حين تبتعد واشنطن… تقترب طوكيو وبكين وموسكو من نيودلهي

03-09-2025  آخر تحديث   | 02-09-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | آواز دي وايس 
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جينبينغ على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جينبينغ على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون

 


شنكر كومار*

لم يكن في حسبان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تُقدِم الهند، عبر مناورة جيوسياسية بارعة، على إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة إلى حدّ إقلاق مضجعه، وذلك من خلال استقطاب طوكيو—الحليف الأوثق لواشنطن في المحيط الهادئ—إلى شراكة استراتيجية مع نيودلهي تحت عنوان "رؤية مشتركة للعقد المقبل". وفي المقابل، حرصت الصين على تبنّي خطاب تصالحي، مؤكدة ضرورة بناء علاقات حسن جوار مع الهند، ومشيرًا إلى أن "التنين والفيل يمكن لهما أن يرقصا معًا"، لتحقيق مكاسب متبادلة.

وكانت الرسالة الموجهة ضد الموقف الأميركي المناوئ للهند واضحة تمامًا، حينما قام رئيس الوزراء ناريندرا مودي—في أول زيارة له إلى الصين منذ سبعة أعوام، يوم 31 أغسطس، لحضور قمة منظمة شنغهاي للتعاون—باصطحابه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسيارة واحدة إلى مدينة تيانجين، حيث عُقدت القمة.

الأبعاد الرمزية والرسائل الموجهة

لقد جاء المشهد الذي جمع رئيس الوزراء ناريندرا مودي والرئيس فلاديمير بوتين في سيارة واحدة بالصين مباشرة عقب الإجراءات العقابية التي فرضتها إدارة ترامب على الهند بسبب شرائها النفط الروسي. وهذا التتابع الزمني يمنح قيمة سياسية تتجاوز الرمزية البروتوكولية لتتحول إلى رسالة استراتيجية موجهة إلى واشنطن.

وغنيّة بالرمزية، أكدت هذه المشاهد أنّ الهند لم تتأثر مطلقًا بالموقف الأميركي المتشدّد. بل إنّ الصور التي أظهرت رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، وهم يسيرون معًا، ويتبادلون تصريحات ذات مغزى ويمزحون بخفة، والتي انتشرت على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عززت هذه الرسالة بشكل أوضح.

والرسالة التي أراد رئيس الوزراء ناريندرا مودي إيصالها إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر سلسلة من تحركاته في اليابان والصين، كانت واضحة، وهي أن الهند ستبقى صامدة ولا تلين أمام الضغوط، مهما بلغت قسوة السياسات الأميركية أو طابعها العدائي. وفي الصين على وجه الخصوص، جسّد مودي صورة القائد البارز، حيث تصدّر المشهد بوصفه صورة القمة، في مشهد يعكس حضوره وثقته بالنفس، ويؤكد، في الوقت نفسه، موقع الهند كفاعل مركزي على المسرح العالمي.

وكان ذلك جليًّا بشكل لا لبس فيه عندما استغل رئيس الوزراء ناريندرا مودي منصة قمة منظمة شنغهاي للتعاون، وذلك بحضور رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، ليثير قضية هجوم باهالغام. فقد صرّح مودي قائلًا: "إن هذا الهجوم لم يكن اعتداءً على ضمير الهند فحسب، بل هو أيضًا تحدٍ صريح لكل دولة ولكل فرد يؤمن بالإنسانية".

ولم يقتصر رئيس الوزراء على ذلك فحسب، بل وجّه سؤالًا تأمليًا إلى داعمي الإرهاب قائلاً: "في مثل هذه الظروف، من الطبيعي أن نتساءل: هل يمكن أن نقبل الدعم العلني للإرهاب من بعض الدول". وكانت الرسالة موجَّهة بوضوح إلى باكستان والصين.

لقد كان السوال موجَّهًا أيضًا إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي عقد اجتماعًا على مأدبة غداء مع رئيس أركان الجيش الباكستاني عاصم منير في البيت الأبيض في يونيو، بعد أيام فقط من اغتيال إرهابيين باكستانيين لـ 26 شخصًا في باهالغام.

ولم يقتصر خطاب الهند على ملف الإرهاب فحسب، بل امتد أيضًا إلى قضية الاتصال الإقليمي وما تحمله من رسائل سياسية واضحة. ففي هذا السياق، لم يتردد رئيس الوزراء ناريندرا مودي في تذكير الصين بمبادرتها المتنازعة "الحزام والطريق" (بيلت إيند رود) قائلًا: "أي مبادرة تتجاوز السيادة تفقد الثقة والمعنى". وجاءت هذه الكلمات في خضم نقاشات محتدمة حول مشروعات كبرى مثل مبادرة الحزام والطريق، التي امتنعت الهند عن الانضمام إليها بدعوى مساسها بالسلامة الإقليمية، ولا سيما في ما يتعلق بمنطقة كشمير التي تحتلها باكستان.

ماذا تهدف إليه الزيارة إلى الصين؟

لم تقتصر زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى الصين على إعادة تأكيد تحفظات الهند، بل شكّلت أيضًا محطة لإعادة ضبط العلاقات بين نيودلهي وبكين ودفع مسار انخراطهما الاستراتيجي إلى الأمام. ففي لقائه بالرئيس شي جين بينغ على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون، شدّد مودي على أن استمرار تنمية العلاقات الثنائية مرهون بالحفاظ على السلام والهدوء على الحدود.  

ولا يزال نحو خمسين ألف جندي هندي، وعدد مماثل من القوات الصينية، متمركزين على طول "خط السيطرة الفعلية"، ما يعكس استمرار حالة التوتر العسكري بين الجانبين، غير أنّ الاجتماع الرابع والعشرين على مستوى الممثلين الخاصين، الذي عُقد الشهر الماضي في نيودلهي بين مستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال ووزير الخارجية الصيني وانغ يي، أسفر عن توصل الطرفين إلى تفاهم من عشر نقاط بشأن إدارة الحدود.

واتفق الجانبان على تفعيل آليات إدارة الحدود على المستويين الدبلوماسي والعسكري من أجل دفع مسار ضبط الحدود قُدمًا، ومناقشة خطوات خفض التصعيد، بدءًا من وضع المبادئ والآليات التي تحكمها. كما جدّدت الهند والصين تأكيدهما على أن معالجة النزاعات الحدودية ينبغي أن تتم عبر مشاورات ودّية، بما يسهم في تعزيز التنمية الشاملة للعلاقات الثنائية.

وقال وكيل وزارة الخارجية فيكرام ميسري، في إيجاز خاص حول زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى الصين، إن رئيس الوزراء ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جين بينغ ثمّنا بشكل إيجابي نتائج وقرارات الجولة الأخيرة من المحادثات، وشجّعا جهود الممثلين الخاصين، واتفقا على تسريع تنفيذ المخرجات والتفاهمات التي تم التوصل إليها.

وخلال اللقاء، اتفق الزعيمان على أن أولويتهما الأساسية تتمثل في تحقيق أهداف التنمية الداخلية، وفي هذا المسار فإن الهند والصين تقفان كشريكين أكثر منهما كخصمين. وقد تعهدا بالعمل على تجاوز خلافاتهما بما يخدم مصالح 2.8 مليار نسمة يعيشون في البلدين.

ماذا تهدف إليه الزيارة إلى اليابان؟

مثّلت زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى اليابان—وهي أول زيارة رسمية منفردة إلى هذا البلد منذ سبعة أعوام في إطار القمة السنوية—دفعة قوية لإضفاء حيوية وزخم جديدين على واحدة من أكثر الشراكات قيمة وثقة بالنسبة للهند. ويمكن تلمّس ذلك بوضوح في إعلان مودي ورئيس الوزراء الياباني إيشيبا شيغيرو عن "رؤية مشتركة للعقد المقبل"، التي ترسم خريطة طريق استراتيجية لعشر سنوات مقبلة من التعاون الاقتصادي والعملي بين البلدين.

وفي ظل سعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة، شكّلت الرؤية المشتركة للعقد المقبل بين الهند واليابان خطوة استراتيجية بارعة مكّنت نيودلهي من مواجهة الضغوط الأميركية.

ويزداد هذا المعنى وضوحًا في ضوء تعهّد اليابان باستثمار 10 تريليونات ين (67 مليار دولار) في الهند خلال العقد المقبل، واتفاق الجانبين على منح الأولوية الاستراتيجية لشراكتهما الاقتصادية، والأمن الاقتصادي، والتنقل، والاستدامة البيئية، والتكنولوجيا والابتكار، فضلًا عن التبادلات الشعبية والتواصل بين الولايات والأقاليم.

وخلال زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، أصدر البلدان "إعلانًا مشتركًا حول التعاون الأمني"أيضًا. ووفقًا لوكيل وزارة الخارجية فيكرام ميسري، فإن هذا الإعلان يشكّل إطارًا تمكينيًا يتيح للهند واليابان الاستجابة بشكل أكثر فاعلية للتحديات الأمنية المعاصرة.

ومن السمات البارزة في الإعلان المشترك حول التعاون الأمني أنه يتبنى مفهومًا واسعًا للأمن، يشمل التعاون في مجالات الأمن السيبراني، ومكافحة الإرهاب، والصناعة الدفاعية، والبحث والتطوير، إضافة إلى تعزيز التنسيق في القضايا الأمنية ضمن الأطر متعددة الأطراف. ومن أبرز ملامح التعاون الأمني الجديد بين البلدين، كما أوضح وكيل وزارة الخارجية فيكرام ميسري، هو إرساء حوار مؤسسي لأول مرة بين مستشاري الأمن القومي للهند واليابان، إلى جانب توسيع مستوى التفاعل بين هيئات الأركان المشتركة في كلا البلدين.

وأطلق البلدان "خطة عمل لتبادل الموارد البشرية والتعاون بين الهند واليابان" أيضًا، التي تضع خريطة طريق لحركة الكفاءات وتعميق الروابط بين الشعبين من خلال تبادل أكثر من 500 ألف شخص خلال خمس سنوات، من بينهم 50 ألف عامل ماهر ومواهب محتملة تنتقل من الهند إلى اليابان.

وأعلن رئيسا وزراء الهند واليابان عن إطلاق مبادرة الأمن الاقتصادي الهندية–اليابانية، الهادفة إلى تعزيز زخم التعاون الثنائي في مجال الأمن الاقتصادي، بما يشمل تأمين وتعزيز سلاسل التوريد في السلع والقطاعات الأساسية، وتسريع التعاون في التقنيات الأساسية والناشئة، مع إيلاء أولوية خاصة لقطاعات الاتصالات، والأدوية، والمعادن الاستراتيجية، وأشباه الموصلات، والطاقة النظيفة.

ومن النتائج الأخرى التي أسفرت عنها القمة السنوية بين الهند واليابان توقيع مجموعة من مذكرات التفاهم في قطاعات متعددة شملت الطاقة النظيفة، والمعادن الاستراتيجية، والتكنولوجيا الرقمية، والفضاء، والتبادلات الثقافية، والبيئة، والتدريب الدبلوماسي. وكما أوضح وكيل وزارة الخارجية فيكرام ميسري: "تتمثل غاية هذه الزيارة وطموحها في رفع مستوى التطلعات وتعزيز الزخم في شراكتنا الاستراتيجية الخاصة والعالمية".

اللقاء الذي جمع مودي وبوتين

ومع ذلك، بقي اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء ناريندرا مودي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين محور اهتمام وسائل الإعلام الدولية. فقد وصل الزعيمان معًا إلى فندق ريتز–كارلتون في مدينة تيانجين، مقر اجتماعهما الثنائي، في سيارة "أوروس" المصنوعة في روسيا. وقد ناقش الطرفان خلال الاجتماع قضايا تتعلق بالصراع المستمر في أوكرانيا.

قال رئيس الوزراء ناريندرا مودي في كلمته الافتتاحية خلال اجتماعه الثنائي مع الرئيس فلاديمير بوتين على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون: "نحن نرحب بجميع الجهود الأخيرة الرامية إلى إرساء السلام. ونأمل أن تتصرف جميع الأطراف بروح بنّاءة. ولا بد من إيجاد سبيل لإنهاء هذا الصراع وإقامة سلام دائم، فهذا هو طموح الإنسانية جمعاء". كما ناقش الزعيمان التعاون الثنائي في مجالات الاقتصاد والمال والطاقة.

اقرأ أيضًا: الهند و الصين: نحو إيقاع جديد في العلاقات الدبلوماسية

ولا شك أنّ رئيس الوزراء ناريندرا مودي، عبر دبلوماسيته الماهرة في اليابان والصين، قد أبرز قدرة الهند على صياغة السردية العالمية وفق شروطها الخاصة.