بلّب بهاتاشاريا*
تتغير الخريطة الجيوسياسية للدول كما تتغير أمواج البحر، ما بين فرص واعدة وتنافس خفي. والهند ليست استثناءً، إذ تنعكس هذه الديناميكية بوضوح في علاقاتها مع بنغلاديش، والصين، وبقية العالم. فقد أحدثت الإطاحة بشيخ حسينة في 5 مارس 2025م، وهي زعيمة كانت تربطها بنيو دلهي علاقة تفاهم وثيقة، زلزالًا في العلاقات الثنائية. وعلى الرغم من التوتر السياسي الذي أعقب ذلك، اتخذت الهند خطوة براغماتية باستئناف تصدير البصل إلى بنغلاديش اعتبارًا من 17 أغسطس 2025م، بكمية بلغت 230 طنًا متريًا فقط، لكنها كانت تحمل رسالة أبلغ من حجمها، وهي أن تغير السياسات لا ينبغي أن يقوّض أواصر العلاقات بين الشعوب.
ويشكل الفصل بين المصالح المؤقتة والمصالح الدائمة محورًا رئيسيًا في السياسة الخارجية الهندية. فقد أظهرت الحروب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن القوى الكبرى لا تتردد في استخدام التجارة كأداة ضغط، مما يدفع دولًا مثل الهند أن تتخذ نهجًا أكثر حذرًا يوازن بين مصالحها الاقتصادية واستقلالها الاستراتيجي. ويتجلى هذا التوازن الدقيق بشكل خاص في العلاقة المعقدة والضرورية مع الصين، رغم ما يشوبها من توتر.
وشكّلت زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى نيودلهي في 18 أغسطس 2025م، بعد انقطاع دام ثلاث سنوات، نقطة تحوّل في مسار العلاقات بين البلدين. فقد مهّدت محادثاته مع مستشار الأمن القومي أجيت دوفال ووزير الشؤون الخارجية أس. جايشانكار، الطريق أمام الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى مدينة تيانجين، لحضور قمة منظمة شنغهاي للتعاون، وهي أول زيارة له من هذا النوع منذ سبع سنوات.
ولم يكن هذا التقارب مجرد تحرك دبلوماسي، بل اتخذ أبعادًا ملموسة على الأرض. فاستئناف الرحلات الجوية المباشرة، والمجمّدة منذ جائحة كورونا واشتباكات الحدود، مثّل انفتاحًا في الأجواء، وربما في القلوب أيضًا. أما إعادة فتح طرق التجارة الحدودية التقليدية عبر ليبوليخ، وشيبكي لا، وناثولا، فقد حملت دلالة ثقافية أكثر منها تجارية، لأن الرمزية في العلاقات الدولية تحمل وزنًا بالغًا. كما أن إرسال أول شحنة ديزل هندية إلى الصين منذ عام 2021م يعكس كيف يمكن للاقتصاد أن يمهّد الطرق حيث تتعثر السياسة.
ومع ذلك، إن هذا التقارب لا يخلو من منغّصات. فوجود عشرات الآلاف من الجنود على طول خط السيطرة الفعلية لا يزال قائمًا، رغم الاتفاقات التي تهدّأ التوترات على السطح. كما تثير مشاريع الصين التوسعية في التبت، إلى جانب تحالفها الوثيق مع باكستان، قلقًا دائمًا لدى الهند. وفي الجانب الاقتصادي، لا يمكن لنيودلهي أن تغضّ النظر عن العجز التجاري الهائل مع بكين، الذي يقترب من 100 مليار دولار، ويُخلّ بتوازن العلاقة الاقتصادية بين البلدين. فبناءً عليه، يجب أن يُعتبر التحسن الأخير في العلاقات خطوة براغماتية مؤقتة أكثر من كونه مصالحة نهائية.
ومع ذلك، تُعلِّمنا التجارب التاريخية أن إعادة التمركز التكتيكية قد تغير مسار الدول. والرد الموحد على سياسات التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب جمع نيودلهي وبكين في مواجهة الضغوط الخارجية، مما يثبت أن الشدائد قد تخلق أحيانًا تحالفات غير متوقعة. فمن التوتر عند غالوان إلى المحادثات في نيودلهي، يعكس مسار العلاقات بين الهند والصين هشاشة الدبلوماسية الدولية ومرونتها.
وفي النهاية، يكمن التحدي أمام الهند في تجاوزها الخطوات الثلاثة الفورية المتمثلة في ثلاثة "دي"، وهي: فك الاشتباك (دس انغيز منت)، وخفض التصعيد (دي اسكليشن)، وسحب القوات (دي اندكشن)، وتخطو نحو مستقبل يتأسس على ثلاثة مبادئ متمثلة في في ثلاثة "سي"، وهي: الثقة (كانفي دينس)، والتعاون (كواوبريشن)، والعمل المشترك (كولابوريشن). ففي عالم يواجه أزمات مشتركة كالتغير المناخي، والأوبئة، وأمن الطاقة، لا يمكن لأي من التنين أو الفيل أن يرقص منفردًا.
اقرأ أيضًا: وزير الخارجية الصيني وانغ يي يزور الهند يومي 18 و19 أغسطس الجاري
وكما كتب رابندرانات طاغور ذات مرة: "لا يمكنك عبور البحر بمجرد الوقوف والتحديق في الماء."فأمام الهند والصين خيار واضح: إما التقدم معًا، بحذر ولكن بثبات، أو الوقوع في دوّامات الشك وانعدام الثقة. وقد تكون الخطوات مترددة، لكن إيقاع التاريخ يحثّ الطرفين على أن يرقصا معًا.