أبو سعيد الأنصاري*
فقدت ولاية آسام في 19 سبتمبر 2025م، أحد أبرز رموزها الفنية والثقافية برحيل الفنان الأسطوري زوبين غارغ عن عمر يناهز الثانية والخمسين عامًا، بعد حادث مأساوي في سنغافورة. ووفق شهادة الوفاة الرسمية، كان السبب المباشر للوفاة هو الغرق، بينما أوضحت زوجته أن زوبين أصيب بـنوبة صرع مفاجئة أثناء السباحة إثر غوصه من سفينة يخت، مما أفقده السيطرة وأدّى إلى غرقه رغم محاولات الإنقاذ السريعة.
ورحيل زوبين لم يكن مجرد خبر وفاة، بل صدمة هزّت الشمال الشرقي للهند وأدخلت آسام في حداد جماعي، إذ لم يكن مجرد مطرب؛ بل كان روحًا ثقافية وصوتًا متمردًا وإنسانًا عطوفًا. تجاوزت أغنياته ضفاف نهر براهمابوترا لتصل إلى شاشات بوليوود وكبرى المسارح الأخرى، لتجعل من اسمه رمزًا فنيصا يتجاوز الحدود.
مسيرة فنية استثنائية
وُلد زوبين دا عام 1972م في مدينة تورا بولاية ميغالايا، وبدأ رحلته الموسيقية مبكرًا بألبومه الشهير أناميكا (1992م) الذي غيّر وجه الأغنية الآسامية. وبصوته العذب ولغاته المتعددة، غنّى بأكثر من 40 لغة، بينها الآسامية، والهندية، والبنغالية، والتاميلية، والتيلوغو، والمليالم، والماراثية، والأورية، والإنجليزية، إضافةً إلى لغات القبائل مثل الكاربي والميسينغ والبورو. وسجّل أكثر من 38 ألف أغنية، وبلغت شهرته ذروتها مع أغنية "يا علي" (2006م) من فيلم "غانغستر" التي انتشرت في أنحاء الهند كلها. وهذه الأغنية بدورها متأثرة بأغنية عربية، وهي "يا غالي".
وبقي قلبه، رغم نجاحه في بوليوود، معلقًا بآسام. وكان يؤكد دائمًا أن هويته تنبض مع نهر براهمابوترا.
فنان متعدد المواهب
لم يكن زوبين مجرد مغنٍ، بل موسيقيًا متكاملًا، يعزف على أكثر من 12 آلة، بينها الطبلة والغيتار والهارمونيوم والدوتارا. وعمل ملحنًا ومخرجًا موسيقيًا، كما شارك ممثلًا في أكثر من 27 فيلمًا آساميًا، مثل "ميشن شائنا"، و"كانشينجونغا"، وأثبت أنه أحد أعمدة السينما المحلية.
وكرّمته جامعة العلوم والتكنولوجيا بميغالايا في مايو 2024م، بمنحه الدكتوراه الفخرية في الأدب تقديرًا لمساهماته الفنية والثقافية.
قلب إنساني نابض
أحب زوبين الناس بصدق. وأسس "مؤسسة كالاغورو" لدعم الفنانين المحتاجين، وساعد المتضررين من الفيضانات، وجمع التبرعات عبر حفلات خيرية. وخلال جائحة كورونا، فتح منزله في غوهاتي ليكون مركزًا للرعاية الطبية. وكان يشارك في حملات التوعية البيئية والصحية، ويقول دومًا: "وكلّ ما لي لشعبي، وأما أنا فلن أملك سوى محرقة جنازة واحدة".
وداع لا يليق إلا بالأساطير
حين عاد جثمانه من سنغافورة إلى غوهاتي، عاصمة ولاية آسام، مرورًا بنيودلهي، احتشدت الجموع الغفيرة تستقبله بالدموع والأغاني، فيما أعلنت حكومة الولاية حدادًا لثلاثة أيام، تحوّل ملعب ساروساجاي إلى ساحة وداع كبرى، حيث غنّت الجموع أغنيته الأيقوني"مايابيني راتير بوكوت" (في أحضان الليل الساحر). كما قال في إحدى حفلاته: "عندما أموت، يجب أن تغني آسام كلها هذه الأغنية"،وعند رحيله، صدحت بها الجموع كأنها وصيته الأخيرة.
ويتجاوز إرث زوبين غارغ آلاف الأغنيات والأفلام، إذ غدا رمزًا للحب والحرية والصدق، وصوتًا يذكّر أبناء آسام بأن الفن حياة، وأن الغناء قادر على توحيد الناس في الفرح كما في الحزن.
اقرأ أيضًا: بعد ثلاثة عقود.. شاروخ خان يحصد أول جائزة وطنية عن دوره في فيلم "جوان"
وغاب زوبين جسدًا، لكن صوته يبقى حاضرًا في الشوارع والمقاهي وعلى ضفاف البراهمابوترا، مخلّدًا في وجدان الملايين كرمز للهوية، والتمرّد.
* باحث الدكتوراه في جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي.