الأمانة فريضة عظيمة حملها الإنسان ورفضتها السماوات والجبال

05-12-2025  آخر تحديث   | 04-12-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | إيمان سكينة 
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

 


 إيمان سكينة

الأمانة هي واحدة من أعمق القيم الأخلاقية التي يؤكّد عليها الإسلام. فهي ليست مجرد فضيلة اجتماعية أو صفة محمودة فحسب، بل تُعدّ ركيزة أساسية للإيمان والخلق والنزاهة الروحية للمؤمن. ومن تعاليم القرآن المباشرة إلى السيرة النموذجية للنبي محمد ﷺ، يتغلغل مفهوم الأمانة في كل جانب من جوانب الحياة الإسلامية: الشخصية، والاجتماعية، والاقتصادية، والروحية.

وتشمل الأمانة في الإسلام كل ما يُؤتَمن عليه الإنسان من الله أو من الناس. ويشمل ذلك الممتلكات المادية، والمعلومات السرية، والمسؤوليات، والمناصب، حتى القدرات الجسدية والروحية للإنسان. وقد وصف الله تعالى الأمانة بأنها مسؤولية عظيمة، حتى إن السماوات والأرض والجبال أبت أن تحملها لما فيها من ثِقلٍ وجِدية. ويُبرز ذلك أن الأمانة ليست خيارًا، بل هي واجب مقدّس على كل مسلم. فخيانة الأمانة هي في حقيقتها خروج عن جوهر الإيمان نفسه.

وكانت الأمانة من أوائل الصفات التي عُرِف بها النبي محمد ﷺ قبل البعثة بوقت طويل. حتى أعداؤه كانوا يلقّبونه بـ"الأمين" أي الرجل الذي لا يُخان له عهد. وكان الناس يأتمنونه على أموالهم وأسرارهم وخلافاتهم لعلمهم بأنه لن يخون أمانتهم. وأصبحت هذه الخُلَّة علامة بارزة في رسالته. فقد علّم النبي ﷺ أن الأمانة من دلائل الإيمان الصادق، وأن خيانة الأمانة من علامات النفاق. وجاء في حديث نبوي: "لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ له".

وهكذا، فإن علاقة الإنسان بالله وبالمجتمع تظل ناقصة من دون الأمانة. فالإسلام لا ينظر إلى الأمانة بوصفها واجبًا دنيويًا فحسب، بل يجعلها مرتبطة ارتباطًا عميقًا بإيمان المؤمن. فالقلب الأمين يعكس الصدق والإخلاص وخشية الله. وعندما يؤدي الإنسان ما أُوكل إليه من أمانات، فإنه يُظهر وعيه بأن الله يراه مهما غاب نظر الناس عنه. 

وعلى العكس، فإن خيانة الأمانة لا تُفسد العلاقات بين الناس فحسب، بل تُفسد حال الإنسان الروحية. فهي دليل على ضعفٍ أخلاقي ونقصٍ في الشعور بالمسؤولية أمام الله.

وإن الفهم الإسلامي للأمانة واسع وشامل، ويشمل ما يلي:

- الأمانات المالية: إرجاع الأشياء المُستعارة، وسداد الديون في وقتها، والصدق في التجارة والمعاملات، وهذه كلها ضمن مفهوم الأمانة. كما يدين الإسلام بشدة الغش، والاحتكار، والخداع، ونقض العقود.

- المسؤوليات والمناصب: كل دور -سواء كان أبًا، أو معلمًا، أو موظفًا، أو مديرًا، أو قائدًا- هو أمانة. وتُوصَف القيادة على وجه الخصوص بأنها أمانة ثقيلة. وإن إساءة استخدام السلطة، أو إهمال الواجبات، أو الظلم، جميعها تُعد خيانة لهذه الأمانة المقدّسة.

القول والسرية: حفظ أسرار الناس، وعدم تحريف المعلومات، وتجنّب الغيبة والنميمة وكشف عيوب الآخرين، وهذه كلها من الأمانة. فالمسلم الأمين يحفظ لسانه بعناية.

الوقت والالتزامات: المواعيد، والمهل الزمنية، والوعود هي التزامات أخلاقية. والتهاون فيها يُعد خيانة للأمانة.

الهبات الشخصية من الله: حتى الصحة، والمال، والذكاء، والفرص هي أمانات من الله. واستخدامها بمسؤولية، والامتناع عن إيذاء النفس أو الآخرين، يُعدّ أداءً للأمانة على المستوى الروحي.

وتُعدّ الأمانة أحد أعمدة المجتمع السليم؛ فعندما يثق الناس ببعضهم بعضًا، تزدهر الأنظمة الاقتصادية، وتشتدّ قوة الأسر، وتعمّ السكينة في المجتمعات. وأما المجتمع الذي يغيب عنه عنصر الثقة فينهار إلى الفساد والكذب والخوف. وإن إصرار الإسلام على الأمانة يهدف إلى بناء مجتمع يكون أفراده فيه موثوقين وصادقين ومخلصين.

اقرأ أيضًا: مفهوم الرزق: من الثروة المادية إلى السكينة الداخلية

والأمانة لا تتحقق بالقول فحسب، بل تتطلب أفعالاً متواصلة. وينمّي المسلم هذه الصفة من خلال الانضباط الذاتي، والصدق، وخشية الله، والرغبة الصادقة في تجسيد تعاليم الإسلام. فيجب على الآباء غرسها في الأبناء، وعلى القادة أن يكونوا قدوة حسنة، وعلى الأفراد أن يمارسوها في كل جانب من جوانب الحياة.

قصص مقترحة