الهند تعزز حضورها في غرب آسيا وإفريقيا: مودي يزور الأردن وإثيوبيا وسلطنة عُمان

13-12-2025  آخر تحديث   | 13-12-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | آواز دي وايس 
الهند تعزز حضورها في غرب آسيا وإفريقيا: مودي يزور الأردن وإثيوبيا وسلطنة عُمان
الهند تعزز حضورها في غرب آسيا وإفريقيا: مودي يزور الأردن وإثيوبيا وسلطنة عُمان

 


شنكر كومار*

سيقوم رئيس الوزراء ناريندرا مودي بزيارة تستغرق أربعة أيام إلى الأردن وإثيوبيا وسلطنة عُمان خلال الفترة من 15 إلى 18 ديسمبر، في خطوة تعكس حرص الهند على توسيع دوائر التعاون والشراكة مع دول الشرق الأوسط وإفريقيا.

وتُعدّ الأردن وسلطنة عُمان من الركائز الأساسية في سياسة الهند تجاه غرب آسيا، كما تُعدّان من أقدم أصدقاء نيودلهي الدبلوماسيين في منطقة الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن تشكّل زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى هذين البلدين الأسبوع المقبل محطة مفصلية تفتح فصلًا جديدًا في علاقاتهما مع الهند.

وتكتسب هذه الزيارة على مستوى رئاسة الوزراء أهمية خاصة في ظل التغيرات المتسارعة في المشهد الجيوسياسي في غرب آسيا والعالم. وفي هذا السياق، تعكس الزيارة سعي الهند الجاد إلى تعزيز حضورها الإقليمي وتثبيت شراكاتها في منطقة تمثل أهمية استراتيجية لأمن الطاقة والتجارة الهندية، إضافة إلى مصالح جاليتها الواسعة هناك. وفي المقابل، تُبدي كل من الأردن وسلطنة عُمان توجهًا واضحًا نحو توسيع آفاق الشراكة مع نيودلهي.

وبادرت كلٌّ من الأردن وسلطنة عُمان، عقب الهجوم الإرهابي الذي نفّذه إرهابيون ينشطون من باكستان في باهالغام بجامو وكشمير يوم 22 أبريل، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا، إلى إدانة الهجوم الإرهابي بأشد العبارات.

وفي هذا السياق، أجرى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني اتصالًا هاتفيًا برئيس الوزراء ناريندرا مودي، معربًا عن خالص تعازيه في سقوط الضحايا الأبرياء. وأكد الملك، خلال إدانته القوية للهجوم، أن الإرهاب مرفوض بكل أشكاله وصوره، مشددًا على أنه لا يمكن تبرير أي عمل إرهابي تحت أي ظرف.

وتأتي زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى الأردن وسلطنة عُمان للمرة الثانية منذ عام 2018م في سياق رمزي ودبلوماسي لافت، إذ تتزامن مع احتفال عمّان بمرور 75 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية مع نيودلهي، واحتفال مسقط بمرور 70 عامًا على العلاقات مع الهند. وفي الوقت ذاته، تحمل الزيارة بعدًا جديدًا بكونها الزيارة الأولى لرئيس الوزراء مودي إلى إثيوبيا، والتي تأتي بالتزامن مع الذكرى الخامسة والسبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

الأهمية الاستراتيجية للأردن

تحتلّ الأردن، رغم كونها دولة صغيرة نسبيًا، موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا مهمًا في منطقة غرب آسيا؛ إذ تحدّهاسوريا من الشمال، والعراق من الشرق، والسعودية من الشرق والجنوب، بينما تقع إسرائيل والضفة الغربية المحتلة في الغرب، ما يجعلها في قلب التفاعلات الإقليمية السياسية والأمنية.

وفي الواقع، فإن سياسة التوازن التي تنتهجها الأردن في محيطها الإقليمي تمنحها مكانة خاصة في أهداف السياسة الخارجية الهندية. ويرى خبراء أن اتفاقية التعاون الدفاعي بين الهند والأردن أسهمت في تعزيز الحضور الاستراتيجي لنيودلهي في نطاق أوسع يمتد عبر منطقة الشام ليشمل البحر الأحمر وشرق البحر المتوسط.

وتم توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي خلال زيارة العاهل الأردني إلى الهند في الفترة من 27 فبراير إلى 1 مارس 2018م. ونصّت الاتفاقية على توسيع مجالات التعاون، لتشمل التدريب العسكري، والصناعات الدفاعية، والدراسات العسكرية، والخدمات الطبية العسكرية، والأمن السيبراني، وعمليات حفظ السلام، ومكافحة الإرهاب.

وتعدّ الأردن ثامن دولة في غرب آسيا توقّع معها الهند اتفاقية دفاعية شاملة، إلى جانب دول أخرى تشمل سلطنة عُمان، والإمارات، والسعودية، وقطر، والكويت، ومصر، وإسرائيل. ويُنظر إلى الأردن بوصفه من أكثر الدول امتلاكًا لأجهزة أمنية فعّالة في المنطقة. ويتجلى ذلك بوضوح في قدرته على الحفاظ على الاستقرار السياسي في وقت تشهد فيه منطقة غرب آسيا أزمات أمنية واضطرابات غير مسبوقة. ويعزو خبراء هذا الاستقرار إلى امتلاك الأردن منظومة متقدمة للاستخبارات وجمع المعلومات.

التعاون التجاري والاستثماري

سجلت التجارة الثنائية بين الهند والأردن، في العام المالي 2023–2024م، مستوى لافتًا بلغ نحو 2.875 مليار دولار، بينما بلغت صادرات الهند إلى الأردن حوالي 1.4465 مليار دولار.

وتشمل أبرز السلع التي تصدّرها الهند إلى الأردن مجموعة واسعة من المنتجات، في مقدمتها الوقود المعدني والزيوت المعدنية ومشتقاتها، إلى جانب الحبوب، واللحوم ومخلفاتها الصالحة للأكل، والمواد الكيميائية العضوية، والمنتجات الصيدلانية. كما تضم الصادرات الهندية القهوة والشاي والتوابل، والمركبات، والقطن، فضلًا عن الآلات والمعدات الكهربائية.

وتسعى الهند والأردن إلى توسيع قاعدة تعاونهما التجاري. واتفق الجانبان، خلال مشاورات بين وزارتي الخارجية الهندية والأردنية، عُقدت في عمّان في 29 أبريل 2025م، على ضرورة تنويع مجالات التعاون الاقتصادي وتعزيز تدفقات الاستثمار المتبادل. وتتركّز الاستثمارات الهندية في الأردن حاليًا في قطاعي الأسمدة والمنسوجات، حيث بلغت استثمارات الشركات الهندية نحو 1.5 مليار دولار في قطاعي الفوسفات والمنسوجات.

التعاون في مجالي التعليم والثقافة

يُعدّ التعليم أحد أهم الجسور التي تربط بين الشعبين الهندي والأردني، إذ يتوجّه نحو 500 طالب أردني إلى الهند لمتابعة دراساتهم الأكاديمية، فيما يوجد في الأردن قرابة 2500 خريج أردني من الجامعات الهندية. وأسفرت مشاورات وزارتي الخارجية بين البلدين عن زيادة عدد المقاعد المخصّصة للأردن ضمن برنامج التعاون التقني والاقتصادي الهندي (ITEC) من 37 إلى 50 مقعدًا.

وتحظى الفنون والثقافة الهندية، ولا سيما أفلام بوليوود ونجومها، بشعبية واسعة داخل البيوت الأردنية. وقد أصبحت الأردن أيضًا وجهة مفضلة لتصوير عدد من الأفلام الهندية، بفضل ما تتمتع به من مواقع طبيعية خلابة ومعالم تاريخية مميّزة. وجرى، على سبيل المثال، تصوير فيلم"بڑے میاں چھوٹے میاں"في الأردن. وعُرض الفيلم عام 2024م وتولى بطولته كلٌّ من أكشاي كومار وتايغر شروف وبريثوي راج سوكوماران.

وتحظى اليوغا، إلى جانب أفلام بوليوود، بشعبية متزايدة في الأردن. قد أسهمت منصة "Namaste Zone"، التي تديرها فرح قدسي، في نشر هذه الممارسة التي تركز على تحقيق التناغم بين الجسد والعقل. وشهد اليوم العالمي لليوغا هذا العام مشاركة لافتة، من بينها حضور الأميرة الأردنية بسمة بنت علي.

إثيوبيا وأهميتها الاستراتيجية

تُعدّ إثيوبيا، التي سيصل إليها رئيس الوزراء ناريندرا مودي في المحطة الثانية من زيارته خلال الفترة من 16 إلى 17 ديسمبر، أحد الشركاء الرئيسيين للهند في دول الجنوب العالمي. وتتمتع إثيوبيا، بوصفها مقرّ الاتحاد الإفريقي ولاعبًا محوريًا في منطقة القرن الإفريقي، بمكانة إقليمية بارزة. وقد حافظت أديس أبابا ونيودلهي على علاقات ودّية ودافئة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين عام 1950م.

وتأتي أول زيارة لرئيس الوزراء الهندي إلى إثيوبيا منذ عام 2011م في وقت تشهد فيه القارة الإفريقية تصاعدًا ملحوظًا في تنافس النفوذ الدولي، مع تنامي حضور الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي ودول الخليج وتركيا. وفي هذا السياق، تعكس التحركات الهندية رغبة واضحة في ترسيخ علاقاتها مع إفريقيا وتعزيز حضورها السياسي والاقتصادي في المنطقة. وقد أعاد رئيس الوزراء ناريندرا مودي رسم نهج الهند تجاه إفريقيا عبر طرح عشرة مبادئ توجيهية، تحكم انخراط نيودلهي في القارة.

وتشمل هذه المبادئ الالتزام بإطلاق إمكانات إفريقيا من خلال بناء القدرات المحلية وخلق فرص تنموية داخلية، والحفاظ على انفتاح الأسواق الهندية، ومشاركة تجربة الهند في الثورة الرقمية دعمًا لمسارات التنمية الإفريقية. كما تتضمن تحسين كفاءة تقديم الخدمات العامة، وتوسيع فرص التعليم ونشر الثقافة الرقمية، وتعزيز القطاع الزراعي الإفريقي، والتصدي لتحديات تغيّر المناخ، فضلًا عن التعاون مع الدول الإفريقية لضمان بقاء المحيطات مفتوحة وآمنة بما يعود بالنفع على الجميع.

شراكة موثوقة مع سلطنة عُمان

تُعدّ سلطنة عُمان، بحكم موقعها عند مدخل مضيق هرمز—أحد أهم الممرات البحرية الاستراتيجية التي تمر عبرها نسبة كبيرة من واردات الهند السنوية من النفط الخام—المحطة الأخيرة في جولة رئيس الوزراء ناريندرا مودي التي تشمل ثلاث دول.

وتأتي زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى سلطنة عُمان خلال الفترة من 17 إلى 18 ديسمبر، بدعوة من السلطان هيثم بن طارق. ومن المتوقع أن تسهم الزيارة في توسيع آفاق التعاون الثنائي، ولا سيما في المجالات الاستراتيجية. وتحظى عُمان بمكانة خاصة في العلاقات الدفاعية مع الهند، إذ تُعدّ الدولة الخليجية الوحيدة التي تُجري معها القوات البرية والبحرية والجوية الهندية مناورات مشتركة بانتظام.

ويتعاون البلدان بشكل وثيق في مجال الأمن البحري بالمحيط الهندي، حيث شهدت الشراكة بينهما توسعًا تدريجيًا على مدى السنوات الماضية لتشمل مكافحة الإرهاب والتصدي للجريمة المنظمة، إلى جانب عمليات مكافحة القرصنة.

وخلال قمة مجموعة العشرين في سبتمبر 2023م، وجّهت الهند دعوة إلى سلطنة عُمان للمشاركة في القمة بصفتها دولة ضيف، في خطوة عكست الطابع الخاص للعلاقات الثنائية ومتانه الشراكة بين البلدين.

العلاقات الاقتصادية والتجارية

تشهد العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الهند وسلطنة عُمان تطورًا ملحوظًا، يعكس متانة الشراكة بين البلدين واتساع نطاقها. فقد بلغ حجم التبادل التجاري الثنائي نحو 8.947 مليار دولار خلال عام 2023–2024م، وارتفع إلى حوالي 10.613 مليار دولار في عام 2024–2025م. ويُتوقع أن تشهد زيارة رئيس الوزراء توقيع اتفاقية تجارة حرة.

ويُذكر أن سلطنة عُمان حلّت في المرتبة 29 بين أبرز وجهات الصادرات الهندية، والمرتبة 25 كمصدر للواردات إلى الهند خلال عام 2024–2025م، كما جاءت في المرتبة 28 ضمن قائمة أكبر الشركاء التجاريين للهند. وفي المقابل، كانت الهند ثالث أكبر سوق للصادرات العُمانية غير النفطية خلال الفترة ذاتها.

وتنوّعت الصادرات الهندية إلى سلطنة عُمان خلال عام 2024–2025م لتشمل في مقدمتها الزيوت الخفيفة ومشتقاتها، وأكسيد الألومنيوم (باستثناء الكوراندوم الصناعي)، والأرز، إضافة إلى الغلايات والآلات والمعدات الميكانيكية وقطعها.

كما شملت الصادرات الهندية إلى سلطنة عُمان طائرات وأنواعًا أخرى من المركبات الجوية والفضائية، والآلات والمعدات الكهربائية ومكوّناتها، إلى جانب مستحضرات التجميل والعناية، واللدائن ومنتجاتها، والحديد والصلب، والمنتجات الخزفية.

وشملت أبرز واردات الهند من سلطنة عُمان خلال عام 2024–2025م مصادر الطاقة والمدخلات الصناعية، وفي مقدمتها النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، اللذان شكّلا معًا نسبة كبيرة من إجمالي قيمة التبادل التجاري الثنائي بين البلدين.

كما تضمنت الواردات الهندية من سلطنة عُمان سلعًا رئيسية أخرى، من بينها اليوريا (بما في ذلك يوريا الأسمدة)، والمواد الكيميائية العضوية، والأمونيا اللامائية، والكبريت. وشملت الواردات كذلك الأتربة والأحجار ومواد اللياسة والجير، واللدائن بأشكالها الأولية، والطائرات وأنواع أخرى من المركبات الجوية، إضافة إلى خامات الحديد ومركزاتها، بما يعكس تنوّع قاعدة الاستيراد وأهميتها للصناعات الهندية.

الخاتمة

تأتي زيارات رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى الأردن وإثيوبيا وسلطنة عُمان في وقت تشهد فيه منطقتا غرب آسيا وإفريقيا تحولات جيوسياسية متسارعة، وتزايدًا في حدة التنافس بين القوى الكبرى، إلى جانب تغيرات متلاحقة في التوازنات الإقليمية.

اقرأ أيضًا: روح شنغهاي على المحك: الانتقائية في مكافحة الإرهاب تهدد مصداقية المنظمة

ومن خلال التواصل مع ثلاثة من أقرب الشركاء الموثوقين للهند، يسعى رئيس الوزراء إلى تأكيد عمق الثقة السياسية المتبادلة، إلى جانب إبراز الهند كشريك ثابت وموثوق لدول تمثل ركيزة أساسية في مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية وأمن الطاقة.  

قصص مقترحة