العلاقات بين الهند والولايات المتحدة… إلى أين تتجه؟

17-11-2025  آخر تحديث   | 17-11-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | آواز دي وايس 
العلاقات بين الهند والولايات المتحدة… إلى أين تتجه؟
العلاقات بين الهند والولايات المتحدة… إلى أين تتجه؟

 


سوشما راماتشاندران*

لا يزال الاتفاق التجاري بين الهند والولايات المتحدة نقطة في بحر؛ فعلى الرغم من التصريحات المتكررة من مسؤولي الطرفين بأن الاتفاق التجاري بات على وشك الاكتمال، فإنه ما يزال بعيدًا عن التحقق الفعلي. ويكشف هذا التأخير الطويل مدى توتر العلاقات بين البلدين، اللذين كانا يُنظر إليهما حتى وقت قريب كحليفين استراتيجيين متقاربين. وفي الفترة الأخيرة، حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعادة نبرة الود في خطابه تجاه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، إلا أن هذه الإشارات جاءت متأخرة، في ظل دخول العلاقات الثنائية في حالة من الضبابية وعدم اليقين.

وليس الخلاف التجاري وحده ما أدى إلى تصاعد التوترات بين الجانبين؛ إذ إن عددًا من السياسات التي اعتمدتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدت موجّهة بشكل مباشر نحو الهند. ويبرز في مقدمة هذه الإجراءات قرار فرض رسوم مرتفعة على منح تأشيرات H1B، وهو ما يؤثر سلبًا في شركات التكنولوجيا الأميركية التي تعتمد بدرجة كبيرة على الكفاءات القادمة من الهند. وبموجب القرار الجديد، ستبلغ تكلفة التأشيرة نحو 100 ألف دولار عند التقديم لأول مرة. ومن المعروف أن أكثر من 70% من هذه التأشيرات تُمنح للهنود، ما يجعل الإجراء يبدو موجّهًا نحو هذه الفئة بعينها.

وفي الوقت نفسه، فإن الشركات الأكثر تضررًا من هذه الرسوم ليست هندية بل أميركية في الأساس، إذ تتصدر شركة أمازون قائمة أكبر الجهات الراعية لتأشيرات H1B، لعام 2025م بنحو 10 آلاف تأشيرة، تليها شركة TCS، بـ5,500 تأشيرة، بينما تغيب شركات هندية كبرى مثل إنفوسيس عن المراتب العشر الأولى تمامًا.

ومن المرجّح أن تؤدي هذه الإجراءات إلى الحدّ من تدفق نخبة العلماء والمهندسين الهنود إلى وادي السيليكون، ذلك الفضاء الذي يشكّل بيئة مثالية للابتكار والتقدّم التكنولوجي. ورغم أن المبرّر المعلن للرسوم المرتفعة هو تشجيع الشركات على توظيف مزيد من الأميركيين، فإن هذا الهدف لا يبدو قابلًا للتحقق. فالولايات المتحدة لا تمتلكالعدد الكافي من الخريجين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضياتلسدّ احتياجات قطاعها التكنولوجي المتنامي.

وفي الواقع، قد تفضي هذه الإجراءات إلى نتيجة عكسية؛ إذ قد تجد الشركات نفسها مضطرة لتوظيف من رُفضت تأشيراتهم داخل الهند للعمل عن بُعد، ما يعني خلق وظائف هنا بدلًا من انتقالهم إلى الولايات المتحدة.

ومن بين الخطوات العدائية الأخرى الضغوط المتواصلة التي يمارسها ترامب وكبار مساعديه على الهند لوقف وارداتها من النفط الروسي، بزعم أنها تساهم في تمويل الحرب في أوكرانيا، غير أنّ هذا التبرير يبدو بعيدًا عن الإقناع، ولا سيما مع التغاضي التام عن أكبر مشترٍ للنفط الروسي، وهي الصين.

والمفارقة أن ملف النفط الروسي لم يُطرح مطلقًا خلال قمة ترامب–شي في كوريا الجنوبية. فالرئيس ترامب اكتفى خلال تواصله مع وسائل الإعلام بالقول إن الموضوع لم يدرج على جدول المناقشات، غير أن تقارير إعلامية أخرى أشارت إلى أن الموضوع طرح بالفعل، لكن الجانب الصيني لم يقدّم أي رد.

وتبدو الازدواجية في التعامل مع ملف النفط أوضح ما تكون، إذ تكشف بوضوح محاولات الضغط على الهند تحديدًا. قد ازداد هذا التمييز وضوحًا بعد منح الولايات المتحدة إعفاءً خاصًا للمجر يتيح لها الاستمرار في شراء النفط الروسي. وتقول السلطات الأميركية إن الإعفاء مؤقت لمدة عام واحد، بينما تؤكد المجر أن إعفاءها لأجل غير مسمى وسيكون دائمًا.

ومع ذلك، يبقى ملف التجارة هو العنوان الأبرز للخلاف بين البلدين، والعامل الذي خلّف الأثر الأعمق في تراجع العلاقات بين الهند والولايات المتحدة. فقد أثار الأسلوب التعسّفي الذي جرى من خلاله تحديد الرسوم الجمركية على الدول المنافسة في السوق الأميركية استياءً واسعًا، خاصة أن هذه القرارات اتُّخذت بمعزل عن آليات واضحة أو مشاورات مسبقة. ويتجلّى ذلك بوضوح في القرار الأخير برفع الرسوم على السلع الصينية إلى 47% بعد قمة ترامب–شي.

وتبلغ الرسوم المفروضة على باكستان حاليًا نحو 19%، بينما تصل في فيتنام إلى 20%، وفي كل من ماليزيا وإندونيسيا إلى 19%. وفي المقابل، تواجه الهند رسومًا ضخمة تصل إلى 50%، تشمل 25% إضافية تُفرض كعقوبة على استيرادها النفط الروسي. ويُظهر هذا التفاوت أن الهند تتحمّل العبء الأكبر من الهيكل الجمركي الأميركي مقارنة بدول المنطقة.

وقد بدأ تأثير الرسوم البالغة 50% يتجلى بالفعل في تراجع الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة؛ إذ تشير تقارير حديثة إلى أن الشحن الجوي بلغ أدنى مستوى له خلال تسع سنوات، بعدما جعلت التكلفة المرتفعة السلع الهندية أقل جاذبية للمستوردين الأميركيين. ومن المتوقع أن تمتد التداعيات إلى القطاعات كثيفة العمالة، مثل المنسوجات والأحجار الكريمة والمجوهرات والحرف اليدوية.

وفي ظل هذا التدهور الواضح في العلاقات، جددت نيودلهي وواشنطن اتفاق الإطار الدفاعي لمدة عشر سنوات، إلا أن التجمع الرباعي (الكوادر)، الذي يضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، يبدو بدوره في حالة من عدم الاستقرار؛ فقد تم تأجيل القمة التي كان من المقرر عقدها في الهند.

ووصل توتر العلاقات الهندية–الأميركية إلى حدّ يقترب من نقطة الانكسار. وما يبعث على الاستغراب أن أسباب هذا التوتر بين بلدين كان يُتوقع لهما أن يشكّلا شراكة استراتيجية طويلة الأمد لا تبدو واضحة على السطح. فالفجوات الحالية تبدو إلى حد كبير نتاج قرارات اعتباطية اتخذها دونالد ترامب. وقد طُرحت عدة تفسيرات لحالة العداء التي أظهرها هو وفريقه تجاه الهند، من بينها اهتمامه بصفقات مرتبطة بالعملات المشفّرة التي يُعتقد أن لها صلات بباكستان، إضافة إلى استيائه من رفض نيودلهي منحه الفضل في حلّ النزاع بين الجارتين.

ومع التدقيق في الأسباب المطروحة، يتّضح أنها تفتقر إلى أي رؤية استراتيجية ممتدة لشراكة اقتصادية وأمنية حقيقية بين البلدين. فإدارة ترامب تبدو وكأنها تخلّت عن مسار كان من الممكن أن يرسّخ تحالفًا قويًا وفاعلًا للهند والولايات المتحدة على الساحة الدولية. وفي مواجهة هذا التراجع، تبنّت الهند مقاربة أكثر براغماتية تقوم على إعادة موازنة علاقاتها الخارجية عبر الانفتاح على لاعبين اقتصاديين واستراتيجيين آخرين. ولهذا اندفعت نيودلهي نحو عقد اتفاقيات تجارة حرة مع عدد من الدول، بالتوازي مع السعي إلى تعزيز علاقاتها التقليدية مجددًا مع روسيا.

اقرأ أيضًا: ضبابٌ لا صوت له… هكذا يتسلّل التطرّف

وتبدو هذه السياسات واقعية في جوهرها، ومن المرجّح أن تؤتي ثمارها مع الوقت. كما أن تباطؤ العلاقات مع واشنطن لن يترك أثرًا كبيرًا على النمو، فالهند تمتلك سوقًا داخلية واسعة تُشكّل المحرّك الأساسي لاقتصادها. ومع ذلك، يبقى مؤسفًا أن تصل العلاقات الهندية–الأميركية إلى هذا المستوى من التراجع، بعد أن كانت تُعدّ من أكثر الشراكات الدولية قابلية للتطور خلال السنوات الماضية.

قصص مقترحة