عاطر خان
تُمثل زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى سلطنة عُمان جهدًا دبلوماسيًا مهمًا وفي الوقت المناسب لإعادة تنشيط إحدى أقدم العلاقات الحضارية التي تربط الهند بدولة أخرى. فقد تميزت العلاقات بين البلدين منذ زمن طويل بالدفء والثقة المتبادلة، والآن باتت هناك فرصة لتعزيز هذه العلاقات، وتحويل المصافحات الودية إلى شراكة استراتيجية قوية.
ويعود تاريخ العلاقات الهندية-العمانية إلى عقود مضت. ففي خمسينيات القرن الماضي، يُقال إن سلطان عُمان عرض على الهند ميناء جوادر ذي الأهمية الاستراتيجية كهدية. غير أن نيودلهي رفضت العرض، وبوساطة الأمير آغا خان، انتقل ميناء جوادر في نهاية المطاف إلى باكستان، وهو يُدار حاليًا من قبل الصين.
وتُؤكد هذه الفرصة الضائعة أهمية التواصل المستمر مع الشركاء الإقليميين الموثوقين مثل عُمان. فموثوقية عُمان وموقعها الاستراتيجي يجعلانها شريكًا طبيعيًا في تحقيق أهداف الهند الإقليمية والاستراتيجية طويلة الأجل.
وخلال هذه الزيارة، يُتوقَّع أيضًا أن يؤدي مستشار الأمن القومي أجيت دوفال دورًا محوريًا في تعزيز الروابط بين البلدين.
وإن العلاقات الحضارية العظيمة مع عمان تجعلها صديقًا اختبرته الهند عبر الزمن. وقد يكون من المرغوب فيه اتباع نهج متعدد الجوانب لتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية والعسكرية مع البلاد. وإن سلطنة عمان صديق موثوق يمكنها مساعدة الهند على تحقيق أهدافها طويلة المدى.
ويقول الدكتور وائل عواد، وهو صحفي كبير من غرب آسيا: "إن الهند كقوة عالمية متنامية يجب أن يكون لها نفوذ وهيمنة في المنطقة. وتعتبر العلاقات مع عمان مهمة للغاية ليس فقط في مجال التجارة والوصول إلى البحر الأحمر ولكن أيضًا في عمليات مكافحة القرصنة وأمن النفط".
وإن قرب عمان من مضيق هرمز يجعلها ذات أهمية استراتيجية للأمن الاقتصادي والعسكري. ويمر عبر المضيق ثلث الغاز الطبيعي المسال في العالم وحوالي 25% من إجمالي استهلاك النفط العالمي، مما يجعله موقعًا استراتيجيًا بالغ الأهمية للتجارة الدولية.
وإن ما يجعل عمان دولة مناسبة لإثراء علاقاتها هو طبيعتها التقدمية، وشعبها لديه احترام وتقدير كبير للهنود. فإنهم يفضِّلون الهنود في الوظائف وفرص العمل على مواطني أي دولة آسيوية أخرى. ويقول الدبلوماسي السابق جيه كيه تريباثي: "قبل أن تمضي عمان في الاتجاه الآخر، يجب أن نحاول إبقاء عمان معنا. وإنه أسهل نسبيا بالنسبة إلينا".
وتحتضن عمان حوالي 800 ألف مغترب هندي. ويعيش بعض التجار الغوجاراتيين في مسقط منذ أجيال وقد منحهم العمانيون لقب "الشيخ" الخاص. ويقال إنه إذا كنتم تريدون العيش في مسقط، فعليكم أن تتعلموا اللغتين الماليالامية والهندية أكثر من اللغة العربية. وبالمثل، فإن الهنود الذين استقروا هناك يكنون احترامًا كبيرًا لثقافة العمانيين وتقاليدهم.
وربما تكون هي الدولة الوحيدة في منطقة الخليج التي لديها ثلاثة معابد وثلاثة جوردوارا وثلاث كنائس. وبعض هذه الأماكن الدينية موجودة هناك منذ أكثر من قرن. وفي معبد شيف، يتم بيع مواد البوجا (العبادة) مثل الكلافا والبراساد والتماثيل من قبل العمانيين المحليين.
ويمكن أن يقوم الناس أيضًا بشراء الكتب الدينية مثل "رامشاريتماناس" المتوفرة في المكتبات المحلية. وتعمل محرقة للهنود في مسقط أيضًا. وتم تخصيص ميدان كبير لغاربا ودانديا في مسقط خلال نافراتري (مهرجان الليالي التسع). ويدير الهنود مطاعم ومحلات ملابس وسلع إلكترونية في مسقط.
وإن قرب عمان من الهند كبير بحيث يمكن السفر بين مسقط وغوجارات عن طريق البحر في فترة قصيرة جدًا. ومدة الرحلة بين مسقط ومومباي أطول بقليل من رحلة مومباي إلى دلهي. وتحقق الخطوط الجوية العمانية التي تديرها الدولة أرباحًا في القطاع الهندي أكثر من أي دولة أخرى. وهناك حوالي 16 رحلة جوية من عمان إلى الهند كل أسبوع تربط بين دلهي وأحمد آباد وجايبور ومومباي وكوتشين وحيدر آباد ولكناؤ وكولكاتا.
وتعتبر عمان وجهة تجارية رائعة حيث لا توجد ضريبة دخل، وحتى الرسوم الجمركية منخفضة للغاية. وحتى أوائل الستينيات كانت الروبية الهندية عملة صالحة في البلاد. ووفقًا لراجان، وهو محاسب قانوني عمل في شركة خاصة في مسقط، هناك مصالح تجارية متبادلة المنفعة بين البلدين أيضًا.
وتدير مؤسسة النفط العمانية مصفاة نفط في ولاية مادهيا براديش، وتمتلك شركة "كريبكو" مصنعًا للأسمدة في سلطنة عمان. وأحد حملة الأسهم في بنك "إتش دي إف سي" هو بنك مسقط. وبالمثل، هناك العديد من البنوك والمؤسسات التي لها مصالح مشتركة. ويعد القبول في المدرسة الهندية "مدرسة دلهي العامة" وأميتي الأكثر طلبًا في ذلك البلد.
وكانت خططت الهند وعمان لإقامة مشاريع مشتركة في قطاعات توليد الطاقة والسكك الحديدية والأسمدة. وللأسف، ضاعت بعض المشاريع بسبب الرقابة في الوزارات. ويرى الخبراء أن الفرص التجارية بين البلدين لم يتم استكشافها بعد. ولنأخذ على سبيل المثال البرازيل، فهي أكبر مصدر لخام الحديد في العالم، وقد جعلت من عمان مركزًا لممارسة الأعمال التجارية مع آسيا.
وبالمثل، يمكن أن تنظر الهند وسلطنة عمان إلى بعضهما البعض كبوابة لسوق أوسع. وحوالي 160 من الرؤساء التنفيذيين للشركات الموجودة في سلطنة عمان هم من الهنود. وإنهم يعملون في شركات مملوكة للعمانيين فهناك حاجة إلى استغلالهم لإثراء العلاقات التجارية بين البلدين. وحتى الآن لم يكن هناك تواصل كبير معهم.
وتتعاون البحرية الهندية مع البحرية الملكية العمانية على العديد من الجبهات بما في ذلك التفاعلات العملياتية والتدريب. وقد وقعت الهند وعمان قبل شهور اتفاقية لتعزيز التعاون في مجال الأمن البحري. وتم استخدام ميناء صلالة للتعاون البحري بين البلدين. ويقول الخبراء إن العلاقات العسكرية يمكن تحسينها بشكل أكبر لتحقيق ميزة استراتيجية أكبر.
اقرأ أيضًا: زيارة رئيس الوزراء مودي تعزّز العلاقات الاستراتيجية بين الهند وعُمان
ويقول السفير السابق لدى عمان، أنيل وادوا: إنه في مرافق التحول، لم نتقدم إلى ما هو أبعد من الاتفاق الأساسي. ويجب تعزيز مرافق إصلاح السفن. ويجب على الهنود أيضًا محاولة الحصول على إيجارات الأراضي الزراعية في عمان لتوفير السكر والقمح بانتظام.
وكان تدريب المسؤولين العُمانيين في المؤسسات الهندية -الذي كان قويًا في السابق- قد شهد تراجعًا في السنوات الأخيرة، مع توجه سلطنة عُمان بشكل متزايد نحو الدول الغربية. ويمكن أن تسهم إعادة إحياء التعاون في مجالي الخدمة المدنية والتدريب العسكري في إضافة بُعد جديد للعلاقات الثنائية بين البلدين.