شنكر كومار*
بعد أسبوع من التفجير الانتحاري الذي وقع بسيارة محمّلة بنترات الأمونيوم والوقود قرب القلعة الحمراء في دلهي، وأودى بحياة أكثر من عشرة أشخاص وأصاب آخرين، شددت الهند خلال اجتماع مجلس رؤساء حكومات منظمة شنغهاي للتعاون في موسكو على أن خطر الإرهاب والانفصال والتطرف أصبح أكثر حدة واتساعًا في السنوات الأخيرة.
وركّزت منظمة شنغهاي للتعاون، منذ تأسيسها عام 1996م، على الأمن ومكافحة الإرهاب، باعتبارهما أهم مجالات التعاون بين دولها الأعضاء. ووفق تقرير للأمم المتحدة، فقد تمكنت دول المنظمة بين عامي 2011م و2015م من إحباط 20 هجومًا إرهابيًا، ومنع 650 جريمة ذات طابع إرهابي أو متطرف، وتفكيك 440 معسكرًا للتدريب، إضافة إلى تحييد 1,700 عنصر ينتمون إلى منظمات إرهابية دولية.
ومع ذلك، يتزايد الجدل حول مدى فاعلية الهيكل الإقليمي لمكافحة الإرهاب في منظمة شنغهاي للتعاون، رغم أن مهمته الأساسية تقوم على تنسيق الجهود بين الدول الأعضاء لمواجهة التهديدات الإرهابية. فغياب الثقة بين بعض هذه الدول يجعل تبادل المعلومات الاستخباراتية محدودًا وغير متكافئ، كما أن ضعف الإرادة السياسية انعكس سلبًا على قدرة المنظمة في مواجهة التهديد الإرهابي، الذي بات يشهد تطورًا سريعًا في الفترة الأخيرة.
ولم يعد تجنيد الإرهابيين يقتصر على الفئات الهشّة، بل أصبح يستقطب الشباب المتعلمين، بمن فيهم من يحملون خلفيات طبية وهندسية. فالتنظيمات الإرهابية باتت تستهدف اليوم أصحاب المهارات المتخصصة القادرين على تنفيذ عمليات معقدة—من تصنيع المتفجرات إلى التخطيط السيبراني—ما يعكس تحولًا نوعيًا في طبيعة التجنيد.
وتزداد خطورة المشهد مع التوسع الكبير في استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في عمليات التطرف، وجمع التمويل، والتواصل، وبناء شبكات الإرهاب. فقد وفّرت هذه المنصات للجماعات المتطرفة قدرة غير مسبوقة على نشر خطابها الدعائي، وتحريك أنصارها، وتنظيم عملياتها عبر الحدود مع محدودية إمكانية رصدها. هذا التطور يفرض على منظمة شنغهاي للتعاون والمجتمع الدولي استجابة منسقة وأكثر فاعلية.
وأكد وزير الشؤون الخارجية إس. جايشانكار، خلال كلمته في اجتماع مجلس رؤساء حكومات منظمة شنغهاي للتعاون في موسكو في 18 نوفمبر، على ضرورة التذكير بأن المنظمة قامت أساسًا لمواجهة ثلاثة أخطار رئيسة: الإرهاب والانفصالية والتطرف. وأشار إلى أن هذه التهديدات أصبحت أكثر حدّة بمرور الوقت، مؤكدًا أن المجتمع يجب أن يتبنّى سياسة "صفر تسامح" تجاه الإرهاب بكل أشكاله وصوره، مؤكّدًا أنه لا يمكن تقديم أي مبرر له، ولا التغاضي عنه، ولا تلميع صورته.
وجاء تصريح جايشانكار، الذي أدلى به في ظل تفجير 10 نوفمبر قرب القلعة الحمراء في دلهي، ليعزّز الموقف الهندي الراسخ بأن الإرهاب ما يزال يشكّل تهديدًا كبيرًا لاستقرار المنطقة. كما شدّد على موقف الهند الثابت بأن منظمة شنغهاي للتعاون يجب أن تتجاوز النظرة الضيقة التي تفرّق بين 'إرهابي جيد' و'إرهابي سيئ'، وأن تتعامل مع هذا الخطر بمنهج شامل وواضح لا يقبل الاستثناءات.
وأدّى الدعم الخفي الذي تقدّمه بعض دول منظمة شنغهاي للتعاون للجماعات الإرهابية إلى زيادة هشاشة البيئة الأمنية في المنطقة. ويُعدّ الإرهاب الذي ترعاه باكستان مثالًا بارزًا على ذلك، إذ لم يقتصر تأثيره على زعزعة استقرار الهند، بل امتد ليُلحق أضرارًا عميقة ومعاناة هائلة في كلٍّ من أفغانستان وإيران.
وشهدت الهند بين عامَي 2000م ونوفمبر 2025م أحد عشر هجومًا إرهابيًا كبيرًا، من بينها تفجيرات دلهي في 10 نوفمبر. وقد أسفرت هذه الهجمات عن مقتل ما لا يقل عن 595 شخصًا، بينما أظهرت التحقيقات أن معظمها يحمل بصمات جماعات إرهابية تتمركز في باكستان، من بينها جيش محمد ولشكر طيبة وحركة المجاهدين.
ورغم هذا التاريخ الطويل من الهجمات التي تنفّذها جماعات مدعومة من باكستان، فإن إسلام آباد لم تواجه حتى الآن أي عقوبات أو عزلة حقيقية من المجتمع الدولي. وقد ظهر هذا التباين بوضوح خلال اجتماع وزراء دفاع منظمة شنغهاي للتعاون الذي انعقد في مدينة تشينغداو بمقاطعة شاندونغ بالصين في 26 يونيو 2025م، حيث رفض وزير الدفاع راجناث سينغ توقيع البيان المشترك بعدما أغفل الإشارة إلى الهجوم الإرهابي البشع في باهالغام بجامو وكشمير في 22 أبريل، والذي نفّذته جماعة ’الجبهة المقاومة‘ (TRF)، وهي ذراع تعمل بالوكالة عن تنظيم لشكر طيبة.
وتواصل الصين في مجلس الأمن الدولي منع جهود الهند لإدراج إرهابيين ومنظمات باكستانية على قائمة الإرهاب العالمية، بما في ذلك شخصيات مرتبطة بهجمات كبرى داخل الهند مثل هجمات 26/11، كمسعود أزهر، وعبد الرؤوف أصغر، وساجد مير، وعبد الرحمن المكي، وطلحة سعيد، وشاهد محمود رحمت الله. ويكشف هذا الموقف عن تعقيدات سياسية تعيق مكافحة الإرهاب على المستوى الدولي.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن الهند تقدّمت، بين ديسمبر 2023م وفبراير 2025م، بثلاثة طلبات لفرض عقوبات على جماعة ’الجبهة المقاومة‘ (TRF)، لكن الصين عطّلتها جميعًا. وقد أثارت هذه التطورات تساؤلات جدية حول فاعلية مجلس الأمن الدولي، كما قوّضت في الوقت نفسه جوهر ما يُسمّى بـ"روح شنغهاي" داخل منظمة شنغهاي للتعاون، وهي الروح التي تقوم على الالتزام المشترك بالاستقرار الإقليمي، وتعزيز الثقة المتبادلة، وتحقيق المنفعة للجميع، والمساواة، والسعي إلى التنمية المشتركة بين الدول الأعضاء.
وإن انتهاج مقاربة انتقائية في التعامل مع الإرهاب يصبّ في مصلحة التنظيمات الإرهابية، إذ يمنحها، بدعم بعض الدول، ملاذات آمنة وتمويلًا وتدريبًا، إضافة إلى الغطاء السياسي الذي يسهّل تمددها. وتؤدي هذه المعادلة في النهاية إلى نشوء منظومة إرهاب متكاملة وقوية، وهو واقع يتجلى بوضوح في النموذج الباكستاني.
وفي الواقع، فإن هذه الجماعات، المحصّنة من الرقابة الدولية، تواصل توسيع شبكاتها عبر تجنيد شباب متعلمين من دول مختلفة، وتطوير قدراتها العملياتية من خلال استغلال التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وقنوات التمويل، ما يجعلها أكثر خطورة من أي وقت مضى. ومع ذلك، لا يزال التعامل مع هذا الخطر يتم بصورة انتقائية، رغم أنه يحصد مئات الأرواح حول العالم كل عام.
وهنا تتمايز الهند عن غيرها بوضوح؛ فمهما تعاظمت التحديات، تظلّ الهند ثابتة في التزامها بمواجهة الإرهاب بوصفها دولة تتحمّل مسؤولياتها على الساحة الدولية. وفي هذا الإطار، تبرز أهمية التصريحات التي أدلى بها مستشار الأمن القومي أجيت دوفال خلال فعالية في المركز الثقافي الإسلامي بنيودلهي في 11 يوليو 2023م.
اقرأ أيضًا: ضبابٌ لا صوت له… هكذا يتسلّل التطرّف
وقال دوفال إن تحديات التطرف والإرهاب العالمي تفرض علينا ألا نخفض مستوى اليقظة. وكانت الهند، للحفاظ على الأمن والاستقرار داخل حدودنا، والتعامل كذلك مع التهديدات التي تأتي من خارجها، في طليعة المواجهة—مواجهة الأفراد والجماعات التي تنشر التطرف والاتجار بالمخدرات والإرهاب.