شنكار كومار*
على الرغم من أن الهند لم تعترف رسميًا بحكومة حركة طالبان، فإن التواصل بين الجانبين شهد دفعة قوية عقب إعلان نيودلهي عزمها تحويل بعثتها الفنية في كابول إلى سفارة كاملة، وذلك خلال الزيارة التاريخية التي قام بها وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة أمير خان متقي.
وقال وزير الشؤون الخارجية إس. جايشانكار خلال أول اجتماع ثنائي له مع وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة أمير خان متقي في نيودلهي: "إن الهند تؤكد التزامها الراسخ بسيادة أفغانستان ووحدة أراضيها واستقلالها. وإن تعزيز التعاون بين بلدينا يسهم في دعم التنمية الوطنية لأفغانستان، وكذلك في ترسيخ الاستقرار والقدرة على الصمود الإقليمي. ومن أجل تعزيز ذلك، يسعدني أن أعلن اليوم رفع مستوى البعثة الفنية الهندية في كابول إلى سفارةٍ للهند".
وتعدّ زيارة أمير خان متقي، التي جرت عقب استثنائه من حظر السفر المفروض عليه من قِبل الأمم المتحدة، تحوّلًا ملموسًا في موقف الهند تجاه حكومة طالبان. ويشير هذا التطور إلى أن الهند تسعى إلى توظيف قنواتها الإنسانية القائمة مع كابول لتعزيز حضورها الدبلوماسي وتأمين مصالحها الاستراتيجية في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة.
وشكّلت لقاءات نوفمبر 2024م نقطة البداية في الاتصالات الدبلوماسية المباشرة بين الهند وحركة طالبان، حيث أجرى الدبلوماسي جي. بي. سينغ، سفير الهند لدى إسرائيل، سلسلة اجتماعات في كابول مع مسؤولين من طالبان، من بينهم وزير الدفاع بالوكالة الملا محمد يعقوب.
وبرزت أقوى مؤشرات انخراط نيودلهي الدبلوماسي عندما التقى وكيل الشؤون الخارجية فيكرام ميسري، بأمير خان متقي في دبي في يناير 2025م.

وفي 15 مايو، أجرى جايشانكار اتصالًا هاتفيًا مع نظيره أمير خان متقي، وبعد أن قَتَل إرهابيون باكستانيون 26 سائحًا في منطقة باهالغام بكشمير، لبحث تداعيات الحادث. وتجدّد التواصل بين الجانبين في أغسطس من العام نفسه، عقب الزلزال المدمّر الذي ضرب أفغانستان.
الأهمية الدبلوماسية والاستراتيجية للزيارة
تحمل زيارة أمير خان متقي أبعادًا دبلوماسية واستراتيجية بالغة الأهمية، نظرًا إلى عالمٍ يشهد تحولاتٍ جيوسياسية متسارعة بفعل عوامل متعددة، من بينها النهج غير المتوازن للولايات المتحدة في سياستها الخارجية. وشدد جايشانكار على هذه الدلالات خلال لقائه بمتقي، قائلاً: "إن زيارتكم تمثل خطوةً مهمة في تعزيز علاقاتنا الثنائية وتأكيد الصداقة الراسخة بين الهند وأفغانستان".
وتُشكّل هذه الزيارة أول انخراط وزاري رسمي بين الهند وأفغانستان منذ استيلاء حركة طالبان على السلطة في كابول في أغسطس 2021م. وتعكس الزيارة تحولات ديناميكية في المشهد الإقليمي، ولا سيما في ظل تغيّر السياسات الأمريكية وإعادة تموضعٍ في العلاقات الإقليمية في جنوب آسيا.
كما تُجسّد هذه الخطوة سعي الهند إلى اعتماد نهجٍ مستقل وجريء في سياستها الخارجية، بما يتناسب مع طبيعة النظام الجيوسياسي المتحوّل الذي تشهده المنطقة والعالم. ومع ذلك، أن الدافع الأساسي وراء انخراط نيودلهي مع حكومة طالبان يتمثل في تعزيز الاستقرار الإقليمي وفتح قنوات تعاون في مجال مكافحة الإرهاب، إلى جانب التفاعل بين الشعبين الهندي والأفغاني.
ومع ذلك، تأتي زيارة الوزير الأفغاني إلى نيودلهي في وقتٍ تشهد فيه علاقات كلٍّ من الهند وكابول مع إسلام آباد تدهورًا غير مسبوق.
وتتهم باكستانُ الحكومةَ الأفغانيةَ بإيواء عناصر حركة "تحريك طالبان باكستان" التي تنفذ هجمات متكررة ضد القوات الباكستانية. وشنت حركة طالبان باكستان في الآنة الاخيرة هجماتها المتكررة ضد الجيش الباكستاني.
وشهدت باكستان، وفقًا للمعهد الباكستاني لدراسات الصراع والأمن، ارتفاعًا بنسبة 74٪ في مستوى العنف منذ شهر يوليو. كما سجّل المعهد في شهر أغسطس وحده نحو 143 هجومًا إرهابيًا.
ووجّهت باكستان اتهامات مباشرة إلى أفغانستان بالمسؤولية عن تصاعد أعمال العنف التي تقودها حركة "تحريك طالبان باكستان"،بينما نفت كابول بشدة إيواء الحركة أو دعمها بأي شكل من الأشكال. وبلغ التوتر بين البلدين ذروته عقب الغارات الجوية الباكستانية على شرق أفغانستان التي أدت إلى مقتل 46 شخصًا.
الهند تدعم استقرار أفغانستان
تشدد الهند على أن تحقيق السلام والأمن والاستقرار في أفغانستان يشكل ركيزة أساسية للأمن الإقليمي والنظام الدولي، انطلاقًا من قناعتها بأن استقرار أفغانستان هو شرط مسبق لاستقرار محيطها الآسيوي الأوسع. وموقعها الجغرافي عند نقطة التقاء جنوب آسيا بآسيا الوسطى يمنحها أهمية استراتيجية بالغة، إذ إن أي اضطراب داخلي فيها قد يفتح المجال أمام تمدّد التنظيمات الإرهابية وتوسّع شبكات تهريب المخدرات.
وكشف سكرتير مجلس الأمن الروسي، سيرغي شويغو، في مقابلة حديثة أن أفغانستان تُؤوي نحو 20 جماعة إرهابية أجنبية، تضم ما يقارب 23 ألف مقاتل ينتشرون داخل أراضيها.

في هذا السياق، تمس حاجة ملحّة إلى صياغة استراتيجية شاملة لمواجهة التنظيمات الإرهابية وشبكات الدعم التي تقف خلفها. ومع ذلك، فإن نجاح أي نهج متكامل في هذا الاتجاه يظل رهينًا بتقديم المجتمع الدولي دعمًا فعليًا لحكومة طالبان، التي تواجه تلك الجماعات الإرهابية بموارد محدودة وقدرات أمنية ضعيفة.
وأعربت الهند عن قلق متزايد من إمكانية استغلال كيانات وأفراد مصنّفين إرهابيين من قِبل الأمم المتحدة للأراضي الأفغانية في تنفيذ أنشطة شنيعة تهدد الأمن الإقليمي والدولي.
وجاء هذا الموقف خلال اجتماعات "صيغة موسكو" السابعة بشأن أفغانستان، التي عُقدت في العاصمة الروسية موسكو في الثامن من أكتوبر، حيث شددت نيودلهي على ضرورة منع استغلال الأراضي الأفغانية كمنصة لأي نشاط إرهابي.
وتؤكد الهند في موقفها الثابت أن استقرار أفغانستان لا يصب في مصلحة جيرانها فحسب، بل يخدم أيضًا الأمن والسلم الدوليين، إذ إن أي اضطراب داخلي في هذا البلد يوفر ملاذًا آمنًا للجماعات الإرهابية. وقد تجلّى ذلك بوضوح خلال حقبة حكم طالبان الأولى بين عامي 1996 و2001م.
وأكد أمير خان متقي التزام حكومة طالبان بعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية ضد أي دولة أخرى. كما عن رغبة حكومته في توسيع التعاون مع الهند في مجال مكافحة الإرهاب.
المساعدات التنموية لأفغانستان
حافظت الهند على علاقاتها التاريخية والثقافية العميقة مع أفغانستان، بغضّ النظر عن طبيعة الأنظمة المتعاقبة في كابول. وتستند هذه العلاقة إلى روابط إنسانية وحضارية متجذّرة تتسم بالدفء الطبيعي والتقارب الشعبي.
واستثمرت الهند أكثر من 3 مليارات دولار في تنفيذ أكثر من 500 مشروع تنموي في مختلف أنحاء أفغانستان، شملت بناء الطرق والسدود والمستشفيات وتطوير البنية التحتية لقطاع الطاقة، إلى جانب تشييد مبنى البرلمان الأفغاني الجديد. وخلال لقائه بمتقي، أكد جايشانكار أن الهند على استعداد لتعزيز دعمها لجهود التنمية والتقدم في أفغانستان.
وأعربت الهند عن استعدادها للقيام بأعمال الصيانة والإصلاح للمشروعات التي أنجزتها سابقًا في أفغانستان، إضافةً إلى استكمال المشاريع التي توقفت عقب تغيّر النظام في كابول.
وخلال زيارة الوزير الأفغاني أمير خان متقي، أعلنت نيودلهي عن إطلاق ستة مشاريع تنموية جديدة في أفغانستان، قدّمت 20 سيارة إسعاف وأجهزة طبية متطورة تشمل معدات التصوير بالرنين المغناطيسي، وأجهزة الأشعة المقطعية، وكميات من الأدوية والمستلزمات الطبية دعمًا للمستشفيات الأفغانية.
وأعلنت الهند عن عزمها بناء مساكن وتقديم مساعدات مادية للاجئين الأفغان الذين تم ترحيلهم قسرًا من باكستان. وقال جايشانكار في هذا الصدد: "معاناة اللاجئين الأفغان المرحّلين قسرًا تثير قلقًا عميقًا، إذ تُعدّ كرامتهم وتأمين سبل عيشهم أولوية أساسية. وتوافق الهند على المساعدة في بناء مساكن لهم ومواصلة تقديم الدعم المادي لإعادة بناء حياتهم". كما وافقت الهند على التعاون مع أفغانستان في مجال الإدارة المستدامة لموارد المياه.
اقرأ أيضًا: انتخابات بيهار عام 1937م.. حين بدأت الديمقراطية تخطو أولى خطواتها
وتُعد زيارة وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة أمير خان متقي إلى نيودلهي خطوة حذرة لكنها ذات دلالات استراتيجية مهمة في مسار تطور انخراط الهند مع إدارة طالبان.
وفي هذا السياق، أعلنت نيودلهي عن استعدادها لتوسيع فرص التعليم أمام الطلاب الأفغان في الجامعات الهندية، إلى جانب تعزيز دعمها للمنتخب الأفغاني للكريكيت، وهو ما أضفى زخمًا جديدًا على العلاقات الهندية–الأفغانية.
ويُجسّد قرار الهند بزيادة عدد التأشيرات الممنوحة للأغراض الطبية والتجارية والتعليمية توجّهها نحو تعميق الروابط بين الشعبين الهندي والأفغاني وتعزيز قنوات التواصل المؤسسي بين البلدين.