة زهور تضم ما بين 300 إلى 500 من الأنواع النادرة من كل النواحي والتي تتفتّح وتزدهر في شهري أغسطس وسبتمبر من كلّ عام، ممّا يجعل هذا الوادي واحدًا من أجمل المواقع السياحية في العالم.

استكشاف وادي الزهور

لم يكن وادي الزهور معروفًا للعالم الخارجي لفترة طويلة بسبب صعوبة الوصول إليه. وفي عام 1931م، ضلّ متسلّقو الجبال البريطانيون- فرانك سي. سميث، وإريك شيبتون، وآر. إيل. هولدزورث- طريقهم أثناء عودتهم من رحلة استكشافية ناجحة إلى جبل كاميت، فصادفوا هذا الوادي الزاخر بالزهور المتنوعة. وقد أسَرهم جماله وروعة طبيعته، فأطلقوا عليه اسم "وادي الزهور". ولاحقًا، ألّف فرانك سي سميث كتابًا يحمل الاسم نفسه. وفي عام 1939م، وصلت السيدة جوان مارغريت ليج (1885-1939م)، وهي عالمة نبات مُوفدة من حدائق كيو النباتية الملكية في بريطانيا إلى الوادي بهدف دراسة تنوع زهراته، ولكن أثناء عبورها أحد المنحدرات الصخرية لجمع عينات نباتية، انزلقت وسقطت فلقيت حتفها. فزارت شقيقتها الوادي فيما بعد، وأقامت نصبًا تذكاريًا بالقرب من موقع الحادث، والذي لا يزال موجودًا إلى يومنا هذا.

وأجرى البروفيسور تشاندرا براكاش كالا، عالم النبات المنتدب من معهد الحياة البرية في الهند، دراسةً بحثيةً حول علم الأزهار وسبل الحفاظ على وادي الزهور لمدّة عقد من الزمان، بدءًا من عام 1993م. فأجرى جردًا لخمسمئة وعشرين نوعا من النباتات الجبلية التي تنمو حصريًا في هذه الحديقة الوطنية. كما ألّف كتابين في هذا المجال، هما: "وادي الزهور - الأسطورة والواقع" و"علم البيئة والحفاظ على حديقة وادي الزهور الوطنية، غارهوال هيمالايا".

حيوانات ونباتات حديقتي وادي الزهور وناندا ديفي الوطنيتين

تُعدّ هذه المنطقة ملاذًا للعديد من الحيوانات المهدّدة بالانقراض، مثل الدبّ الآسيوي، ودبّ الهيمالايا، والكبش الأزرق، ونمر الثلوج، والأرنب، والثعلب، والفأر وغيرها من الحيوانات. كما تحتضن المنطقة عددًا من الطيور، منها النسر الذهبي، والبيدق، وحمامة الجبال، وغيرها. وإلى جانب النباتات المزهرة الخلابة، تنتشر في الوادي فراشات بألوان وأنواع متعددة، ترفرف من زهرة إلى أخرى، ما يُضفي على المكان سحرًا طبيعيًا يأسر القلوب.

وهناك الكثير من الزهور العادية، إلى جانب عدد من الزهور النادرة، مثل الخشخاش الأزرق، والزنبق الفاخر، والأقحوان الأبيض، والأذريون، وشقائق النعمان الكاملة، وغيرها. وتُعدّ أراضي هذا الوادي غنية أيضًا بالنباتات الطبية، التي يقوم السكان المحليون بجمعها كل عام بعد ذوبان الثلوج، ثم يبيعونها لشركات متخصصة في إنتاج المستحضرات الصيدلانية. وتنبت هذه النباتات والأعشاب الطبية في مروج الوادي وعلى منحدرات جبل ناندا ديفي الحادّة.

ويتميّز وادي الزهور وحديقة ناندا ديفي بجمال طبيعي فريد، خلقته الطبيعة نفسها. وقد دفعت هذه الفرادة الحكومة الهندية إلى إعلان وادي الزهور حديقة وطنية ومحميّة من محميات البلاد في عام 1982م. وفي عام 2005م، أُدرج الوادي ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، كما تم الاعتراف به كخزان حيوي ذي أهمية بالغة. وتغطّي الحديقتان مساحة قدرها 71,210 هكتارات، وتحيط بهما منطقة عازلة واسعة تبلغ مساحتها 514,857 هكتارًا، وتضم مجموعة متنوعة من المرتفعات والموائل الطبيعية للحيوانات والنباتات النادرة.

تقع حديقتا وادي الزهور وناندا ديفي على ارتفاع يتراوح بين 3500 و4500 متر فوق سطح البحر، في منطقة تشامولي ضمن غاروال بولاية أوتراخاند. وتشمل المناظر الطبيعية الخلّابة لوادي الزهور تضاريس جبلية وعرة لوادي جبل ناندا ديفي. وتشكّل الحديقتان معًا منطقة انتقالية فريدة بين سلسلتي جبال زانسكار والهيمالايا الكبرى، وهي منطقة لطالما حظيت بإعجاب متسلّقي الجبال وعلماء النبات لأكثر من قرن. كما بقيت المنطقة من أجزاء الأساطير الهندوسية منذ زمن غابر. كما بقيت المنطقة من أجزاء الأساطير الهندوسية منذ زمن غابر. ويعد هذا المكان أيضًا مثاليًّا لالتقاط الصور وتسجيل الفيديوهات بفضل وجود مجموعة متنوّعة من نباتاته المتوطّنة وجمال طبيعته الأخّاذة.

وتتمتّع حديقتا وادي الزهور وناندا ديفي الوطنيتان بحماية طبيعية جيدة نظرًا لصعوبة الوصول إليهما. وتقوم إدارة الغابات الحكومية بمراقبة منتظمة للطرق المحدودة التي تتيح الوصول إلى هاتين الحديقتين. وتخضع كلتا الحديقتين لمستويات منخفضة للغاية من الاستخدام البشري، ولكن توجد الآن أنشطة سياحيّة بيئيّة محليّة على نطاق محدود، يتم تنظيمها وتسهيلها من قبل إدارة الحديقة. وقد فُرض حظر على رعي المواشي داخل هاتين الحديقتين منذ عام 1983م. كما مُنعت أنشطة تسلّق الجبال والمغامرات داخل حديقة ناندا ديفي الوطنية منذ العام نفسه، وذلك بسبب تراكم القمامة والتدهور البيئي الناجم عن هذه الأنشطة في الماضي. وتتمّ مراقبة أوضاع النباتات والحيوانات وموائلها الطبيعية داخل الحديقتين من خلال بعثات علميّة تُجرى مرّة كل عشر سنوات منذ عام 1993م.

وتشير نتائج المسوحات وتحليل السلاسل الزمنية لبيانات الاستشعار عن بُعد إلى تحسّن ملحوظ في حالة النباتات والحيوانات وموائلها الطبيعية داخل حديقة ناندا ديفي الوطنية. كما تشير الدراسات والمسوحات السنوية في حديقة وادي الزهور الوطنية إلى الحفاظ على حالة النباتات والحيوانات ومواطنها. وتتمتّع جميع الحدائق الوطنية والغابات المحمية في المنطقة العازلة لمحمية ناندا ديفي للمحيط الحيوي بحماية جيّدة وتجري العناية بها وفقًا لأساليب إدارة الحياة البرية.

موقع وادي الزهور ومناخه وطرق الوصول إليه

أقرب مدينة رئيسة من وادي الزهور هي "جوشيماث" في مديرية غارهوال، على الطريق المؤدي إلى هاريدوار ودهرادون. وتبعد كل من هاريدوار ودهرادون حوالي 270 كيلومترًا جنوب جوشيماث. وتتوفر أيضًا عدة قطارات سريعة من دلهي إلى هاريدوار يوميًا، ومن هناك يمكن مواصلة الرحلة بالحافلات أو السيارات إلى "غوفيندغات" مرورًا بريشيكيش. وتقع غوفيندغات على بُعد نحو 24 كيلومترًا قبل الوصول إلى "بادري ناث"، إحدى أهم وأقدس الوجهات الدينية لدى الهندوس. كما يمكن السفر بالحافلة أو السيارة مباشرةً من دلهي إلى غوفيندغات، التي تقع على بعد نحو 500 كم. وغوفيندغات هي قرية صغيرة تقع بالقرب من جوشيماث، من حيث تبدأ الرحلة إلى وادي الزهور. وتنقل السيارات الزوار من غوفيندغات إلى نقطة الانطلاق الواقعة على بُعد أربعة كيلومترات، ثم يُواصلون السير على الأقدام لمسافة 11 كيلومترًا حتى يصلوا إلى "غانغاريا"، وهي مستوطنة جبلية صغيرة تقع على بُعد نحو ثلاثة كيلومترات (قرابة ميلين) من وادي الزهور. كما يُمكن أن يقوم الزوار باستئجار حمال أو بغل أو حوّامة للوصول إلى غانغاريا. وتُعتبر الرحلة من غوفيندغات إلى غانغاريا رحلة عادية إلى معبد السيخ الشهير غوردوارا شري هيمكوند صاحب في هيمكوند. ولذا من المرجح أن يجد السياح العديد من الحجاج السيخ على طول الطريق. وعند الاقتراب من غانغاريا، يستقبل الزوارَ مشهد ساحر لحقول الزهور البرية العطرة وشجيرات الورد والفراولة البرية على جانبي الطريق.

ويتعيّن على زوّار وادي الزهور الحصول على تصريح من إدارة الغابات في غانغاريا، ويكون هذا التصريح صالحًا لمدة ثلاثة أيام. ويتطلّب الوصول إلى وادي الزهور رحلة سير على الأقدام لمسافة تقارب 17 كيلومترًا من آخر المحطة. ويُسمح بالزيارة والمشي لمسافات طويلة خلال النهار فقط، ولا يُسمح للزوار بالبقاء داخل الحديقة الوطنية في الليل. ويُعدّ الوقت الأمثل لزيارة وادي الزهور بين شهري يوليو وأوائل سبتمبر، حين يكون الوادي في ذروة تألّقه، مغطّىً بطبقات من الزهور التي تتفتح مع بداية موسم الرياح الموسمية في المنطقة.

ويقع وادي الزهور في الأجزاء الداخلية من جبال الهيمالايا، فيتميّز حوض ناندا ديفي بمناخ محلي مميّز. وعلى الرغم من الجفاف النسبي وانخفاض معدلات هطول الأمطار السنوية، فإن الأمطار الموسمية الغزيرة تهطل من أواخر يونيو حتى أوائل سبتمبر. ويساعد الضباب السائد والغيوم المنخفضة خلال موسم الأمطار في بقاء رطوبة التربة، مما يجعل النباتات أكثر خصوبة من المعتاد في وديان الهيمالايا الداخلية الأكثر جفافًا. وفي كثير من الأحيان، يكون هناك ضباب كثيف وأمطار، خاصةً خلال موسم الأمطار الصيفي المتأخر. كما يكون كل من الحوض والوادي مغطًى بالثلوج لحوالي ستة أشهر، من أواخر أكتوبر إلى أواخر مارس، حيث يتراكم الثلج بشكل أعمق وعلى ارتفاعات منخفضة في الجوانب الجنوبية والشمالية المظللة من الوديان.

اقرأ أيضًا: حديقة كانها-كيسلي الوطنية: جوهرة الحياة البرية في قلب الهند

فتعد حديقتا وادي الزهور ونانداديفي الوطنيتان من عجائب الطبيعة وغرائبها لما تضمانه من أنواع نادرة وعجيبة من النباتات والأزهار والحشرات والحيوانات. تتميز هذه المنطقة أيضًا بكونها مصدرًا كبيرًا للنباتات الطبية التي تستخدم في إنتاج المستحضرات الصيدلية الحيوية. وإلى جانب ثروتها البيئية، تحتضن المنطقة عددًا من الأماكن المقدسة لدى الهندوس والسيخ، مما يضفي عليها بعدًا روحيًا وثقافيًا فريدًا. وتترك زيارة الحديقتين، بما فيهما من سحر وجمال، أثرًا لا يُنسى في نفوس الزوّار، يدفعهم للعودة إليها مرارًا وتكرارًا.

أ.د. رضوان الرحمن هو أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية ورئيسه سابقًا، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي