أدب نائم في طبقات الأرض

13-09-2025  آخر تحديث   | 13-09-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | يوسف أبو لوز 
أدب نائم في طبقات الأرض
أدب نائم في طبقات الأرض

 


 يوسف أبو لوز

لا تتوقف المخيلة الشعبية في كل ثقافات وحضارات العالم عن إنتاج أدب إنساني عظيم قابل للقراءة والتفاعل في كل جهات الأرض، ولعلّ هذه القابلية العالمية، إن جاز التعبير، ناجمة في الأصل عن المشتركات المتخيلة، أو المشتركات الحكائية بين الشعوب.

من حكايات أقوام "الايبو" التي جمعها الباحث د. ستيفن بلجر في كتابه "أساطير النشوء الإفريقية" الصادر عن مشروع "كلمة" في أبوظبي، نقرأ قصة طائر اسمه اغبوغو أو أبو قرن، وَيُروى أنه حين ماتت أمه لم يجد هذا الطائر مكانًا يدفنها فيه، لذلك، دفنها في رأسه، ومنذ ذلك الزمان يتميز رأسه بقلنسوة عظيمة.

قبل نحو عامين كان موضوع معهد الشارقة للتراث هو التراث الحكائي الشعبي والأسطوري للطيور، تاريخها الثقافي والطبيعي، سردياتها الشعبية، والمشتركات الثقافية المتعلقة بأدب الطير في الحضارات والثقافات الحية، وصدرت عن المعهد مجموعة من الكتب تتصل بهذا الموضوع الأدبي والثقافي، وأحسب أن هذه المنظومة من الكتب ذات الصلة بحياة الطير وسردياتها الأسطورية هي كنز للشعراء والروائيين لما فيها من مادة أدبية وثقافية يُبنى عليها ومن الممكن توظيفها في الكتابة الأدبية الجديدة.

هل يقرأ الجيل الأدبي، الإماراتي والعربي عمومًا مثل هذا الأدب الشعبي المحلي أو العالمي؟ سؤال يحتاج إلى استطلاع ميداني بالطبع، ولكن من يتابع حركة النشر والترجمة في الإمارات خلال الثلاثة عقود الأخيرة، يلاحظ أن هناك العشرات من العناوين الحكائية العالمية المستندة في الكثير منها إلى طاقة الإبداع التي تقوم على المخيلة الشعبية مثل ذلك النموذج الحكائي في قصة الطائر الذي دفن أمه في رأسه.

قبل سنوات اتجه أحمد راشد ثاني إلى جمع حكايات شعبية إماراتية من هذا النوع الأدبي التخيلي والواقعي في مجموعة من الكتب التي اتخذت شعبية أدبية تراثية، ولكنها ظهرت في بحث أحمد راشد ثاني وكأنها تكتشف للمرة الأولى، وفي الوقت نفسه تحمل طاقة أدبية جديدة يمكن توظيفها في الكتابة الإماراتية الجديدة.

في الجزء الثالث من كتاب "الإمارات في ذاكرة أبنائها" للباحث والصحفي الميداني الاستقصائي عبد الله عبد الرحمن، وفي بعض الكتب التراثية للباحث عبد الله الطابور، والتراث البحثي الميداني النظيف للشاعر والصحفي الجزائري عيّاش يحياوي، وعمار السنجري، وغيرهم من كتّاب ومثقفين إماراتيين وعرب مقيمين في الدولة، نجد أدبًا شعبيًا حكائيًا وسرديًا، يقوم على الشعر والقصة والرواية بمعناها الشعبي (الرواة الشعبيون)  نجد الكثير من "الخلايا الأدبية" النائمة، إن جازت العبارة، في هذه السردية البحثية الطويلة التي أنجزها أولئك الكتّاب الإماراتيون والعرب المقيمون منذ الثمانينات وإلى اليوم.

البعض من هؤلاء الكتاب باحثون متخصصون، والبعض منهم شعراء، وهناك صحفيون، وهناك من دفعته غريزته البحثية أو الشعبية للبحث عن حكايات المخيلة البشرية الأولى في بيئة ثقافية شعبية بكر تحمل بين طبقاتها الأسطورية والانثروبولوجية الكثير الكثير من "الأدب النائم" ويحتاج، فقط، إلى من يوقظه.

قصص مقترحة